الحفاظ على الوقت

الوقت أو الزمن كالمال، كلاهما يجب الحرص عليه والاقتصاد في انفاقه وتدبير أمره، وإن كان المال يمكن جمعه وادخاره بل وتنميته، فإن الزمن عكس ذلك فكل دقيقة ولحظة ذهبت لن تعود إليك أبدا ولو أنفقت أموال الدنيا أجمع.
وإذا كان الزمن مقدرا بأجل معين وعمر محدد، لا يمكن أن يقدم أو يؤخر وكانت قيمته في حسن إنفاقه، وجب على كل إنسان أن يحافظ عليه ويستعمله أحسن استعمال، ولا يفرط في شيء منه قل أو كَثـُر.
عناية القرآن بالوقت
الوقت هو الحياة والعاقل هو الذي يعرف قدر وقته وشرف زمانه فلا يضيع ساعة واحدة من عمره إلا في خير للدنيا والآخرة، ولذلك عني القرآن بالوقت، من ذلك قسم الله جل وعلا بالوقت وبمختلف أطواره وأجزائه مثل الليل والنهار والفجر والضحى والعصر كما في قوله تعالى: “وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى، وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى”، “وَالْفَجْرِ، وَلَيَالٍ عَشْرٍ”، “وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ”.
فأقسم الله تبارك وتعالى بالزمن مما يدل على أهمية الحفاظ عليه وشؤم تضييعه.
عناية السنة بالوقت
أما السنة المطهرة فالبيان فيها واضح وصريح لتأكيد قيمة الوقت، كما في الحديث الصحيح عن أبي بردة الأسلمي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع ( فذكر منها)، عن عمره فيما أفناه”.
وهكذا يسأل الإنسان عن عمره عامة وعن شبابه خاصة (كما في رواية أخرى) والشباب جزء من العمر ولكن له قيمة باعتباره سن الحيوية الدافقة والعزيمة الماضية، ومرحلة القوة بين ضعفين: ضعف الطفولة، وضعف الشيخوخة.
وروى البخاري وغيره عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “نعمتان مغبون فيهما كثيرمن الناس الصحة والفراغ”.
قال الإمام ابن الجوزي: “قد يكون الإنسان صحيحا ولا يكون متفرغا لشغله بالمشاغل، وقد يكون مستغنيا ولا يكون صحيحا، فإذا اجتمعا فغلب عليه الكسل عن الطاعة فهو المغبون، وتمام ذلك أن الدنيا مزرعة الآخرة وفيها التجارة التي يظهر ربحها في الآخرة، فمن استعمل فراغه وصحته في طاعة الله فهو المغبوط، ومن استعملهما في معصية الله فهو المغبون لأن الفراغ يعقبه الشغل، والصحة يعقبها السقم، ولو لم يكن إلا الهرم لكفى، قال المحقق الطيبي: ضرب النبي للمكلف مثلا بالتاجر الذي له رأس مال، فهو يبتغي الربح من سلامة رأس المال، فطريقه في ذلك أن يتحرى فيمن يعامله، ويلزم الصدق والحذق لئلا يغبن، فالصحة والفراغ رأس المال”.
الوقت هو محل العبادة
إن شعائر الإسلام كلها مرتبطة بالوقت! فالوقت هو محل العبادة، ولقد جاءت الفرائض الإسلامية والآداب الإسلامية، تثبت هذا المعنى الكبير: قيمة الوقت والاهتمام بكل مرحلة منه وكل جزء فيه وتوقظ في الإنسان الوعي، والانتباه إلى أهمية الوقت، فحينما يتصدع الليل ويسفر نقابه عن وجه الفجر، يقوم داعي الله يملأ الآفاق، ويسكب في مسمع الزمان، منبها للغافلين، موقظا للنائمين “حي على الصلاة، حي على الفلاح، الصلاة خير من النوم” فيلبي المؤمنون النداء مشيا في الظلمات، تعلوهم السكينة بغيتهم إعمار بيوت الله بالذكر والصلاة.
وحيث يقوم قائم الظهيرة، وتزول الشمس عن كبد السماء ويغرق الناس في لجج المشاكل الدنيوية، والمتعاب اليومية، ويعود المنادي ينادي مرة ثانية، مكبرا مهللا، شاهدا لله بالوحدانية ولنبيه محمد بالرسالة، داعيا إلى الصلاة والفلاح.
وهناك ينتزع الناس من براثن أعمالهم، و”روتين” حياتهم، ليقفوا بين يد خالقهم ورازقهم ومدبر أمرهم، دقائق معدودات، يتخففون فيها من غلواء التصارع على المادة، والاستغراق في طلب الدنيا وذلك في صلاة وسط النهار: صلاة الظهر، وحين يصير ظل كل شيء مثله، وتبدأ الشمس تميل للمغيب، وينادي المنادي مرة ثالثة داعيا إلى صلاة العصر.
وحين يختفي قرص الشمس، ويغيب وجهه من الأفق، وينادي داعي الله مرة رابعة مؤذنا لصلاة آخر النهار وأول الليل: صلاة المغرب.
وحين يغيب الشفق، يرتفع الصوت الرباني بالأذان الأخير للصلاة الخاتمة بيوم المسلم: صلاة العشاء.
وبهذا يفتتح يومه بالصلاة، ويختتمه بالصلاة، وهو بين الصلاتين: الفجر والعشاء، على موعد دائم متجدد مع الله كلما دار الفلك، واختلف الليل والنهار.
الوقت حجة على صاحبه يوم القيامة
سيعلم الخاسرون الذين خسروا أنفسهم وضيعوا أوقاتهم وأعمالهم سيعلمون وكأنهم ما لبثوا في هذه الدنيا إلا ساعة:
“قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ، قَالُوا لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلْ الْعَادِّينَ، قَالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلاً لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ، أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ، فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ” المومنون 112-118.
أخي، أختي! يتمنى الكافرون لو يعودون إلى هذه الحياة الدنيا ليستغلوا نعمة الوقت التي أنعم الله عز وجل بها على عباده.. ليستغلوا نعمة الوقت في طاعة الله عز وجل والازدياد من العمل الصالح الذي ينجي صاحبه -بإذن الله- من النيران وتجعله يفوز بالجنان.
الوقت كالسيف
يقول ابن الجوزي في صيد الخاطر:
رأيت العادات قد غلبت الناس في تضييع الزمان، وكان القدماء يحذرون من ذلك.
ودخلوا على رجل من السلف فقالوا: لعلنا شغلناك، فقال: أصدقكم؟ كنت أقرأ فتركت القراءة لأجلكم.
اعلم أن الزمان أشرف من أن يضيع منه لحظة، فإن في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: “من قال سبحانه الله العظيم وبحمده، غرست له نخلة في الجنة”.
فكم يضيع الآدمي من ساعات يفوته فيها الثواب الجزيل، وهذه الأيام مثل المزرعة، فكأنه قيل للإنسان: كلما بذرت حبة خرجنا لك ألف كَرْ، فهل يجوز للعاقل أن يتوقف في البذر ويتوانى؟
والذي يعين على اغتنام الزمان الانفراد والعزلة مهما أمكن، والاختصار على السلام أو حاجة مهمة لمن يلقى، وقلة الأكل، فإن كثرته سبب النوم الطويل وضياع الليل، ومن نظر في سير السلف وآمن بالجزاء بان له ما ذكرته. (أنظر صيد الخاطر 545-546)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *