آيات تفهم على غير وجهها (سورة القصص) إبراهيم الصغير

قوله تعالى: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}4.
كلمة «يَسْتَحْيِي» بمعنى يستبقي النساء على قيد الحياة، لا من الحياء.
قال بن عجيبة: وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ أي: البنات، يتركهم لخدمته.
فالاستحياء استفعال يدل على طلب الحياة كالاستسقاء والاستبقاء.
وفي لسان العرب: استحياه، أبقاه حيا.
قال اللحياني: استحياه استبقاه حيا ولم يقتله وبه فسر هذه الآية.
وعليه فيستحي في الآية يستبقينهن أحياء من الحياة لا من الحياء كما يتبادر إلى الأذهان.

قوله تعالى: {وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ}5.
كلمة «نَّمُنَّ» تفهم على غير وجهها.
قال القاضي أبو محمد: المعنى يستضعف فرعون ونحن نريد أن ننعم ونعظم المنة على أولئك المستضعفين.
قال القرطبي: أي نتفضل عليهم وننعم.
قال بن عاشور: والمن: الإنعام، وجاء مضارعه مضموم العين على خلاف القياس.
وفي تفسير المراغي: أي ونريد أن نتفضل بإحساننا على من استضعفهم فرعون وأذلهم، وننجيهم من بأسه.

قوله تعالى: {وَقَالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَن جُنُبٍ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ}11.
كلمة «عن جنب» ليس المقصود ما يتبادر إلى الذهن أنها من الجنابة بل معناها عن بعد.
قال الطبري: وقوله: {فبصرت به عن جنب} يقول تعالى ذكره: فقصت أخت موسى أثره، فبصرت به عن جنب: يقول فبصرت بموسى عن بعد لم تدن منه ولم تقرب، لئلا يعلم أنها منه بسبيل.
قال الواحدي: {وقالت لأخته} لأخت موسى {قصيه} اتَّبعي أثره فاتَّبعته {فبصرت به عن جنب} أبصرته من بعيدٍ {وهم لا يشعرون} أنَّها أخته.
قال ابن الجوزي: فبصرت به عن جنب أي: عن بعد منها عنه .
ومنها قوله تعالى في سورة النساء: {وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً}36.
قال البغوي: (وَالْجَارِ الْجُنُبِ) أي: البعيد الذي ليس بينك وبينه قرابة.
قال الماوردي: (وَالْجَارِ الْجُنُبِ) فيه قولان:
أحدهما: الجار البعيد في نسبه الذي ليس بينك وبينه قرابة، وهو قول ابن عباس ومجاهد.
والثاني: أنه المشرك البعيد في دينه. والجنب في كلام العرب هو البعيد.
وبهذا فسر المفسرون (قصيه عن جنب) بعن بعد.
قال القرطبي: (فبصرت به عن جنب) أي بعد، قاله مجاهد ومنه الأجنبي.
قال ابن قتيبة: فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ أي عن بعد منها عنه وإعراض: لئلا يفطنوا لها.

قوله تعالى: {فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ}15.
كلمة «فوكزه» تفهم على غير وجهها.
قال البغوي: {فوكزه موسى} وقرأ ابن مسعود: (فلكزه موسى)، ومعناهما واحد، وهو الضرب بجمع الكف. وقيل: (الوكز) الضرب في الصدر و(اللكز) في الظهر. وقال الفراء: معناهما واحد، وهو الدفع، قال أبو عبيدة: الوكز الدفع بأطراف الأصابع، وفي بعض التفاسير: عقد موسى ثلاثا وثمانين وضربه في صدره.
قال الطبري: (فوكزه موسى فقضى عليه) يقول: فلكزه ولهزه في صدره بجمع كفه.
قال مجاهد: وكزه، أي: طعنه بجمع كفه. وقال قتادة: وكزه بعصا كانت معه.
والوكز: الضرب باليد بجمع أصابعها كصورة عقد ثلاثة وسبعين، ويسمى الجمع بضم الجيم وسكون الميم.

قوله تعالى: {وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ}20.
كلمة «يسعى» ليست من المسألة والسؤال، بل تعني: السير السريع.
قال البغوي: (يسعى) أي: يسرع في مشيه.
وقال الطبري: (يسعى): يعجل.
قال الكلبي: يسرع في مشيه لينذره.
قال ابن عطية: ويَسْعى معناه يسرع في مشيه قاله الزجاج وغيره وهو دون الجري، وقال ابن جريج: معناه يعمل وليس بالشد.
نظير ذلك قوله تعالى في سورة طه: {فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى}20.
{تسعى} تمشي بسرعة على بطنها.

قوله تعالى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ}23.
كلمة «وَرَدَ» تفهم على غير وجهها.
قال الزمخشري: ووروده: مجيئه والوصول إليه.
قال بن عطية: فمشى عليه السلام حتى ورد مَدْيَنَ أي بلغها، و«وروده الماء» معناه بلغه لا أنه دخل فيه، ولفظة «الورود» قد تكون بمعنى الدخول في المورود، وقد تكون بمعنى الإطلال عليه والبلوغ إليه وإن لم يدخل فيه فورود موسى هذا الماء كان بالوصول إليه، وهذه الوجوه في اللفظة تتأول في قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها مريم}71.
فمعنى ورد: حضر ووصل وجاء إلى الماء، لا دخل إليه أو شرب منه جاء عند الماء.
والله تعالى أعلى وأعلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *