أسرة من زمن الانحلال ذ.أحمد اللويزة

الزوجان أساس الأسرة، والأسرة هي أساس المجتمع ونواته، فبصلاحها يصلح المجتمع ويسعد، وبفسادها يشقى ويفسد، ولا يحق لعاقل أن يلوم المجتمع كما هو شأن كثير من الناس الذين عجزوا أن يضبطوا بوصلة توجههم وتوجه أسرهم وفقدوا زمام القيادة فتفلت الأهل والأبناء من بين أيديهم فذب فيهم الفساد طولا وعرضا.
ولأن الأسرة بهذه الأهمية والمكانة، فإن دعاة الفساد وأنصار الرذيلة يسعون بكل جهد لسلخ هذا الكيان الذي يعد المعقل الأخير في كيان الأمة الإسلامية المهدم، الذي لا زال يكافح من أجل البقاء، ولتظل الأسر أطلالا شاهدة على مجد ولى واندثر، لكن منحرفو الفطرة ومنكسو العقول عملوا الممكن والمستحيل من أجل نسف القيم والأخلاق على مستوى الأسرة باعتبارها التربة التي تنموا فيها هذه الأخلاق، وأنها المجال الطبيعي والأساسي في تصريفها وانتقالها عبر الأجيال، فأفسدوا الأفراد من الذكور والإناث، ومن هؤلاء تشكلت الأسر، فمن الطبيعي أن ينتقل هذا الفساد الأخلاقي والسلوكي من الآباء إلى الأبناء؛ ثم إلى الأحفاد وهكذا دواليك، ومن تم يفقد المجتمع صلاح النواة ليكون كل ما يترتب عنها مائلا نحو الضلال والانحلال.
إن مقاصد بني إفساد قد تحقق منها الشيء الكثير على مستوى الأسرة، ونظرة عاجلة إلى واقع كثير من الأسر المسلمة بالأصل ينبيك حقا عن مأساة حقيقة تعيشها أحيانا بقليل من الخجل، وأحيانا بلا خجل، بل بوقاحة منقطعة النظير تعيش هذه الأسر على وقع الفجور وقلة الحياء.
وماذا تتوقع غير هذا وهي التي بنيت على غير أصل متين وركن ركين {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا}، حين ترى في الشارع بنات سافرات وأحيانا فاجرات وشبابا منحرفين قولا وفعلا، تحاول أن تذهب بخيالك بعيدا عن حقيقة هذا المحضن الذي تربى فيه هؤلاء، وعن حال تلك الأسرة التي تجتمع تحت سقف واحد، فيسرح بك خيالك في صحراء شاسعة من الأسئلة الشائكة والمقلقة، لكن أن يقدر لك الله أن تعيش بجوار نموذج من هذه الأسر التي تعيش سنوات الضياع وألوانا من التيه، تكتشف العجب العجاب الذي يجعل اللبيب حيران، بل لا تستطيع أن تستسيغ ما تراه وتسمعه من مجون في السلوك ووقاحة في الكلام وحديث متبادل بين أفراد الأسرة يصك أذنيك بكل ما فحش من القول واللفظ والعبارات، يتصرفون ببرودة أعصاب وخفة دم في الوقت الذي تتصلب أعصابك ويكاد دمك يتمجد في عروقه فتخجل مكانهم، وتستحي عوضا عنهم، ويأتيك الجواب عن بعض ما تخيلته، وبعض ما افترضته، وتقول في نفسك والألم يعتصر الفؤاد هذه هي المدرسة التي خرجت جيلا فاقدا للهوية تائها في صحراء الانحراف.
إن سرد واقع الأسر الظاهر دونك الخفي لمؤسف حقا، وهو بحق ناقوس خطر يدق بصوت حاد، لكن إنها لا تعمى الأبصار ولا تصم الآذان، ولكنها القلوب حين تتلوث بنفايات القيم لا ترى ولا تسمع إلى ضجيج الخنا والإباحية والمجون والانحراف.
فلئن سعد بنو علمان بفساد هذه الأسر وهم يتمنون فساد الجميع، فإن سنة التدافع تأبى إلا أن ينتصر الحق في النهاية. لكن لكل من تحمل مسؤولية أسرة أن يتقي الله فيها فإنه إلى الله راجع وعنها مسؤول، ولا يليق بمن فرط في تربية نفسه أولا ثم تربية أبنائه ولم يقدر المسؤولية حق قدرها أن يلوم المجتمع، فما المجتمع إلا أفرادا خرجوا من تحت عباءة الأسر التي بنيت على غير هدى من الله، فلم تطعم يوما بسعادة ولم تتذوق لذة السرور، وإنما هو جحيم المشاكل وألم الخصام؛ وعند جهينة الخبر اليقين وما خفي يعلمه الله.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *