الفوضوية تطلق على عدة معان، وتستخدم لعدة استعمالات، فمن معاني الفوضوية: الاضطراب وعدم التنظيم وعدم التخطيط، كما وأن الفوضوية تطلق على جماعة سياسية تقوم على أساس إلغاء الحكومة وبناء العلاقة الفردية الحرة.
وعند استعمال الفوضوية مع كلمة أخرى تعطي معنى جديدا مركبا يفيد حالة معينة وفي موضوعي هذا أسلط الضوء على فوضوية القراء وهي التي أقصدها وأعني بها التخليط وعدم الترتيب والسير في القراءة بدون نظام معين والدخول في عالم القراءة بدون وضوح معالم أو تخطيط مسبق، فالفوضوية لها عواقب وخيمة والترتيب له آثاره الحميدة، لهذا أحببت أن ألقي الضوء على هذا الموضوع لأهميته، وأبين بعضا من صور الفوضوية التي ألمسها من خلال اطلاعي على حال القراء وتجربتي المتواضعة مع القراءة.
فوضوية القراء كثيرة الانتشار وكبيرة المخاطر والآثار.
فمن القراء من لا يدري ماذا يقرأ ولا كيف يقرأ ولا لأي سبب يقرأ.
فالفوضوي في القراءة لا يوجد لديه نظام يسير عليه، ولا خطة واضحة المعالم يسترشد بها، فهو وإن قرأ إلا أن بدايته مجهولة ونهايته حتما غير مقبولة.
فترى الفوضويين في القراءة ينتقون من الكتب الغث منها والسمين، والنافع منها والضار، ويخلطون بين ما هم بحاجة إليه وما لا حاجة إليه.
لهذا كان الترتيب له آثاره الحميدة والفوضوية لها عواقبها الوخيمة.
وإذا ما تطلعنا إلى هؤلاء وبصرنا أحوالهم، علمنا كم هو حجم مأساتهم، وعلمنا كم هو القدر الذي ضيعوه من أعمارهم، ولعرفنا الكمية التي هدروها من أوقاتهم، فهم ولا بد من أنهم ضيعوا بفوضويتهم سنين، وسيضيعون ما لم يغيروا من فوضويتهم.
لأن النهاية من الفوضوية حتما سنين تنقضي بدون فائدة تذكر، أو على الأقل قيمة ما جنوه من قراءتهم.
من صور الفوضوية عند القراء:
1- أولى هذه الفوضويات (عدم الاستشارة): إن استشارة أهل الاختصاص من الذين لهم باع طويل في عالم القراءة والمطالعة والطلب هي أولى الخطوات للتخلص من الفوضوية في القراءة، حيث أن الذي يرشدك يكون على بصيرة بما ينصحك به، على أن تتخير شخصا أمينا طبعا، لأنه ليس كل ناصح يكون آمينا.
2- عدم تحديد ما الذي نريده بقراءتنا وما هو التخصص الذي أريد القراءة فيه، ومن ثَم الفائدة التي سأجنيها من قراءتي، فعدم الوضوح وعدم تحديد خط البداية سبب للفوضوية والتخبط في القراءة.
3- عدم تقديم الأهم فالأهم، فترى أحدهم مثلا يريد أن يقرأ في التفسير، فينصرف لفروع التفسير والخلاف وتعدد الأقوال مما يشتته، قبل أن يلم على الأقل بقليل من أصول التفسير وشيء من علوم القرآن، وأن يكون معه عدته من اللغة، أو ترى من يكثر من حفظ العديد من الطرق لحديث واحد ويكثر منها على حساب المتون، وهكذا.
4- الانحراف عن المطلوب: فتجد البعض يريد القراءة في مسألة معينة أو في كتاب ما، فما أن يبدأ حتى يتحول لدراسة مسألة أخرى قبل إنهاء الأولى، أو الانتقال لكتاب آخر قبل إنهاء الذي كان يقرأ فيه.
5- الانتقال من مستوى إلى آخر قبل التحقق من إكمال المستوى الأول، من خلال عدم الإلمام بكل جوانبه ومسائله وفهمها، فمثلا يخوض في أمهات الكتب الكبرى قبل أن يكون له أرضية ينطلق منها، فنرى من يخوض في الاختلافات الفقهية قبل أن يقرأ مقدمات الفقه والمصطلحات الخاصة بكل مذهب، أو على الأقل يقرأ متنا ومختصرا للمذاهب مثلاً.
6- عدم تقديم الأصول، فترى بعض القراء يبدأ بفروع العلوم قبل أصولها، وقد قيل من ضيع الأصول حرم الوصول.
7- عدم المبالاة في تضييع الأوقات واستغلالها، وعدم وجود نظام معين للحياة من عمل ونوم وترفيه وزيارة… إلخ، وعدم تحديد أوقات القراءة فأوقات العمل يخلطه في شيء آخر، ووقت القراءة يلهو ووقت اللهو يكون فيه على عكس ما هو مطلوب… وهكذا.
8- فوضوية في عدم التخطيط المسبق والمدروس، فكثير من القراء لا يعرف الورقة والقلم.
9- أيضا مما نراه من فوضوية القراء عدم ترتيب المكتبة والكتب، فتجد كتاب العقيدة بين كتب الحديث وكتاب السيرة تجده عند التاريخ… وهكذا.
10- فوضوية في شراء الكتب، فترى البعض يشتري كتابا ليس لمستواه، أو لن يحصل له به كبير فائدة، أو البعض ترى عنده عدة نسخ من الكتاب الواحد.
عواقب الفوضوية:
1- ضياع العمر بدون فائدة تذكر.
2- التشتت وعدم معرفة الحصيلة النهائية والنتيجة المرجوة.
لهذا أيها القراء سدد الله خطاكم، عليكم بتنظيم أوقاتكم، واستغلال أقصى إمكانياتكم، وعليكم بترتيب أولوياتكم، وحسن إدارة أيامكم.