ماذا يحدث في إفريقيا الوسطى؟

إن ما يحدث في دولة إفريقيا الوسطى يدل بشكل قاطع على بشاعة الاحتلال الغربي، وما خلفه على القارة السمراء من أزمات وانتكاسات، فبالرغم من استقلال جمهورية إفريقيا الوسطى عن المستعمر الفرنسي منذ ما يزيد عن ستين عاماً إلا أن أيادي الغرب، والفرنسيين بصفة خاصة لم ترتفع يوماً من الأيام عن تلك المستعمرة القديمة.
فاليوم تعود فرنسا أو “شرطي إفريقيا” كما يحلو للبعض تسميتها، تعود فرنسا من جديد للعبث بمصير تلك الدويلة الصغيرة التي تتمتع بنسبة كبيرة من المسلمين، كما يتربع على سلطتها رئيس مسلم، جاء عبر انقلاب على سلطة “نصرانية” مستبدة سابقة عليه.
وتدعي فرنسا أنها تدخلت في أفريقيا الوسطى بسبب مخاوف من وقوع “إبادة جماعية” بين المسلمين والنصارى. فقالت المتحدثة الرسمية باسم الحكومة الفرنسية نجاة بلقاسم -في مؤتمر صحفي عقب الاجتماع الأسبوعي لمجلس الوزراء بالإليزيه- إن الرئيس الفرنسي شدد خلال الاجتماع على أن عدم تدخل فرنسا (عسكريا) في إفريقيا الوسطى، كان سيجعلها تقف مكتوفة الأيدي أمام الأعداد الكبيرة من القتلى في البلاد، وأوضح أن التواجد الفرنسي في إفريقيا الوسطى ضروري في مواجهة الانتهاكات والمذابح.
وما تدعيه فرنسا بشأن التدخل في إفريقيا الوسطى كذب أقرع، وإلا فلماذا تسكت هي ونظراؤها في الغرب عن المذابح التي تحدث في سوريا على يد النظام العلوي، وتركستان الشرقية التي يذيق الصينيون شعبها المسلم الويلات؟ ولماذا لا نرى أي تحرك أمام حرب الإبادة بحق العرب في إقليم عربسان “الأهواز” المحتل من قبل السلطات الإيرانية؟ لماذا تهب فرنسا بهذه السرعة، رغم أن الوضع لا يستدعي كل هذا بحسب ما جاء في تصريح للرئيس الحالي لإفريقيا الوسطى؟!
فعلى الرغم من عدائية الجانب النصراني في دولة إفريقيا الوسطى إلا أن المقصود من هذا التدخل بالأساس هو العنصر المسلم، فلا يخفى على أحد أن من أهم الأهداف الاستعمارية للغرب -بصفة عامة- تنفيذ الأجندة التنصيرية، وفي ما سبق من حالات استعمارية وحروب غربية على دول المشرق أوضح شاهد على هذا الأمر.
فالجانب النصراني بإفريقيا الوسطى جانب متسلط، يسعى للسيطرة على هذه الدويلة بكل السبل، ومن عدائية هذا الجانب ما اقترفته إحدى المليشيات النصرانية قبل أيام، حيث أفاد شهود عيان بأن ميليشيات نصرانية اعتدت على مسجد الرحمة في عاصمة أفريقيا الوسطى بانجي، بحجة أن فيه أسلحة، ما أسفر عن تدميره بشكل جزئي.
فاعتدت العناصر النصرانية المسلحة بالمناجل والهراوات على أجزاء من المسجد، وأضرمت النيران في عدد من السيارات التي كانت متوقفة خارجه، كما قامت بسرقة جميع محتويات المسجد وما استطاعت الوصول إليه من ممتلكات.
وتعيش دولة أفريقيا الوسطى التي يبلغ عدد سكانها قرابة 5 ملايين نسمة في ظروف أمنية سيئة وحرب أهلية طاحنة منذ شهر مارس الماضي بعد الإطاحة بالرئيس النصراني فرانسوا بوزيزي عبر تحالف غالبيته من المسلمين، بعدما حكم البلاد عشر سنوات، وامتدت المعارك خلال الأسابيع الماضية إلى العاصمة بانغي وباقي مقاطعات الدولة في حرب طائفية بين ميليشيات نصرانية وأخرى مسلمة.
مركز التأصيل للدراسات والبحوث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *