كثيرة هي حكايات الحب والغرام التي تبدأ عبر شبكة الأنترنت، منها ما ينتهي إلى الزواج والعيش حياة سعيدة، ومنها ما ينتهي إلى المأساة والمعاناة والخيبة والفراق.
وقد شهدت هذه الحكايات وأحداثها انتشارا كبيرا في مختلف الدول العربية والإسلامية، ولم يسلم منها لا الكبير ولا الصغير، أبطالها ليسوا فقط المراهقين كما يظن أغلب الناس، بل حتى من ينتمون إلى الفئة الناضجة والواعية، وكذلك الفئة المتزوجة في بعض الأحيان، للأسف الشديد، وسنحاول من خلال هذا المقال، التطرق إلى واقع تلك الحكايات وأثرها المأساوي على الفرد والمجتمع..
لم يترك العالم الافتراضي بابا من حياتنا إلا وطرقه حتى باب الحب والغرام؛ لقد فتح هذا العالم المجال أمام الشباب من مختلف الأعمار ومن مختلف الأجناس والجنسيات، لتبادل المحادثات فيما بينهم، والتي باتت تشكل محورا أساسيا تدور حوله حياة عدد كبير منهم، الذين يبحثون عن الحب وتكوين علاقات عاطفية وبالتالي ملء أوقات فراغهم؛ وخاصة الفتاة التي تبحث من خلاله عن عريس الغفلة، ظنا منها أنها ستجده وراء شاشة الحاسوب، ونسيت المسكينة أن الذي يجلس خلف الشاشة شخص مجهول لا يمكنها أن تبني مستقبلها معه.
هذه العلاقات يتبين مع مرور الوقت أنها علاقات عابرة غير حقيقية مبنية على خيالات كاذبة لا تمت للحب بصلة، تنتهي بسرعة الريح، وتعتبر فقط مضيعة للوقت؛ تصدقها الفتاة وتعيش جميع فصولها، وتتخذ من نفسها دور بطلة القصة، فتسمي نفسها “سندريلا”، وتنتظر بلهفة شديدة “أمير الفيسبوك” أو “أمير الشات” ليلبسها فردة الحذاء التي سقطت منها في أول لقاء على الموقع، وهي تحلم بأنه سيضع فوق رأسها التاج، وسيتوج حبهما بالزواج!!
لكنها تستيقظ متأخرة من حُلمها الذي يصبح كابوسا على أرض الواقع، لتجد أن سنينا من عمرها قد ذهبت هباء منثورا، تحت وطأة الاستخدام الخاطئ للأنترنت، مع شخص كان فقط يستغلها وليس فارس أحلامها حقا، شخص لم يتق الله فيها ولم يعتبرها أبدا أختا من أخواته المسلمات، ولم يستحضر مراقبة الله عز وجل له.
وفي ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية والمادية الصعبة التي يعيشها أغلب الشباب، أصبح بعضهم يبحث عن الحب وتكوين علاقات عاطفية عابرة عبر الأنترنت، لإشباع رغباته، لأنه لا يستطيع الزواج وتكوين أسرة، فتصبح له كل يوم ضحية، أو يمكن أن نسميها “فريسة”، يتفنن في خداعها وفي كسب قلبها بالكلام المعسول، مستعملا في ذلك كل الوسائل لإيقاعها في حباله، وهذا ما يولد في بعض النفوس المريضة الشهوات ويدفعها إلى ارتكاب المعاصي.
فكم من فتاة وعدها شاب عبر شبكة الأنترنيت بالزواج وأقنعها بصدق كلامه، وأسمعها كلام الحب والغرام، وأقسم بصدق نيته، فتجد الفتاة المسكينة تصدقه وتفتح له قلبها، وتقع في حبه، فتتجاوز بذلك كل الخطوط الحمراء في الحديث معه، وتبدأ بمراسلته بكلام معسول يثير الشهوة ويحرك الغريزة؛ وبعدها يتبادلان أرقام الهاتف، فيتصل بها إلى منتصف الليل ويغريها بكلامه وهي تغريه بصوتها العذب، وترسل له بعد ذلك صورها وهي في كامل أناقتها، ثم تتوالى اللقاءات عبر الأنترنيت ثم عبر الهاتف، وبعدها إلى لقاءات مشبوهة في أرض الواقع لا يحمد عقباها.
ثم إنه ينهي العلاقة الأولى، ليشرع في البحث عن فريسة غيرها، تتفاجأ في الأخير أن الشاب الذي كان فارسا لأحلامها ينسحب من حياتها ويختفي مبررا ذلك بأنه لا يستطيع أن يرتبط بفتاة تعرف إليها عبر شبكة الأنترنيت، لأنه يعتبرها رخيصة وصاحبة هوى، كما كلمته وأسمعته كلاما مغريا ستكلم غيره، فلا يمكنه أن يستأمنها على بيته ولا أن يتخذها أما لأولاده، وقد ينسحب من حياة ضحيته لأنه متزوج ورب أسرة!!
وبعضهم يأبى الانسحاب وتجده يتحول إلى شيطان في جنس بشر، يهدد بفضحها باستعمال صورها ورسائلها، فتجد نفسها في الأخير أن الذي وهبته وقتها وحياتها عيشها في أكذوبة وأحلام وردية، وأن فكرة الزواج ما كانت إلا وسيلة لإقناعها والتسلية بها بعض الوقت كأنها دمية ليس إلا!؟
إن الفتاة كيفما كانت عندما تقع فريسة لأحدهم تجد نفسها أمام ثلاثة اختيارات:
– الاختيار الأول: أن تعطيه ما يريده منها فتخسر بذلك كرامتها، شرفها، عفتها، واحترامها لنفسها ولعائلتها.
– الاختيار الثاني: أن ترفض أن تخضع له، فيكون مصيرها الابتزاز بنشر صورها أو بفضح الرسائل المتبادلة بينهما عبر الشبكة العنكبوتية.
– الاختيار الثالث: أن يهجرها ويغادر حياتها دون استئذانها كما يفعل أغلبهم، فتتعذب من جراء ذلك الهجران بسبب تعود نفسها على محادثته، حتى إن من الفتيات من يصل بهن الأمر إلى التفكير في الانتحار لتتخلص من عذاب الفراق والهجر.
كما أن هذه العلاقات لم تسلم منها السيدات المتزوجات للأسف الشديد، إذ تجدها تبحث عن العطف والحنان مع رجل آخر عبر شبكة الإنترنيت، لربما لأنها افتقدته مع زوجها في البيت، فتخون ذلك العهد مع أول كلمة عزيزتي أو حبيبتي تسمعها من رجل غريب مخادع يسعى فقط إلى استغلال محارم المسلمين بدون وجه حق، فكم من زواج دُمر بسبب هذه العلاقات العابرة، وكم من أطفال شُردوا!!
ما ينتج عن هذه العلاقات المحرمة سوى تعذيب النفس واحتقارها، ومرض القلب، وتحريك الشهوات في النفوس المريضة، وإيذاء الفتيات باستهداف أعراضهن ونزع حيائهن، وهي مفسدة للأخلاق وضياع للوقت، وهي من الطرق الشيطانية التي تروم تقويض صروح الأسرة المسلمة.
وكل هذا يرجع سببه إلى قلت الوازع الديني، وعدم استشعار مراقبة الله عز وجل في تصرفاتنا، وانعدام الأخلاق، والجهل بقيمة الوقت، في مثل هذه المحادثات المحرمة، والضياع الذي تعيشه بعض الأسر، وافتقاد الناس داخل البيوت إلى جرعات الحب والحنان، وتوفر الأنترنيت عند الصغير والكبير، حتى أنك تجد عند الأطفال ابتداء من سن الثامنة أو التاسعة حسابا على صفحات الفيسبوك؟!
من جهة أخرى، نرى حاليا أن كثيرا من الشباب الصالح الصادق يلتمس الزوجة الصالحة التي قال عنها شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: “المرأة الصالحة تكون في صحبة زوجها الرجل الصالح سنين كثيرة، وهي متاعه الذي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة المؤمنة، إن نظرت إليها أعجبتك، وإن أمرتها أطاعتك، وإن غبت عنها حفظتك في نفسها ومالك).
أختي الغالية:
أين هو حياؤك؟
أين هو عفافك؟
أين هي كرامتك وعزة نفسك وكبرياؤك؟
أين هو احترامك لنفسك ولأهلك؟
أختاه بالله عليك اتقي الله، ولا تريقي عفافك وماء وجهك من أجل لا شيء، ولا تثقي في رجل أجنبي لا تعلمين ما الذي ساقه إليك، هل داعي الشهوة أو داعي الانتقام أو شيء آخر، وامتثلي أوامر الله سبحانه وتعالى، فأنت جوهرة مكنونة فحافظي على نفسك، ولا تخضعي بالقول مع الرجال، واحذري أن يكون في كلامك ما يثير الفتنة، فيطمع من في قلبه مرض، فقد قال عز وجل: (فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً)، وغضي بصرك.
فالحب المحرم لا يجلب إلا التعاسة والحزن والألم، فهو إذاً عذاب للروح والقلب معا؛ وصوني نفسك وحافظي عليها، وارجعي إلى الصواب واذكري الله عز وجل كثيرا وابتعدي عن معصيته، وحاولي أن تستغلي الإنترنيت في أشياء مفيدة تعود عليك وعلى الأمة الإسلامية بالنفع والخير، واشغلي وقت الفراغ بما يفيدك وبما يرضي الله عز وجل ورسوله، ولا تحاولي أن تفتني أخاك المسلم، وتوبي إلى الله وتذكري قول الله عز وجل: “إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ”.