مصطفى العلوي و”الوهابية البنكرانية” الحلقة الأخيرة الدكتور محمد وراضي

لنترك علاقة بنكيران بالوهابية، فالحصول على العون السعودي، أو على مدده المادي الفياض، لا يضمنه التصدي لفكر عالم قادم إلينا من الأراضي المقدسة، ولا حتى ترك الأبواب مفتوحة أمامه. وإنما يضمنه الوقوف في وجه اليسار العلماني بكافة أطيافه وألوانه، والوقوف في وجهه حصل ولا يزال يحصل.
فلنتجاوز إذن موضوعا هو عبارة عن جزيرة بركانية، لا ينفع ولن ينفع في إيقاف انفجارها ما فعله بنكيران، وما لم يفعله أثناء جنازة الراحل إدريس بنعلي. ولنسأل صديقنا قيدوم الصحفيين المغاربة عن العلاقة بين الملك سليمان العلوي وبين الوهابية؟ فهل يلومه -وهو أعلم منه بالدين- إن اقتنع بما أقدم عليه العلامة النجدي على الصعيد النظري وعلى الصعيد التطبيقي (=هدم الكثير من الأضرحة والمشاهد أو المزارات)؟
إن الرسالة التاريخية التي وجهها الملك سليمان على عهده إلى الأمة المغربية، لا تترك أي مجال للادعاء بأنه غير راض عن مسلك محمد بن عبد الوهاب من تجديد الدين. وتجديده يقوم على أساس إحياء السنة، وما استهجنه ودعا إلى إلغاء العمل به بدع لا علاقة لها بالإسلام. وها هو ذا سليمان العلوي كعالم سني يهاجم أوكار الضلال، والقيمين عليها من الظلاميين الأفاكين.
قال: “واتركوا عنكم (أيها المغاربة) بدعة هذه المواسم التي أنتم بها متلبسون!!! والضلالة التي يزينها أهل الأهواء ويلبسون!!! فافترقوا أوزاعا (مثل جميع الفرق الصوفية الموجودة عندنا حتى الآن)!!! وانتزعوا الأموال انتزاعا (= الفتوح والهبات) المقدمة للشيوخ وسدنة الأضرحة حتى من طرف المخزن نفسه)!!! وأنفقوها فيما هو حرام كتابا وسنة وإجماعا (=هي حرام وما يقضى بها حرام! ومن يقدمونها إنما يقدمون الحرام)!!! وصاروا يترقبون للوهم الساعات (انتظار موعد الموسم وما يجري فيه من صنع الأبالسة)!!! وتتزاحم على حبال الشيطان وعصيه منهم الجماعات (لأنهم ضالون مضلون)!!! وكل ذلك حرام مصنوع (ولتقل يا صديقي إنه حلال ثم قدم الدليل)!!! والإنفاق فيه إنفاق في غير مشروع (وليقل علماؤنا للشعب المغربي عكس هذا الكلام)!!!
فأنشدكم الله عباد الله، هل فعل الرسول صلى الله عليه وسلم لعمه سيد الشهداء موسما؟ وهل فعل سيد هذه الأمة أبو بكر لسيد الأنبياء صلى الله عليه وسلم موسما؟ وهل تصدى لذلك أحد من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم أجمعين؟
كأني بكم تقولون في نحو هذه المواسم وزخرفة أضرحة الصالحين، وغير ذلك من أنواع الابتداع: “إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون”؟ وهذه المقالة قالها الجاحدون (وهل علماؤنا وحكامنا وقادة أحزابنا جاحدون؟) وقد رد الله مقالهم ووبخهم وما أقالهم (…)
ألا وإنه ليس في دين الله ولا في شرع نبي الله، أن يتقرب بغناء ولا شطح في فرح أو قرح (والدولة عندنا تشجع هذا النوع من الغناء! وهذا اللون من الشطح! وتكافئ أصحابه!). والذكر الذي أمر الله به وحث عليه، ومدح الذاكرين به هو على الوجه الذي كان يفعله صلى الله عليه وسلم (وهذا ما يطالب به محمد بن عبد الوهاب -ونحن معه- الرجوع إليه! والعلماء عندنا صامتون خانعون، بل ومشاركون)!!! ولم يكن عن طريق الجمع ورفع الأصوات على لسان واحد (= الذكر والدعاء الجماعيان المبتدعان). فهذه سنة السلف وطريقة صالحي الخلف (لكن الدولة تؤيد ما هو ضد سنة السلف) فلا يستمع! ومن سلك غير سبيلهم (في الدين) فلا يتبع! “ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وبئس المصير”!
ونتساءل هنا، هل موضوع رسالة أمير المؤمنين العالم سليمان العلوي من إنشائه؟ أم إنها من كلام محمد بن عبد الوهاب النجدي الذي نقله نقلا بدون ما زيادة وبدون ما نقصان؟
واضح أنها من إنشاء عالمنا المغربي المعروف بتسننه. والمتسنن لا يحتاج إلى من يدله على المحدثات في الدين. فمعروف لديه أن الفرق الصوفية تمارس الضلال الذي لا علاقة له بأقوال وبأفعال وبتقريرات المصطفى صلى الله عليه وسلم! ثم إنه معروف لديه أن بناء الأضرحة ورفع القباب عليها وما يفعل عندها منهي عنه بأكثر من حديث نبوي صحيح!
فالملك سليمان إذن ليس وهابيا مقلدا تابعا وكأنه لا يميز الحلال من الحرام، ولا يفرق بين الخبيث والطيب، كل ما هنالك هو أن ابن عبد الوهاب النجدي بالانتفاضة العلمية التي تزعمها -والاستعمار يتربص بالدول الإسلامية- إنما نبه أولي الأمر إلى ضرورة تجديد الدين الذي حرفه المحرفون، وشوهه المشوهون. وهو فيما أقدم عليه، إنما يمثل امتدادا لمن حاولوا قبله إيقاظ الهمم، لوقف نزيف التعدي على الدين، ولإفراغه من محتواه.
فأكون شخصيا مع الملك سليمان فيما أقدم عليه، ومع محمد بن عبد الوهاب فيما أنجزه. ومن ادعى أن هذا الأخير على خطأ، فليقدم الدليل النقلي والعقلي على أن بناء الأضرحة ورفع القباب عليها والتقرب للمدفونين تحتها من الدين! وعلى أن مسمى الطرق الصوفية فيما تمارسه من طقوس تعبدية، لم تخرج عن نهج المختار صلى الله عليه وسلم في التعبد؟ فمن ادعى أنه صلى الله عليه وسلم، كان يعقد حلقات للذكر الجماعي، وكان أصحابه يرقصون -وهو يتوسط حلقة أذكارهم- ويرددون كلمات مفردة، أو جملا بعينها، فليقدم على ما يدعيه الدليل أو الأدلة القاطعة؟؟؟
ثم نأتي إلى سبعة رجال مقدسين مزورين، فنقول لصديقنا: إن الحديث عن وجودهم مجرد خرافة، وجدت في ظروف يمكنه الاطلاع عليها، إن هو راجع كتابنا “التصوف الطرقي بالمغرب الحديث والمعاصر. سوس نموذجا”. وسوف يجد فيه كيف أن سبعة رجال مراكش بالذات لم يكونوا غير حلم تحدث عنه أحد المترجم لهم في كتاب “التشوف إلى رجال التصوف” قبل أن يتم انجازه على الأرض المراكشية بعد ما يقرب من أربعة قرون!
كان ذلك في بدايات عهد العلويين، إضعافا منهم لنفوذ سبعة رجال رجراجة الذين هم أمازيغيون!!! وهم الذين دارت حولهم خرافة بدايتها كانت قبل دخول الإسلام إلى المغرب! ومضمونها أن سبعة رجال من البربر في منطقة دكالة، سافروا إلى مكة أو إلى المدينة المنورة حيث قابلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلموا على يديه، وتحدث معهم بلغتهم كما يحكى. ثم عادوا مسلمين، فشرعوا في الدعوة إلى الإسلام!
بحيث يكون من المفروض أن يكون الصحابة على علم بقصتهم كاملة. ويكون حديثه صلى الله عليه وسلم معهم بلغتهم داخلا في إطار معجزاته!!! ولكن شيئا من هذا لم يحدث، فقد كان المغرب من ضمن بلدان الشمال الإفريقي التي امتد إليها الفتح الإسلامي. ولا سمعنا أن سبعة رجال استقبلوا الفاتحين ورحبوا بهم وأعانوهم على نشر الدين الحق. بل ما عرفناه هو أن عقبة بن نافع وقف أمام البحر في أسفي ولم يتجاوزه لنشر الإسلام فيما وراءه.
فقد ساقه برابرة المنطقة (وفيهم سبعة رجال مفترضون) إلى جهة البحر ليوهموه بأنه حد تلك الجهة التي لا يمكن المضي إلى ما وراءها. فكان أن نصبوا له هو وأصحابه الكمائن لينزلوا به وبهم تلك الهزائم المعروفة في التاريخ! إذ لو وجد في المنطقة مسلمون، وسبعة رجال يتقدمونهم لحدثنا التاريخ عن خلاف ما حدثنا به وعنه!
ثم إن سبعة رجال لم يعرفوا فقط بمراكش كما يفهم من كلام صاحبنا. وإنما عرفوا قبل ذلك بالشياظمة تحت مسمى (الركراكة الأحرار)! وهناك سبعة رجال فاس! وسبعة رجال بني عروس! وسبعة رجال تلمسان! وقصة وجودهم تقتضي الاطلاع على جوانب منها في عدة مؤلفات. فليراجع صديقنا المحترم كتابنا “عرقلة الفكر الظلامي الديني للنهضة المغربية” والذي وضعناه بين يديه منذ سنوات، وليقف تحديدا عند ص:218، حيث يجد هذا العنوان “ظاهرة سبعة رجال”!!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *