كل العلماء على بينة من كون المصدر الأول للدين هو القرآن، ومن كون المصدر الثاني له هو السنة. وفي المصدرين كليهما لم نجد حديثا عن خاتم الأولياء، وإنما وجدناه عن خاتم الأنبياء في قوله عز وجل: “مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ”. ووجدناه في قوله صلى الله عليه وسلم: “لا نبوة بعدي إلا المبشرات”. قيل: وما المبشرات يا رسول الله؟ قال: “الرؤيا الحسنة أو قال: الرؤيا الصالحة”.
فمن أين جاءنا الحديث إذن عن خاتم الأولياء؟
في كتاب “ختم الولاية” لأبي عبد الله محمد بن علي الحكيم الترمذي قول سائله: “هل يجوز أن يكون في هذا الزمان من يوازي أبا بكر وعمر رضي الله عنهما؟ أجاب: إن كنت تعني في العمل فلا، وإن كنت تعني في الدرجات فغير مدفوع. وذلك أن الدرجات بوسائل القلوب، وتسمية ما في الدرجات بالأعمال، فمن الذي حول رحمة الله عن أهل هذا الزمان حتى لا يكون فيهم سابق ولا مقرب ولا مجتبى، ولا مصطفى، أو ليس المهدي كائنا في آخر الزمان؟ فهو في الفتنة يقوم بالعدل، فلا يعجز عنها (أي عن إخماد الفتنة)، أو ليس كائنا في آخر الزمان من له ختم الولاية؟ وهو حجة الله على جميع الأولياء يوم الموقف؟ فكما أن محمدا صلى الله عليه وسلم آخر الأنبياء، فأعطي ختم النبوة وهو حجة الله على جميع الأنبياء، فكذلك هذا الولي آخر الأولياء في آخر الزمان”!
إنما من هم أولياء الله على وجه التحديد، قبل التحقق أو التأكد مما إذا كان واحد منهم هو خاتمهم قبيل قيام الساعة؟
في القرآن الكريم حدد الله سبحانه هويتهم بكل وضوح وبكل دقة فقال: “ألَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّـهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ”. فصح بناء على الآية أن كل مؤمن ورع تقي ولي لله، حتى ولو كان أميا لا يقرأ ولا يكتب، أما الزوائد التي تضاف إلى هوية الولي لدى العامة، ولدى المخدوعين من الخاصة! أو التي أضحت من لوازم الولاية، كي يقدس صاحبها ويحترم، ويقصد للزيارة في حياته وبعد وفاته، فليست من الولاية في شيء! نقصد الكرامات المنسوبة إليه كالطيران في الهواء! وكالوجود في مكانين! وكالمشي على الماء! فكلام قاتم يجري إسداله جهلا على الدين والعقل، وقبل كل شيء وبعده على منطق العادة التي يدعي المخبولون من أولياء الله المزعومين بأنهم يخرقونه!!!
تحدث الحكيم الترمذي عن خاتم واحد للولاية لا عن خاتمين، ولا عن ثلاثة أو أربعة لها فما فوق. وذلك في مقابل خاتم واحد للنبوة. ونحن على بينة من كون ما ادعاه ضلال غير قائم على أي أساس من النقل والعقل! وبما أن ما ادعاه ضلال وجدنا أنفسنا حائرين بخصوص ما نتج عنه من تساؤلات.
من جملتها ما الذي علينا نحن فعله إن ظهر في أزمنة مختلفة أو في زمن واحد -وهذا ما سوف يحصل- من يدعون بأنهم يحملون طابع خاتم الولاية؟ فهل نصدق من يزعم ذلك في القرن السابع الهجري؟ أم نصدق من يزعم بأنه خاتم الأولياء طوال القرون الهجرية المتتالية حتى الآن؟ وعلامات خاتم الأولياء، هل هي متفق عليها؟ أم هي علامات يحددها كل مدع بأنه خاتمهم بدون ما تردد؟ أم تحددها حاشيته من مريدين وأتباع؟
ومتى نتأكد نحن، وكيف نتأكد من حلول آخر الزمان، أو من حلول قيام الساعة، ما دام ظهور خاتم الأولياء مرتبطا بحلولها؟ وحلول قيامها يعني اختفاء الزمان، لأنه في العرف الفلسفي حركة في المكان؟ وبما أن المكان سوف يزول إما بزلزال شامل أو بما يشبهه، فإن الحركة لا شك ستزول. والحال أن قيام الساعة -أي زوال كل من المكان والزمان- لا يعرفهما حتى الرسول صلى الله عليه وسلم ذاته؟ فكيف يعرفهما من سوف يدعي أنه خاتم أولياء الله على وجه الأرض؟ أو لم يسأل جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم في حديث مشهور عن قيام الساعة فأجابه: “ما المسؤول عنها بأعلم من السائل”؟
ومع كل الإشكاليات التي أثيرت وتثار حول زعم الحكيم الترمذي بالظهور المتوقع لخاتم الأولياء في آخر الزمان، فإن تهارش وتهافت أدعياء الزهد والتبتل على نيل لقب خاتم الأولياء، ترسيخ لظلام بدعي في قلوب المهبولين المخبولين ممن ليس لهم في الدين حقيقة غير التظاهر بالصلاح! دون أن يعترفوا -وهم في الضلال المبين غارقون- بأنهم بدعيون تتوفر فيهم أمارات النفاق الأربعة الواردة في قوله صلى الله عليه وسلم: “أربع من كن فيه كان منافقا خالصا. ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر”!
وأول الكذابين، وأول المنافقين محمد بن علي الحكيم الترمذي، لأنه أول من تجرأ على الله حين وضع أمام الزهاد سرابا دعاه بـ”خاتم الأولياء”، فعدوا خلفه لاهثين! فكان أن ادعى الكثيرون بأنهم هو ذاك المختار المجتبى مع جهلهم التام الفاضح بقيام الساعة متى افترضنا أنه لن يظهر إلا وهي على وشك قيامها بعقدين أو حتى بثلاثة عقود زمنية؟؟؟
وثاني الكذابين هو “الشيخ الأكبر” أو “الكبريت الأحمر”: محيي الدين بن عربي الحاتمي. فقد ادعى أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم له كتاب “فصوص الحكم” وقال له بالحرف: “خذه واخرج به إلى الناس ينتفعون به” فرد عليه ابن عربي بقوله: “السمع والطاعة لله ولرسوله ولأولي الأمر منا كما أمرنا. فحققت الأمنية، وأخلصت النية، وجردت القصد والهمة إلى إبراز هذا الكتاب كما حده لي رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير زيادة ولا نقصان”!
مما يعني أن “فصوص الحكم” من تأليفه صلى الله عليه وسلم، أو هو عبارة عن وحي نزل عليه بعد وفاته! يكفي أن يؤكد لنا “الكبريت الأحمر” بأنه حقق أمنية الرسول في نشر مضمون “الفصوص” بدون ما تغيير يذكر! فيكون حينها ما ورد فيه بخصوص “خاتم الأولياء” مطبوعا بطابعه صلى الله عليه وسلم أو عليه إمضاؤه أو توقيعه بعبارة أخرى! وإذا ما صح أنه منه وإليه صلى الله عليه وسلم، صح أنه وافق الحكيم الترمذي على ضلاله إلى حد تأييده وتقويته بما ورد عنه تحديدا في “فصوص الحكم”!