التخلف العقدي في ديار المسلمين الأسباب والمظاهر والحلول 2/3 عبد العزيز وصفي*

يمكن تقسيم الأسباب التي أدت إلى الأزمة التي تعاني منها الأمة الإسلامية اليوم إلى قسمين: الأول: العوامل الخارجية. والثاني: العوامل الداخلية. وسأقف عند القسمين معاً بشيء من الإيجاز تقريباً للفكرة إلى الأذهان ووصفاً لبعض ملامح واقعنا الراهن.

الأول: العوامل الخارجية

وقد أخذت أشكالا متعددة ومراحل مختلفة، وقد قسمها الدكتور علي جريشة إلى ثلاث مراحل هي([i]):

المرحلة الأولى: مرحلة ما قبل إسقاط الخلافة الإسلامية. وهذه المرحلة بدأت بالحروب الصليبية ثم الاستشراق فالتبشير والتنصير.

المرحلة الثانية: مرحلة الإجهاز على الخلافة الإسلامية، وتنصيب العلمانية البغيضة بزعامة مصطفى كمال أتاتورك ومن معه ومن بعده خدمة لمصالح الغرب وإملاءاته.

المرحلة الثالثة: مرحلة ما بعد إسقاط دولة الخلافة.

الثاني: العوامل الداخلية([ii]):

وقد تزامنت مع العوامل الخارجية عوامل داخلية كانت امتدادا للنكسات التي حلت بالأمة الإسلامية، وزادت من جراحها وبالتالي تفككها، ويقسمها الباحث إلى قسمين: (عوامل داخلية ذاتية، وعوامل داخلية موجهة).

  1. العوامل الداخلية الذاتية:

ويقصد بها: كل تغير حدث نتيجةً لاتباع الهوى، سواء كان إحداثاً في أمور الدين من انتشار البدع والضلالات والانحراف عن النهج الرباني، أو ما كان في حبّ السلطة والرئاسة وما تبعه من خلافات سياسية وانقسام وتآمر وتنافس.

وقد لخّض محمد قطب خط الانحراف الذي أصاب الأمة الإسلامية في النقاط الآتية([iii]):

أولاَ: التفلت البشري الطبيعي من التكاليف كلما امتد الزمان. والعلاج الرباني لهذا التفلت هو: التذكير (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دون قيود أو خطوط حمراء). فنستطيع أن نقول أذن أن التذكير لم يكن بالقدر اللازم الذي يمنع مجموع الأمة من التفلت أو لم يكن من حيث الكيف بالكفاءة المطلوبة لمنع الأمة من الانحراف عن الجادة وخاصة اذا وضعنا في الاعتبار تزايد الرقعة المستمرة ودخول أقوام جدد في الإسلام باستمرار.

ثانياً: وجد تياران مضادان لعملية التذكير يزيدان من درجة العجز فيها، أحدهما: هو الفكر الإرجائي الذي يطمع العبد في رضا مولاه بغير عمل حقيقي بمقتضى الإيمان اتكالا على ما في القلب من وجدانات ومشاعر، والآخر: هو الصوفية التي تطمع العبد في رضا مولاه عن طريق آخر غير أداء التكاليف الشرعية، بالأوراد والأذكار والتبرك بالأولياء والمشايخ ووضع المريد نفسه بالكلية  بين يدي شيخه ينفث فيها ما يشاء وهو مستسلم له تماماً كأنما يتلقى منه وحي السماء…؟!

ثالثاً: الاستبداد السياسي الذي أدى إلى صمود الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في المجال السياسي خاصة، وتحول الإسلام في حس الناس إلى ممارسة فردية بعد ضمور الممارسة الجماعية لهذا الدين. والتركيز التدريجي عل الشعائر التعبدية على أنها هي الدين.

  1. العوامل الداخلية الموجهة:

ويقصد بها: كل تغير حدث بفعلنا وإرادتنا دون ضغط وإكراه، من خلال تغريبنا بوعي أو بدون وعي منا.

فأعداء الأمة الإسلامية يدركون بأن التغيير المطلوب لا يمكن أن يتحقق بالدبابة والبندقية، لذلك جندوا كل طاقاتهم وسخّروا كافة إمكانياتهم من أجل تغريب المجتمع الإسلامي وعلمنته بكل الوسائل المتاحة، مستخدمين في ذلك الكثير من الأساليب والطرق، والمتأمل في مسلسل السيطرة على الأمة يرى تنوع الأساليب والتقنيات، فبعد سقوط الحروب كخيار عسكري حاسم، بدؤوا بالاستشراق والتبشير فانحصر نطاق تأثيره في شراذم قليلة من أبناء الأمة، فاتجهوا إلى أسلوب جديد هو التغريب والاستلاب، ونجحوا في ذلك، فظهرت طائفة من أبناء الأمة الإسلامية يحملون الهوية الإسلامية لتغرس في ناشئة الأمة قيم الحضارة الأوروبية وفلسفتها وعقائدها وأفكارها وقوانينها.

ومع تنامي أصحاب هذا الاتجاه ظهرت تيارات فكرية وسياسية غرست في قلب الأمة وتبلورت مع الوقت في ثلاثة اتجاهات هي: (التيار الفكري القومي – القومية، التيار الفكري الاشتراكي – التقدمية، الفكر الليبرالي الغربي – الديمقراطية)، ووقع الصدام بينها وبين التيار الإسلامي، وكان النصر المؤقت لأصحاب هذه التيارات بما وظّفوا من اموال ووسائل وتقنيات ماكرة، وما لبثت الأمة أن فاقت من غيبوبتها، وصحت من غفوتها، ونما المد الإسلامي وأصبح القوة الفاعلة والتيار المسيطر.

وبات واضحا هزيمة هذه التيارات أمام المد الإسلامي، فالتف أصحاب هذه التيارات الى سلاح جديد متخلين عن المواجهة المكشوفة، ولجئوا الى الغزو من الداخل، حيث وجدوا ضالتهم المنشودة، وبدأت المعركة تدخل طوراً جديداً، فظهرت شعارات جديدة تحت مسميات منها: (اليسار الإسلامي- ديمقراطية الإسلام – المجتمع المدني – الحداثة المتحضرة) ولانكشاف زيفها لفظها المجتمع وأنكرتها العقول، فلجئوا إلى تغييرها باصطلاح أكثر مخادعة ينفذون منه الى قلوب الناس وعقولهم، فظهر شعار “الاستنارة” أو الفكر الديني المستنير أو التنويري([iv]).

ولأن الشجرة لا يقطعها إلا أحد أعضائها كما تنص مؤتمراتهم التبشيرية، فقد تمت ترجمة هذه العبارة على أرض الواقع داخل الوطن الإسلامي، فحمل الراية في الحرب ضد الإسلام أبناء الإسلام، فأعاد التاريخ لنا فئة من المنافقين كما كانوا في صدر الإسلام، لكنهم في الواقع يعدون أخطر أعداء الأمة على الإطلاق؛ لأنهم أكثر تأثيراً وأشد حماساً للهدم والإفساد، من الأعداء التقليديون من اليهود والنصارى([v]).
——————————————
1 – راجع: جريشة، علي محمد، أساليب الغزو الفكري للعالم الإسلامي، دار الاعتصام، القاهرة، 1978م، ص: 18، 22، 30، 35، 44.

2– للتوسع راجع: الغامدي، عبد الرحمن بن عبد الخالق، مدخل إلى التربية الإسلامية، دار الخريجي للنشر والتوزيع، الرياض، 1418هـ، ص: 130.

3 واقعنا المعاصر، مرجع سابق، ص: 162.

4 سلطان، جمال، جذور الانحراف في الفكر الإسلامي الحديث، مركز الدراسات الإسلامية، ص 4.

5 انظر: الأزمة الأخلاقية في المجتمعات الإسلامية مظاهرها.. أسبابها.. علاجها، لمحمد بن عبد الله الزامل، كتاب لأحد متطلبات مقرر التربية الأخلاقية في مرحلة الدكتوراه،1424/1425هـ، ص 18.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *