إصلاح الشروط الموضوعية للمحاسب العمومي (تتمة)
ب- وجوب تطوير مهام المحاسبين العموميين:
إن التطورات التي يشهدها العالم اليوم، وخاصة التقدم التكنولوجي والعلمي، أمر يقتضي إعادة النظر في المهام الكلاسيكية للمحاسبين العموميين، فهؤلاء الموظفون إن كانت مهامهم الأساسية تنحصر في الحراسة المادية والقانونية للمال العام، وكذلك القيام بعمليات تحصيل المداخيل وتنفيذ النفقات العمومية، فإن الواقع العملي اليوم أصبح يفرض العمل على تطوير هذه المهمة وجعلها تتجاوز الإطار الكلاسيكي الذي وجدت فيه، خصوصا مع الأوراش الإصلاحية الكبرى التي تعرفها الخزينة العامة للمملكة حاليا على المستوى المعلوماتي.
وعليه فالمسؤولية المالية للمحاسب العمومي تبقى مسألة قانونية متطورة من خلال تطور المحيط الذي تمارس فيه، والتقدم التكنولوجي لن يكون إلا عنصرا مساهما في إعادة النظر في قواعدها، والتي ينبغي أن تتجدد في عالم كثرت فيه السرقات المعلوماتية، وأصبح الجميع يهتم بالجانب المعلوماتي القائم على السرعة والدقة في المعلومات.
وعلى المستوى التنظيمي لا يمكن أيضا إغفال التطورات التي عرفها الميدان الحسابي في مجال التسيير المالي العام أو المحلي، فهذه التطورات أصبحت تقتضي إعادة النظر في القواعد الحسابية المعتمد عليها، وجعلها تتميز بالتفصيل والدقة في الإخبار، واتخاذ القرار.
وتطوير المهمة لا يقتصر فقط على الاهتمام بالوسائل التقنية الحديثة، وإنما لابد من التخفيف من الضغط النفسي والآثار السلبية للمسؤولية المالية على المحاسبين العموميين، وهو ما سيشكل حتما وسيلة لممارسة دورهم التحليلي للمعطيات المحصل عليها، وحافزا على المبادرة واتخاذ القرارات المناسبة في مجال التدبير المالي العمومي أو المحلي.
وفي هذا الإطار، ينبغي أيضا النظر في وضعية العاملين والساهرين على حماية المال العام، وإحداث قواعد جديدة تعمل على ضبط العلاقات القائمة مع المحيط الخارجي، إضافة إلى إحداث نظام خاص بهذه الفئة من الموظفين، تحدد فيه الحقوق والواجبات، ويضمن حماية المال العام إلى جانب حمايتهم.
وعموما فإن هذه العناصر المتعلقة بإصلاح المسؤولية المالية للمحاسب العمومي، ينبغي تفعيلها قصد إصلاح هذه المسؤولية والرقي بمستواها العملي، حتى تكون حلقة ناجعة في الحفاظ على المال العام والتدبير المعقلن للمالية العمومية، في ظل الأوراش الإصلاحية الكبرى التي تعرفها الخزينة العامة للمملكة والمصالح الخارجية التابعة لها، كتطبيق منظوماتي التدبير المندمج، سواء على مستوى المداخيل: (Gestion intégré des recettes: GIR) أو على مستوى النفقات: (Gestion intégré des dépenses: GID)، مما يسهم في إصلاح شامل لنظام المحاسبة العمومية بشكل عام، والمسؤولية المالية للمحاسب العمومي على وجه الخصوص.