تندفع معامل الأبحاث والشركات الكيمائية والدوائية الكبرى في الغرب في تيار المعالجات الوراثية لأنواع من النباتات ولبعض الحيوانات من خلال تعديل الصفات الوراثية لتلك النباتات والحيوانات، بهدف معلن هو زيادة الإنتاجية أو مقاومة الأمراض أو القدرة على الزراعة في بيئات صعبة، تقل فيها المياه أو تزيد فيها ملوحة التربة أو تنقص فيها مواد غذائية معينة.
وتسير هذه العملية بسرعة كبيرة في أمريكا وقد انتقلت إلى أوروبا رغم التحذيرات والرفض من جانب دوائر أوروبية شعبية كثيرة… ووجه الخطورة -كما حذر كثير من العلماء في هذه الظاهرة- هو أن التعديل يسير دون دراسة الآثار القريبة والبعيدة المدى على صحة المستهلكين، وأيضا على نوعية النباتات والبذور والحيوانات التي يجري تعديل خصائصها الوراثية.
وقد أشار بعض العلماء إلى أن كثرة وشمول إجراء التعديلات الوراثية على بذور النباتات مثلا سوف يؤدي إلى اختفاء النباتات والبذور الأصلية، ونشوء أنواع جديدة لا يعرف أحد مدى صلاحيتها في المستقبل، بحيث يمكن أن يطرأ وضع تجد فيه البشرية نفسها أمام نباتات معدلة وراثيا وغير صالحة مع افتقاد البذور الطبيعية الأصلية، التي لن يكون لها وجود، وفي نفس الوقت فإن البذور المعدلة وراثيا قد لا تأتى بالنتائج المطلوبة منها في المستقبل القريب، بحيث تصبح مخيبة للآمال بعد اتفاق الكثير عليها ولكن لا يمكن الرجوع عنها إلى البذور والنباتات الأصلية.
وقد نشطت في أوروبا دوائر كثيرة تطالب بمنع استخدام المنتجات المعدلة وراثيا ومنع استهلاكها.. لكن المشكلة أن هذه المنتجات بكافة أنواعها تصل إلى دول العالم الثالث، والدول الإسلامية في مقدمتها، حيث لا توجد هيئات مدنية أو سياسية لديها القدرة والنفوذ على مقاومة هيمنة الدول الكبرى وشركاتها العملاقة، وهي المنتفعة من أرباح هذه الظاهرة، وهذا يعنى أن الخطر الذي سوف ينتج عن المنتجات المعدلة وراثيا سوف يصيب الدول الفقيرة، بينما سوف تنجو منه الدول الأوروبية التي تملك قوى سياسية تستطيع الوقوف في وجه أمريكا أو الشركات الكبرى.
ومن المتفق عليه أن أهم الأضرار المحتملة لمنتجات الهندسة الوراثية تتلخص في أضرار مباشرة على سلامة البيئة ومكوناتها البيولوجية وهي الأخطر، وأضرار مباشرة على صحة الإنسان وهي التي استدعت الاهتمام الجماهيري، وأضرار تتصل بتخلخل التركيبة الاقتصادية والاجتماعية للدول.
مخاطر الهندسة الوراثية
وللتأكيد على ذلك فإن منظمة دولية مثل منظمة الأغذية والزراعة [الفاو] لديها نشاط مكثف ومكاتب إقليمية في الدول العربية يكرس ويتابع تطبيق ما يسمى بالتغذية البيولوجية الزراعية والهندسة الوراثية في المجالين النباتي والحيواني في دول شمال أفريقيا وما يسمونه بدول الشرق الأوسط، والمعروف أن دول هذه المناطق لديها أرض خصبة وتتمتع بتاريخ زراعي عريق في حين أن مناطق التصحر والجفاف في قلب القارة الأفريقية وأطرافها قد تم تجاهلها تماما، وسكانها مهددون بالفناء بعد المجاعات المستمرة التي يتعرضون لها.
وإذا كان هناك اهتمام غربي بالإنسان كما يدَّعون في مجال التنمية الزراعية ومعالجة التصحر فقد كان الأولى تلك الشعوب التي تتعرض لمجاعات قاتلة قضت على النبات والحيوان والإنسان.
وعلى جانب آخر هناك مخاطر عديدة تطل علينا من جراء هذه التقنيات ومنها كما أشار بعض القائمين في تلك الدول إلى ضرورة إنشاء بنك دولي للبذور المعدلة وراثيا، وبالتالي تتحكم الدول والشركات الكبرى، وهي ذات طابع استعماري ليس فقط في الإنتاج الزراعي والحيواني بل في كل اقتصاديات الدول العربية والإسلامية، هذا إلى جانب أن غموض تلك التعديلات أثار مخاوف صحية عديدة كما أشار بعض العلماء إلى أن فتح الباب على مصراعيه لتعديل السلالات الطبيعية المتوائمة مع بيئاتها ومع الإنسان بشكل نفعي ولتحقيق نمو في وقت قصير يؤدي بالضرورة إلى حدوث خلل جيني يؤثر على طبيعة الحيوان والطير والنبات ومن ثم يؤثر هذا على صحة الإنسان على المدى القريب والبعيد وسيؤدي إلى نشوء العديد من الأمراض التي قد يصعب الكشف عنها أو تشخصيها، هذا إلى جانب أن كثير من الميكروبات والفيروسات ستتحور لتصبح أكثر غموضا وشراسة.
الإسلام وسلامة البيئة
ونحن هنا لسنا ضد التقدم العلمي ولسنا ضد الاستفادة من العلوم والتقنيات الهندسية والوراثية الحديثة ولكن يجب أن يتم ذلك في إطار أخلاقي وفي إطار منظومة تتوافق مع البيئة .. وأن يكون التقدم العلمي من داخل بلادنا العربية والإسلامية وفي إطار حضاري وأخلاقي، ومن خلال عقول وابتكارات علمائنا.. لأنه من الخطأ أن نظن أنه بالإمكان شراء واستخدام التقنيات المتطورة دون الوقوع في المخاطر والمحاذير، والتي أقلها أن نستخدم كحقول تجارب، أو أن تلوث أرضنا وسماؤنا وهواؤنا، وهذا التلوث البيئي مسئوليتنا أمام الله، فمنذ بداية الخلق والمولى سبحانه وتعالى يأمرنا بأن نحافظ على تلك الأرض وقد نادى سبحانه ملائكته: “إني جاعل في الأرض خليفة، قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك”، وكان رد الله سبحانه وتعالى على الملائكة: “إني أعلم ما لا تعلمون”، ليحق للإنسان أن يكون خليفة في الأرض ويصبح مسئولا عن عمارتها وإصلاحها وأن يستطيع أن يزرع ويصنع ويقيم الحياة عليها من خلال ضوابط تحكم استمراريتها، ذلك لأن الله جعل للإنسان علاقة ودية ومتشابكة مع كافة مخلوقاته فالحيوان خلق ليخدم الإنسان، والإنسان يرعى الحيوان والنباتات، وكل ذلك في إطار عدم حدوث ضرر للبيئة وما فيها، ولذا كانت الآية الكريمة “ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها”، أما الآية الكريمة “ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون”، فهي إشارات ومناهج حياتية تمنع الإنسان من الاعتداء على البيئة وإلحاق الفساد بها لكسب منفعة وقتية، حتى لو كانت تلك المنفعة تؤدي إلى ضرر لاحق على المدى القريب والبعيد كما يؤكد العلماء في ظل تلك الهندسة الوراثية والهرمونات والمبيدات والكيماويات والثورات والحروب البيولوجية، فإن القاعدة الشرعية أرست مبدأ أخلاقياً عظيما وهو أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
مضار مخالفة العلم للشرائع والأديان
إن مخاطر المخالفات العلمية للقواعد الشرعية أورثتنا العديد من الأمراض والمشكلات الصحية التي احتار معها الطب والدواء، وهي متعددة، ومنها:
أولا: ظهور ما يعرف بجنون البقر، والحمى القلاعية.
ثانيا: التشوهات الخلقية التي تعرضت لها بعض الحيوانات في المعامل.
ثالثا: الخسائر المالية الضخمة التي ترتبت على هدر معظم الحيوانات المصابة بالأمراض الوراثية.
رابعا: ظهور بعض الأمراض غير المعروفة بسبب الأعلاف الحيوانية والأمصال التي تعطى للحيوانات بهدف زيادة وزنها أو حجمها أو سرعة تسويقها وما يترتب على ذلك من مضار بصحة الإنسان.
هذا وإذا كان القرآن هو آيات الله المسطورة، فإن الكون هو آيات الله المنظورة، فلا مانع على الإطلاق من إجراء التجارب على جميع الحيوانات والمضي قدما في جميع التجارب التي تحقق الخير للإنسانية شرط الالتزام بالضوابط الشرعية لأن العلم المنفلت من الشرعية يفتقر إلى الأخلاق وقد يضر أكثر مما يفيد.
لذا لا مفر من وضع الأطر والضوابط الشرعية والقانونية لحماية الإنسان من شرور أخيه الإنسان، وحتى لا تتحول التجارب العلمية إلى قنبلة نووية تدمر حياة الإنسان.