“..إنهم يصنعون الإرهاب بالتضيق على قنوات بث الإسلام النقي الخالي من كل تطرف أو شذوذ، ويهيؤون أجواء صالحة لتكوين جموع من الحاقدين في دهاليز الظلام وأنفاق التطرف، عوض أن يكون تكوينهم باديا ظاهرا”.
“..في دور القرآن تعلمنا العدل والإنصاف وعدم الخروج على الحكام، وأن الفتنة أشد من القتل، وتعلمنا الحجة والدليل الذي يحمينا -بإذن الله- من كل مشوش ورد شبهة كل متطرف معاند”.
في خضم هذه الجلبة البشرية، وفي غمرة تلاطمات أمواج الفتن وفي ظل الصمت الرهيب اتجاه بيع الدين والعِرض بعَرض من الدنيا قليل، وأمام هذا الانبهار بالحضارة المادية والسقوط المهول في براثين الجاهلية الجهلاء، وفقدان الثقة في القيم الإيمانية العاصمة من الزلل والخبل، يزداد الإسهال التنظيري من لدن عقول باعت براءتها للشيطان وتسعى لزرع الفتنة على نطاق واسع استغلالا للظروف بالتواطؤ والدعم أحيانا، وتغميض العيون أحيانا أخرى، ثم ما يجري على أرض الواقع من مشاهد مقززة ومواقف مقرفة تجعل المرء يتساءل:
أين المفر؟
وكيف يكون مصير البشرية في ظل هذا الأفق المظلم؟
لقد عانت البشرية مند زمان من الترويع والإرهاب والخوف، وكان ضحيته أفرادا وجماعات محدودي الزمان والمكان، أما اليوم فالأمر اتسع حتى شمل أوسع رقعة من المعمور، ولم يسلم منه بلد أو شعب كيف ما كان نوعه، واشتعلت نار الإرهاب في العالم وامتد لهيبها إلى بلاد الإسلام وأحرقت معها الأخضر واليابس لتنطفئ رمادا يتخلله وميض نار يكون له ضرام بين الفينة والأخرى. وحار المعالجون للظاهرة وتعددت آراؤهم وكثرت مؤتمراتهم وازدادت نفقاتهم واختلفت توجهاتهم، وضل أغلبهم السبيل وانتهت بهم أفكارهم إلى نفق المسدود فعادوا بخفي حنين.
إنهم يطعمون الإرهاب ليزيدوا في درجة حرارته ليصل إلى أكبر عدد من العقول الطائشة والقلوب اليائسة التي لم تعد تحتكم للحقيقة الربانية.
إنهم يصنعون الإرهاب ولكن لا يشعرون؟
إن الشباب الذي انغمس في المعاصي والمجون يمكنه في أي لحظة أن يتوب ويندم ويعود إلى رشده بعد أن خاض غمار الإباحية والفسوق، وخالط الواقع المر الأثيم المعلن والخفي، وعلم من حال الأمة ما أظهرت من فجور مجاله الشارع والمدرسة والشاطئ والمنتزهات وهلم جرا، وما أبطنت من رذيلة ومجالها العلب الليلية وبيوت الدعارة والليالي الحمراء والفنادق المتخصصة وهلم جرا.
فكيف إذا عاش هذا المرء متنقلا من نحر إلى صدر ومن حانة إلى أخرى ومارس الفاحشة مع أصناف وأشكال من النساء، وكيف لإنسان إذا أراد الخمر وجدها مقربة وإذا أراد المخدرات وجدها ميسرة… إنه واقع يكرهه حتى الذين يساهمون فيه بالفساد.
إن هؤلاء الشباب إذا تذكر الواحد منهم هذا السالف المقيت والماضي الرهيب أصيب بالغثيان وصداع الرأس؛ فعند أول صحوة ضمير تراوده فكرة الانتقام من هذا المجتمع الذي كان سببا له في أن يعيش دهرا من حياته عاصيا لله متذبذبا بين معصية وأخرى.
ومع غياب الساحة من العلماء الربانيين والحيلولة بينهم وبين تأطير الشباب، فسح المجال واسعا لحملة الفكر الأهوج لينفردوا بالشباب فيعملوا على شحنه من أجل الثأر والفداء، فينمو فيهم شعور بالانتقام يغديه ازدياد مظاهر الخنا وصور الظلم المقنن يوما بعد يوم.
إنهم يصنعون الإرهاب بالتضيق على قنوات بث الإسلام النقي الخالي من كل تطرف أو شذوذ، ويهيؤون أجواء صالحة لتكوين جموع من الحاقدين في دهاليز الظلام وأنفاق التطرف، عوض أن يكون تكوينهم باديا ظاهرا جليا، ألم تغلق دور القرآن في وجوه الراغبين في تعلم كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، والتشبع بمبادئ السمع والطاعة لولي الأمر كما ينص على ذلك الشرع الحنيف، وترك الغلو والعنف في التغيير والإصلاح.
ففي دور القرآن تعلمنا العدل والإنصاف وعدم الخروج على الحكام، وأن الفتنة أشد من القتل، وتعلمنا الحجة والدليل الذي يحمينا -بإذن الله- من كل مشوش ورد شبهة كل متطرف معاند.
لكن وهاهي هذه الصروح العلمية تغلق، فما مصير مرتاديها الذين يشعرون بالغبن من تصرف المسؤولين، فكيف لو تسلط عليهم أحد دعاة الفتنة مستغلا هذا الحنق والشعور بالظلم، فيغذي ذلك بروح الانتقام الذي لن تحول دونه كل المحاولات الأمنية والعقابية. فمن المسؤول إذن؟
إنهم يصنعون الإرهاب ولكن لا يشعرون، بالمنع والتشفي والحقد على كل ما هو إسلامي وأصيل، والتجني على هوية الأمة المغربية المسلمة والتي مهما ابتعدت بأعمالها عن القيم الإيمانية لم تبتعد قلوبها، فإنها تشعر بالضيم إذا مست في دينها وعقيدتها.
إنهم يغذون الإرهاب بما يعتبرونه معالجة له، هل نفعهم لهوهم ومجونهم ومهرجاناتهم؟
ألم يمر هؤلاء المنفجرون من هناك؟
إنهم يشجعون الإرهاب حين يصورون كتب الإسلام على جرائدهم وينعتونها أنها تحوي سموم التطرف كما فعلت جريدة “الأحداث” في كثير من أعدادها.
ومن جهة أخرى فالفقر والجهل والتهميش.. وغيرها من الأسباب التي يتذرعون بها، ليست أسبابا رئيسة لمعضلة الإرهاب، فالذين انتحروا في أمريكا أو بريطانيا أو إسبانيا لم يكونوا جهالا محدودي التعليم ولم يأتوا من دواوير “القصدير” والأحياء الهامشية، لم يكونوا فقراء معدمين، فـ”ابن لادن” من أغنى الناس وأبناء أوربا لا يشكون فقرا ولا فاقة، كما أن المؤمن ليس له مشكلة مع الفقر مادام يؤمن بعدل الله في قسمة الأرزاق، ولكنه يعاني إذا كان يضايق في دينه وإيمانه.
فشيء واحد يجمع هؤلاء وأولئك على اعتقاد هذه العقيدة المنحرفة والسلوك المشين، هو هذا الفحش والفجور المدعم والمحمي من قوى داخلية وخارجية تسعى للهيمنة وتحقيق مكاسب مادية وغيرها، هذا الظلم الذي بسط رداءه على العالم، وهذا القهر الذي جثا على قلوب الذين لا حول لهم ولا قوة.
حاربوا الفساد الأخلاقي أولا
كل هذا التطرف المضاد ينبغي أن يحارب كما يحارب التطرف الديني، لأن النقيض يولد النقيض، آنذاك لن يبقى للمتخصصين في صناعة التطرف عذر ولا حجة ولا ما عليه يعولون في شحن عقول الجهال والأغبياء واليائسين.
فبين الإرهاب ومحاربته خطوة يعرفها الساهرون على هذا المجال، حاربوا الفساد الأخلاقي أولا وقبل كل شيء، نريد مجتمعا متدينا، نريد مجتمعا متخلقا غير عبثي، لا نريد مظاهر عري فاضح وشذوذ أفضح، ولقطات جنس تتخلل شوارعنا وأحيائنا وأماكننا العمومية بين الفينة والأخرى، نريد محاربة الزنا والزناة الذين أصبحوا لا يعرفون للبلد الإسلامي حرمته، والسكارى الذين ينتشرون في الطرقات والحدائق والمنتزهات، ولست في حاجة لجرد قائمة المخالفات الأخلاقية التي لا يكاد يخلو منها مكان فاللبيب تكفيه الإشارة.
هذه حقائق وأسباب أنقلها لمن غابت عنه أو أراد تغييبها عن الناس رغم وضوح صورتها، فالذين يسهرون على تقويض الفكر التكفيري أو الإرهاب عموما لم يفتحوا أي قناة تواصل أو حوار ليعرفوا مكامن الخطأ، وإنما فتحوا أبواب السجون والمعتقلات التي أصبحت مدارس داخلية يسرت انتشار التطرف بشكل أذكى مما كان عليه، والنتيجة هي ما عشناه في التفجير الأخير الذي شهدته مدينة البيضاء، فالسجن لم يكن كافيا في علاج الانحراف والغلو الذي لا يزيله إلا قوة الدليل والبرهان الذي يعرفه العلماء.
وفي الختام أود أن أشير إلى أن التطرف سنة كونية؛ هو في جميع الملل والنحل والمذاهب ينمو ويترعرع إذا توفرت له التربة المناسبة والبيئة الملائمة كبيئة هذا الزمان، ولن يستطيع أحد أن يغير من سنة الله الكونية إلا بمحاربة ما يغذيها مما أشرنا إليه سابقا.