نقد فكر الفيلسوف ابن رشد الحفيد نقد موقف ابن رشد في العلاقة بين الشريعة و الفلسفة

 

ثانيا: نقد وسائل ابن رشد في تقريره للعلاقة بين الشريعة والفلسفة:

مواقف أهل العلم من حقيقة عمل ابن رشد في تقريره للعلاقة بين الشريعة والفلسفة:

تباينت آراء أهل العلم في مواقفهم من العملية الفكرية التي قام بها ابن رشد في تقريره للعلاقة بين الشريعة والفلسفة الأرسطية، أذكر منها اثني عشر موقفا، أولها موقف الشيخ تقي الدين بن تيمية، إنه يرى أن ابن رشد سعى إلى الجمع بين الشريعة والفلسفة لتقريب أصول الفلاسفة إلى طريقة الأنبياء ليُظهر أن أصولهم لا تُخالف الشرائع النبوية، وإن كان في باطنه يقول: إن ما أخبرت به الرسل لا حقيقة له.

والموقف الثاني هو للحافظ شمس الدين الذهبي، إنه وصف عمل الفلاسفة المشائين ومنهم ابن رشد، بأنه سعي للجمع بين الشريعة وفلسفة اليونان، هو عمل خاطئ، لأنه لا يمكن الجمع بينهما، ومن رام الجمع بين علوم الأنبياء –عليهم الصلاة والسلام – وعلوم الفلاسفة، فلابد أن يخالف الاثنين، ومن كفّ ومشى خلف ما جاءت به الرسل، سَلِم له دينه ويقينه. ثم قال: (ولقد شرّف الله الإسلام وأوضح حججه، وقطع العذر بالأدلة، وما مثل من نصر الإسلام بمذاهب الفلاسفة والآراء المنطقية، إلا كمن يغسل الثوب بالبول).

وقوله هذا صحيح بناه على أساس نظرة موضوعية عميقة لأصول الشريعة والفلسفة الأرسطية المشائية، وهو يُوافق ابن تيمية في أن ابن رشد وأصحابه سعوا للجمع بين الشريعة وتلك الفلسفة، وبمعنى آخر أنهم سعوا للتوفيق بينهما انطلاقا من خلفيتهم المذهبية الأرسطية المُخالفة للشرع.

وأما الموقف الثالث فهو للباحث محمد يوسف موسى، إنه ذكر أن ابن رشد كانت فيه نزعة شديدة للتوفيق بين الشريعة والفلسفة، حتى أنها تُعتبر (معقد الأصالة والطرافة في تفكيره الفلسفي). ونحن لا نوافقه على ما ذهب إليه، لأن اهتمام ابن رشد بذلك التوفيق، وتركيزه عليه، وتحمسه له، يُعبر في الحقيقة وبالدرجة الأولى عن أزمة فكرية حادة كان يُعاني منها ابن رشد، ولا يُعبر عن أصالة ولا طرافة ولا إبداع، لأن الإنسان السوي الصادق الإيمان بالإسلام بمعناه الصحيح الشامل الكامل لا يحتاج أبدا إلى الفلسفة الأرسطية واليونانية عامة. والإنسان الصادق الإيمان بتلك الفلسفة المكتفي بها، والمُنسجم مع نفسه لا يحتاج إلى أن يُوفق بينها وبين شريعة الإسلام، لأنه موضوعي مع نفسه، ويعرف أن الجمع بينهما هو تناقض واضح ورفض لهما معا، لكن ابن رشد لم يكن أحد الاثنين، فهو مع إيمانه القوي بالأرسطية لم يستطع التخلي عن دينه من جهة، وهو مع إيمانه الضعيف بدينه لم يستطع التخلي عن الأرسطية، فالرجل كان يُعاني من أزمة فكرية نفسية، أوصلته إلى تأويل الشريعة لتتوافق مع الأرسطية بطريقة تحريفية تلفيقية.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *