بدعوى الالتزام بمبادئ العلمانية في المدارس الحكومية، رفضت محكمة حقوق الإنسان الأوروبية دعوى تقدمت بها فتاتان فرنسيتان مسلمتان طردتا من مدرستيهما قبل عدة أعوام لرفضهما خلع الحجاب أثناء دروس الرياضة البدنية.
وقالت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان الخميس 4/12/2008م: “الهدف من تقييد حرية المدعيتين في التعبير عن معتقداتهما الدينية هو الالتزام بمتطلبات العلمانية في المدارس الحكومية”.
والفتاتان المسلمتان هما “بيلجن دجرو” و”أسما نور كارفنسي”، من مواليد عامي 1986م و1987م، ويعيشان في مدينة “فليرس” الفرنسية.
وكانت بيلجن، وأسما ترتديان الحجاب خلال دروس التربية البدنية في يناير 1999م، ورفضتا خلع الحجاب خلال تلقي الدروس رغم طلب المدرسين المتكررة لهما بذلك.
وبعد شهر من تاريخ توجيه تلك التعليمات لهما، قررت اللجنة التأديبية بالمدرسة طرد الفتاتين من المدرسة لعدم مشاركتهما في نشاطات التربية البدنية.
وبعد أن أصدرت محكمة فرنسية حكما ضدهما، رفعتا شكواهما إلى المحكمة الأوروبية بأن المدرسة انتهكت حريتهما الدينية وحقهما في التعليم.
وبعد تسع سنوات التي مرت على طرد الفتاتين رفضت المحكمة الأوربية التي يوجد مقرها في مدينة “ستراسبورغ” بشرق فرنسا الدعوى بإجماع القضاة السبعة.
وقالت المحكمة: “إن المدرسة فعلت ما في وسعها لتوازن بين مصالح الفتاتين واحترام النموذج العلماني الفرنسي، وإن طردهما جاء نتيجة لرفضهما احترام قواعد كانتا على علم بها بشكل صحيح”.
وأضافت معلقة “الفتاتان استطاعتا الاستمرار في التعليم عن طريق فصول دراسية بالمراسلة”.
وأجازت فرنسا، التي تطبق مبادئ العلمانية بجدية مطلقة في المدارس الحكومية قانونا في عام 2004 يمنع التلاميذ من ارتداء رموز بارزة تعبر عن ديانتهم في المدارس بعد عقود من جدل مرير بشأن ارتداء فتيات مسلمات للحجاب في الفصل.
والمفارقة العجيبة في الموضوع هي ادّعاء فرنسا العلمانية احترام الحريات الفردية، ومنها حرية التدين واللباس، بينما تتنكر لحرية فتاتين في ارتداء قطعتي قماش، واعتبارها ذلك يهدد علمانيتها.
لكن سرعان ما تتضح طبيعة هذه المفارقة إذا علمنا أن المسلمين هم المستهدف من القانون القاضي بمنع التلاميذ من ارتداء رموز بارزة تعبر عن ديانتهم في المدارس، وهو قانون يراد به التضييق على الهوية الإسلامية التي بدأت تؤكد حضورها في المجتمع الغربي العلماني الذي وسع مجال الحريات إلى أقصى الدرجات، لكن عندما بدأت بعض مظاهر التدين الإسلامي كالحجاب تؤكد حضورها في الشارع الفرنسي والغربي، احتاجت العلمانية إلى التضييق على هذه المظاهر عبر سن قوانين تحد من انتشارها.
إن لأوربا التي اختارت الانسلاخ عن التدين في كل مناحي الحياة واكتفت بسجنه وراء أبواب الكنائس من الناحية القانونية أن تشرع ما تشاء، لكن أن يسمح للمنبهرين بمدنيتها الهوجاء بالدعوة إلى علمانيتهم في مجتمعاتنا الإسلامية فهذا ما لا يرضاه من لا زال للإسلام في قلبه مكان.
وللعقلاء نقول: لا ينبغي الاغترار بمبادئ العلمانية التي تبهر العقول بالنظر إلى وعودها وأمانيها، خصوصا إذا علمنا أن هذا الغرب حتى هو لم يستطع تحقيق تلك الوعود والأماني، بل لا يزال في طور القيام بالآليات فقط عبر الانتخابات النزيهة والقضاء المستقل ..، ولم يستطع تحقيق الأمن الروحي والعدالة المنشودة والمساواة العادلة والإخاء البعيد عن العنصرية.
إن العلمانية التي يدعو إليها المستغربون في بلدنا هي العلمانية التي تريد من بناتنا خلع لباس عفتهن، ومن نسائنا اتخاذ الخلان والعشاق، ومن الآباء والأزواج التخلي عن غيرتهم، ومن أنظمتنا التنكر للأسس الدينية الإسلامية، وتعطي الحق للسفهاء من أن ينالوا من ديننا وقيمنا ومقدساتنا، فهل نقبل بهذا الانسلاخ من الدين؟