التخلف العقدي في ديار المسلمين الأسباب والمظاهر والحلول عبد العزيز وصفي*

أولاً: مفهوم العقيدة الإسلامية:

تعني العقيدة في الاصطلاح العام: هي الإيمان الجازم، والحكم القاطع الذي لا يتطرق إليه شك، وهي ما يؤمن به الإنسان، ويعقد عليه ضميره، ويتخذه مذهبًا ودينًاً، بغضِّ النظر عن صحته من عدمها.

فالعقيدة الإسلامية: هي الإيمان الجازم بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره، وبكل ما جاء في القرآن الكريم، والسنة الصحيحة من أصول الدين، وأموره، وأخباره، وما أجمع عليه السلف الصالح، والتسليم لله تعالى في الحكم، والأمر، والقدر، والشرع، ولرسوله صلى الله عليه وسلم بالطاعة والتحكيم والاتباع.

ثانياً: مفهوم التخلف العقدي:

نجد كثيرًا من الكتاب والباحثين الذين أثاروا قضية تخلف المجتمع العربي المسلم، يرون أن هذا المجتمع متخلف بالنسبة للمجتمع الغربي وقد خضعوا في نظرتهم تلك، للمقياس الذي أشاعه الغرب للتقدم والتخلف، وهو (اعتبار نموذجه ممثلاً للتقدم، واعتبار نماذج بلدان آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية نماذج التخلف، ولم يقصر ذلك على الجوانب التقنية والعلمية والصناعية ومستويات المعيشة، وإنما مدها إلى القيم والأخلاق ومكونات الشخصية، فاعتبر نموذجه معيار التقدم وأخذ يقيس عليه النماذج الأخرى، التي ستعتبر متخلفة بالضرورة ما دامت وحدة القياس هي النموذج الغربي) ([1]).

وفي مجال العقيدة: فنقصد بالتخلف العقدي: هو ذاك التشويه المتعمد من داخل وخارج ديار المسلمين بواسطة كل الوسائل والإمكانات قصد إخراج المسلمين عن دينهم وعن جادة الصواب.

ثالثاً: من أسباب التخلف العقدي في ديار المسلمين:

إن الجاهلية الأولى إذا اشتد فيهم الخطب دعوا الله مخلصين له الدين، أما في الجاهلية المعاصرة فشرك المشركين فيها أعظم من شرك أهل الجاهلية الأولى؛ لأنهم إذا اشتد فيهم الخطب دعوا أصنامهم وأوثانهم من دون الله، ففي زماننا عبدة الأوثان والأصنام والقبور، وإن لم يكن الأحبار والرهبان فهناك الطغاة والمتجبرون، وتوجد أصنام وأوثان مصنوعة في الجملة منها: السلطة والرئاسة والجاه والمال والعادات والتقاليد والأعراف التي تخالف ما شرع الله عز وجل والوطنية والقومية والاشتراكية والعلمانية والوجودية([2]).

وهكذا صار عند الناس إسلام بلا أخلاق؛ ذلك أن الأخلاق -وإن كانت قيَمًا معنوية- فإنها من جانب آخر سلوك، وإلا فهي شعارات معلقة في الفضاء لا واقع لها في عالم الحقيقة. وحين كان الدين على حقيقته، كان من مزاياه الكبرى: أنه قيم أخلاقية مطبقة في عالم الواقع في صورة سلوك واقعي، وكانت هذه في حس الأجيال الأولى هي الترجمة الحقيقية لمعنى (لا إله إلا الله)، أي: أنها كانت مرتبطة في حسهم بالعقيدة، أو بعبارة أخرى: كان في حِسِّهم أن من يعتقد هذه العقيدة ينبغي أن يكون سلوكه ملتزماً بتلك القيم الأخلاقية؛ فالدين المعاملة كما علمهم رسولهم صلى الله عليه وسلم، وكما قالت عائشة -رضي الله عنها- حين سُئِلَتْ عن خُلُقِ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: (كان خلقه القرآن) ([3]).

وهذا الارتباط بين العقيدة ومقتضياتها الأخلاقية هو القيمة الحضارية الجوهرية في هذا الدين، التي تجعل المجتمع الإسلامي هو المجتمع المتحضر، مهما يكن نصيبه ضئيلاً من العمارة المادية للأرض، وتجعل العقيدة في هذا الدين هي جوهر الحضارة، بما يشع منها ويرتبط بها من قيم وأخلاق([4]).

لكن نتيجة لهذا التخلف العقدي ظهر فساد شامل عند الأجيال المتأخرة في كل مفاهيم الإسلام، سواء مفهوم القضاء والقدر، أو مفهوم الدنيا والآخرة، أو مفهوم عمارة الأرض بالإضافة إلى مفهوم العبادة ومفهوم لا إله إلا الله. لنخلص من هذه الإشارات كلها إلى حقيقة واقعة يمكن أن تطلق عليها حقيقة التخلف العقدي في حياة الأمة وما يصاحبها من (التخلف السلوكي) عن حقيقة الإسلام([5]).

وقد أوجز الدكتور أبو الفتوح الأزمة العقدية في المسائل الآتية([6]):

  • انحصار مفهوم العبادة والآثار السيئة التي ترتبت على ظن كثير من الناس أن العبادة هي مجرد أداء الشعائر التعبدية فقط.
  • الفكر الإرجائي الذي يخرج العمل من الإيمان، وخطورة هذا الانحراف الذي هيمن على ساحة الفكر الإسلامي.
  • ضعف عقيدة الولاء والبراء التي تحولت إلى عقيدة عمياء عند أبناء المسلمين.
  • غربة العقيدة الصحيحة ومقاومتها، والافتراءات الكاذبة والتهم الباطلة التي تحارب بها.
  • انتشار مظاهر الشرك والبدع([7]) والخرافات، وينقسم إلى قسمين:

أولا: انتشار مظاهر الشرك: ببناء المساجد على الأضرحة والقبور، والاستغاثة والاستعانة بأصحاب هذه الأضرحة، والذبح والنذر لها وغير ذلك من مظاهر الشرك الأكبر والأصغر التي هيمنت على حياة الناس، الذين وصل الغلو ببعضهم إلى القول (بإسقاط فريضة الحج عمن يشد الرحال إلى بعض الأضرحة التي يعظّمونها ويعبدونها من دون الله عز وجل)، وأصبح عندما يداهم الأمة عدو أو ينزل بها خطب فلا تستعد كما يجب إن هي استعدت أصلاً؛ لأن عندها من (الأرباب) ما لم يخل منهم قُطر ولا مَصر، فإذا داهمهم خطر فسرعان ما يهرع كل أهل بلد إلى مربوبهم (مقبورهم) فيلوذون به ويستغيثون بجنابه، نعوذ بالله من الخذلان.

ثانيا: انتشار البدع والخرافات: ومنها الموالد والاحتفالات.

  • ازدياد نشاط الفرق المنحرفة وحربها للمسلمين من صوفية وشيعة، ونصيرية، ودروز، وإسماعيلية وبهائية، وقاديانية، ومداخلة وغيرهم، مع الإشارة إلى أن بعض هذه الفرق كانت نشأتها سليمة من كل انحراف لكنها غلت وانحرفت عن الطريق الصحيح.

وأمام هذا الانحراف العقدي يتساءل كثير من المفكرين والباحثين وعموم المسلمين عن دور العلماء في الأزمات الصعبة ومدى مشاركتهم الإصلاح والتغيير للأفضل، بحيث تجافى الكثير منهم عن المشاركة في الحياة العامة والتأثير في الأحداث، كما شارك كثير منهم في الابتداع في الدين، مما جعل الإسلام أشبه ما يكون بالديانات المنحرفة، لكثرة ما ابتدع فيه، كما انغمس كثير منهم في متاع الحياة الدنيا، فكانت النتيجة عدم قيامهم بالأمانة التي حملهم الله (عز وجل) إياها، بينما البقية الصالحة منهم قد قبعت في بيوتها، أو انزوت في الدرس والكتاب، تحسب إن مهمتها قد انتهت إذا لقنت الناس العلم([8]).

—————————————————

* مسؤول التواصل والبحث العلمي بالمركز المغربي للدراسات والتربية في المذهب المالكي، ومنسق أعماله العلمية والتكوينية.
[1] – شفيق، منير، الإسلام في معركة الحضارة، ص 178.
[2] – البناني، عبد الرحمن بن الحارث، بين الجاهلية القديمة والمعاصرة، مجلة البيان، تصدر عن المنتدى الإسلامي، لندن، العدد104.
[3] – انظر: مسند الإمام أحمد، ج 6 ص 216، وتفسير عبد الرزاق، ج 2 ص 245، وتفسير القران العظيم، ج 8 ص 188.
[4] – قطب، محمد، واقعنا المعاصر، مؤسسة المدينة للصحافة، جدة، الطبعة الثانية، 1988، ص177.
[5] – المرجع السابق، ص ص165- 172.
[6] – أبو الفتوح، خالد، الانحرافات العقدية والعلمية في القرنين 13 و14 وآثارها في حياة الأمة، مجلة البيان، تصدر عن المنتدى الإسلامي، لندن، العدد 104.
[7] – عرّف العز بن عبد السلام، المتوفى سنة 660 البدعة بقوله: (هي فعل ما لم يعهد في عهد الرسول صلى الله عليه و سلم). وعرّفها محيي الدين النووي، المتوفى سنة 676 بقوله: (البدعة – بكسر الباء- وفي الشرع: هي احداث ما لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم). وانظر تعريف الندوي، أبو الحسن علي الحسني في كتابه: العقيدة والعبادة والسلوك في ضوء الكتاب والسنة والسيرة النبوية، ص 91 وما بعدها.
[8] – انظر: الأزمة الأخلاقية في المجتمعات الإسلامية مظاهرها .. أسبابها .. علاجها، لمحمد بن عبد الله الزامل، كتاب لأحد متطلبات مقرر التربية الأخلاقية في مرحلة الدكتوراه،1424/1425هـ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *