لمحة موجزة عن تاريخ الشــرك فــي المغرب حماد القباج

“يمكن أن نقسم المعتقدات التي كانت سائدة في المغرب قبل الإسلام إلى قسمين:

الأول: المعتقدات المحلية المتمثلة في الوثنية والمجوسية، والاعتقاد بالسحر والشعوذة:

فبالنسبة للوثنية، كان لبعض القبائل في المغرب أصناما من الحجارة، مثل صنم قبائل ودان المبني على ربوة تسمى (كرزة)، وكانوا يقربون له القرابين، ويستشفون به من أمراضهم، ويتبركون به[1]، وفي المنطقة الجبلية المحصورة ما بين أغمات والسوس في المغرب الأقصى، كانت توجد قبيلة من البربر يعبد أفرادها الكباش[2]. أما ما يتعلق بالمجوسية فيروى أن بعض قبائل منطقة فاس قبل بنائها، ولا سيما بنو يرغثن، كان لهم بيت نار[3]، مما يدل على انتشار المجوسية في هذه المنطقة..

ولعل أفضل مثال عن السحر والشعوذة، ما يورده الكتاب عن الكاهنة، زعيمة جبل أوراس، وما كانت تقوم به من أساليب الحدس والتنبؤ.

وتمدنا قصة هذه الكاهنة التي تتراوح ما بين الحقيقة والأسطورة[4]، بصور لبعض العادات والتقاليد التي كانت معظمة عند البربر إلى درجة كبيرة تصل إلى العقيدة الدينية، ومنها عادة المؤاخاة عن طريق الرضاع الرمزي، وذلك بأن يمزج الدقيق بالزيت ويجعل على ثدي المرأة، ثم يأتي الرجل فيأكل من ثديها مع أبنائها فيصبح ابنا لها وأخا لأولادها”[5]..

ثم تشرف المغرب بالفتح الإسلامي؛ في منتصف القرن الهجري الأول، فتخلص بذلك من الوثنية والجهل العظيمين الذين وصلا ببعض الفئات إلى حد عبادة الحيوان!

وقد أدى الفاتحون خدمة جليلة للمغاربة؛ حين أخرجوهم من شرك الوثنية وظلم وعدوان البيزنطيين؛ إلى نور التوحيد وعدل شريعة الإسلام.

.. ثم رجع شبح الشرك والجهل ليخيم على المغرب بعد دولة الأدارسة، وتفاوتت المناطق في ذلك.

واستمر التدهور إلى أن ظهرت الحركة الإصلاحية التي تزعمتها الدولة المرابطية؛ من خلال مؤسسيها: الأمير يحيى بن إبراهيم الجدالي والشيخ عبد الله بن ياسين الجزولي.

واستمرت الحالة الدينية للمغرب بين مد وجزر، ولعب دخول التصوف الدور الأبرز في انتشار الطرقية والقبورية الذين أغرقا الحالة الدينية للمغرب في أوحال الشرك والوثنية؛ فتفشى فكر القطبية والغوثية، وانتشر دعاء الأولياء الأموات، والاستغاثة والاستعاذة بهم والذبح لهم والنذر ..إلـخ.

قال العلامة المغربي؛ محمد بن عبد الله المؤقت المراكشي، بعد وصفه لظاهرة الشرك التي تفشت في المغرب وغيره من البلاد الإسلامية:

“وإن لم يكن هذا كفرا فجهل عظيم، وغباوة جسيمة، وفي صحيح الإمام مسلم عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لعن الله من ذبح لغير الله”.

قال بعض العلماء: كالذبح على أضرحة الأولياء، وهذه الذبيحة لا تؤكل لأنها مما أهل به لغير الله، ويتناول صاحبها اللعن.

وقال: وقد قلت في شدةٍ لرجل يوما يستغيث ببعض الأموات وينادي يا فلان أغثني: قل يا الله؛ فقد قال سبحانه: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان} فغضب، وبلغني أنه قال: إن فلانا منكر على الأولياء! وسمعت من بعضهم أنه قال: الولي أسرع إجابة من الله عز وجل، وهذا من الكفر بمكان. نسأل الله أن يعصمنا من الزيغ والطغيان.

وقال: وقد صح أنه كان صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: “السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون” إلخ، ولم يرد عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم، وهم أحرص الخلق على كل خير أنه طلب من ميت شيئا، بل قد صح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقول إذا دخل الحجرة النبوية زائرا: السلام عليك يا رسول الله: السلام عليك يا أبا بكر السلام عليك يا أبت، ثم ينصرف ولا يطلب من سيد العالمين عليه الصلاة والسلام ولا من ضجيعيه المكرمين رضي الله عنهما شيئا، وهم أكرم من ضمته البسيطة، وأرفع قدرا من سائر من أحاطت به الأفلاك المحيطة.

وقال: ومن بدعهم الحلف بغير الله مع ورود النهي عن ذلك؛ فمنهم من يحلف بمن اشتهر في الوقت بالصلاح، ومنهم من يحلف بالأخوة والأبوة والطعام والمحبة، وأمثال هذا الخور الذي لا يخرج إلا من لسان أحمق أخرق لا يميز بين السماء والأرض.

وكل هذا ورد النهي عنه، وقد جاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله تعالى ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت“.

فانظر إلى قوله صلى الله عليه وسلم: “فمن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت” تعرف أن الحلف بغير الله، -ولو مما عظم الله كالكعبة والأولياء- منهي عنه شرعا.

وقال: “أما من حيث النذور في بلادنا اليوم، فلهم فيها ابتداعات قضت على أمر الدين، وتمكن إبليس اللعين من إدخال الفساد على الإسلام وأهله من هذا الباب حتى لا ترى مسلما اليوم إلا وهو بالوثني أشبه إلا ما قل.

جاء الإسلام بعقيدة التوحيد ليرفع نفوس المسلمين ويغرس في قلوبهم الشرف والعزة والأنفة والحمية، وليعتق رقابهم من رق العبودية لغير الله، فلا يذل صغيرهم لكبيرهم، ولا يهاب ضعيفهم قويهم، ولا يكون لذي سلطان بينهم سلطان إلا بالحق والعدل.

وقد ترك الإسلام بفضل عقيدة التوحيد ذلك الأثر الصالح في نفوس المسلمين في العصور الأولى فكانوا ذوي أنفة وعزة وإباء وغيرة، يضربون على يد الظالم إذا ظلم، ويقولون للسلطان إذا جاوز حده في سلطانه: قف مكانك، ولا تغل في تقدير مقدار نفسك، فإنما أنت عبد مخلوق، لا رب معبود، واعلم أنه لا إله إلا الله.

هذه صورة من صور نفوس المسلمين في عصر التوحيد. أما اليوم وقد داخل عقيدتهم ما داخلها من الشرك الباطن تارة والظاهر أخرى. فقد ذلت رقابهم، وخفقت رؤوسهم، وصرعت نفوسهم، وفترت حميتهم، فرضوا بخطة الخسف واستناموا إلى المنزلة الدنيا، فوجد أعداؤهم السبيل إليهم فغلبوهم على أمرهم، وملكوا نفوسهم وأموالهم ومواطنهم وديارهم، فأصبحوا من الخاسرين.

والله لن يسترجع المسلمون سالف مجدهم، ولن يبلغوا ما يريدون لأنفسهم من سعادة الحياة وهنائها إلا إذا استرجعوا قبل ذلك ما أضاعوه من عقيدة التوحيد، وإن طلوع الشمس من مغربها وانصباب ماء النهر في منبعه أقرب من رجوع الإسلام إلى سالف مجده مادام المسلمون يقفون بين يدي السبتي والجزولي والغزواني والتباع والسهيلي واليحصبي وأمثالهم في سائر الأقطار كما يقفون بين يدي الله.

يا قادة الأمة ورؤساءها، عذرنا العامة في إشراكها وفساد عقائدها. وقلنا أن العامي أقصر نظرا وأضعف بصيرة من أن يتصور الألوهية إلا إذا رآها ماثلة في النصب والتماثيل والأضرحة والقبور، فما عذركم أنتم وأنتم تتلون كتاب الله وتقرؤون صفاته ونعوته، وتفهمون معنى قوله تعالى: {إنما الغيب لله}، وقوله مخاطبا لنبيه مولانا محمد صلى الله عليه وسلم: {قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا} وقوله:{وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى}.

فهل تعلمون أن السلف الصالح كانوا يجصصون قبرا، أو يتوسلون بضريح، وهل تعلمون أن واحدا منهم وقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم أو قبر أحد من أصحابه وآل بيته يسأله قضاء حاجة، أو تفريج كربة، وهل تعلمون أن السبتي والجيلاني والدسوقي وأمثالهم أكرم عند الله وأعظم وسيلة إليه من الأنبياء والمرسلين والصحابة والتابعين؟!

وهل تعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما نهى عن إقامة الصور والتماثيل، نهى عنها عبثا ولعبا، أم مخافة أن تعيد للمسلمين جاهليتهم الأولى؟! وأي فرق بين الصور والتماثيل وبين الأضرحة والقبور ما دام كل منهما يجر إلى الشرك ويفسد عقيدة التوحيد؟!”اهـ.

 

[1]  البكري، المغرب في ذكر بلاد إفريقية والمغرب ص. 12.

[2]  المصدر نفسه، ص. 161.

[3]  ابن أبي زرع، الأنيس المطرب بروض القرطاس في أخبار ملوك المغرب وتاريخ مدينة فاس، الرباط، 1972، ص. 31.

[4]  عبد الحميد 1/115.

[5]  أبو إسحاق إبراهيم الرقيق القيرواني، تاريخ إفريقية والمغرب، تحقيق: المنجي الكعبي، تونس، 1986، ص. 58/59؛ انظر: كتاب: الإسلام في المغرب والأندلس؛ كيف انتشر ولماذا؟ ص. 12 ـ 13.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *