أيها الزاعمون حب النبي صلى الله عليه وسلم د. رشيد نافع

أفواه وإداواة وأقلام وصفحات ومجلات وجرائد ومواقع وأنامل حانقة حاقدة، تعيد ما فعله كبراؤهم وساداتهم من محاولات النيل من أفضل ما أقلت الغبراء وأظلت السماء أطهر الخلق وسيد الأنبياء والمرسلين رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم.
فبعد سلسلة من المقالات السمجة التي لا أصل لها ولا فرع كما يقال عندنا بلهجتنا المغربية “لا قاع لا ساس” في بعض الصحف والتي تولت كبرها (آخر ساعة) التي سيحاسب القائمون عليها والمطبلون لها وممولوها يوم تقوم الساعة والساعة أدهى وأمر، التي ما فتئت هي وأخواتها من نشر سخافات وفرى باطلة وإساءات سافرة ومتعمدة وواضحة، بل ومبيتة ومعدة سلفا لدين الإسلام، ونبي الإسلام صلى الله عليه وسلم، وعلماء الإسلام وأئمتهم، وأمة الإسلام!!
وما هي إلا أنموذج وقح وقاحة محرريه وأهله، قال تعالى: “كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون، أتواصوا به بل هم قوم طاغون”.
أيها القارئ بالله عليك ماذا يبقى لك في الدنيا من شعور بملذاتها ومتعها وزينتها يوم يتطاول على مقام نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ثم لا يعزر ولا يوقر بل لا ينتصر له ولا يذاد، ماذا تقول إزاء هذا التعدي الفاشي؟ والتجني السافر؟ والتهكم المكشوف؟ هل ستغمض عينيك؟ وتصم أذنيك؟ وتطبق فاك؟
أم أن قلبك إن كانت فيه بقية نبضات سيهوى الانتصار بالبنان واللسان لسيد ولد عدنان عليه أفضل الصلاة والسلام من ربه العزيز الرحمان.
هذا ظني بك أيها القارئ وكأني بك تردد في أرجاء المعمور بصوت جهوري مسموع: لا والذي شرف محمداً وأعلى مكانه، لبطن الأرض أحب إلينا من ظاهرها إن عجزنا أن ننطق بالحق وندافع عن صاحب المقام المحمود، ألا جفت أقلام جبنت عن الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم والذود عن حرمته.
فإن أبي ووالده وعرضي *** لعرض محمد منكم فداء
وعلينا أن نوقن يقينا جازما لاريب فيه أننا إذ ننافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وندفع عنه فإننا نحمي بذلك ديننا وعقيدتنا وثوابتنا من عبث العابثين ولعب اللاعبين، وندلل بذلك على مدى صحة دعوى حبنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا أضعف الإيمان.
وهو حق من حقوق نبي جعل الله محبته مقدمة على النفوس والوالدين والأولاد والأموال والأزواج والعشيرة، قال الله تعالى: “قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين”، وقال صلى الله عليه وسلم: “لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين” رواه البخاري. وفي رواية: “ومن نفسه”.
والدارس لسيرة النبي صلى الله عليه وسلم يقف على فضائل جمة لا تكاد تحصى كثرةً فهو محض فضل من الله ومنّة على هذه الأمة التي استحقت الخيرية وستبقى مادامت قائمة بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
قال تعالى: “لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ”، كما امتدحه ربه ورفع شأنه وأعلمنا بذلك فهو أول من تنشق عنه الأرض، وأول من يدخل الجنة، وله المقام المحمود، والحوض المورود وصاحب لواء الحمد…
إلى غير ذلك من الفضائل والخصائص التي اختصه الله بها دون غيره من إخوانه الأنبياء عليه أفضل الصلاة والسلام، وهي بفضل من الله منثورة في كتب السنة والدلائل والشمائل والخصائص والفضائل، وهذه الفضائل غير خافية إلا على شانئيه ومبغضيه وماضره ذلك قديما من أساطين الشرك ودهاقنته فضلا عن صعاليك زماننا “لا علم لاعقل لا زين لا مجي بكري”، ناهيك عن المجازر اللغوية التي نصبوها للغة العربية مع ركاكة في التعبير وفساد في المعنى.
وفضل نبينا صلى الله عليه وسلم شهد به القاصي والداني والصديق والعدو، وأنى لأحد أن يكتم فضائله صلى الله عليه وسلم وهي كالقمر في ضيائها تضيء ظلام جهل مناوئيه، وكالشمس في إشراقها ترخي لهيبها فتحرق افتراءات الشامتين الشاتمين.
رسولنا صلى الله عليه وسلم أيها الجعظري الجواظ رفيع النسب والمنزلة برفعة الله له، الطاعن فيه لن ينال منه شيئاً قال تعالى: “ورفعنا لك ذكرك” قال الإمام مجاهد بن جبر: “لا أذكر إلا ذكرت معي، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله”.
هذا مقامه عند ربه رغم أنوف الحاقدين والجاحدين الزاعمين حب الله ورسوله عند افتضاحهم، ويكفيهم نكالا في الدنيا أن اسمه يكرر على مآذن الدنيا من طنجة إلى الكويرة ومن ثم إلى جاكرتا فروسيا والصين فجنوب إفريقيا وفي كل مكان حين يقول المؤذنون: أشهد.
وللتذكير فقط لا غير نخبر المناوئين الزاعمين إيمانهم بالقرآن هل وعوا عن الله تعالى حين أخبر في كتابه أنه قد تولى الدفاع عن نبيه صلى الله عليه وسلم وأعلن عصمته له من الناس كما في قوله تعالى: “والله يعصمك من الناس”، وأخبر أنه كافيه من المستهزئين كما في قوله تعالى: “إنا كفيناك المستهزئين” سواء كانوا ممن عاصره أو من غيرهم ممن قلدوهم وورثوا عنهم طريقتهم.
أيها الزاعم حب القرآن وآياته، المتشدق بحب النبي صلى الله عليه وسيرته، أما قرأت قوله تعالى: “إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ” أي: إنَّ مبغضك يا محمد، ومبغض ما جئتَ به من الهدى والحق والبرهان الساطع والنور المبين “هُوَ الأَبْتَرُ” أي الأقل الأذل المنقطع كل ذكرٍ له.
فهذه الآية تعم جميع من اتصف بهذه الصفة من معاداة النبي صلى الله عليه وسلم أو سعى لإلصاق التهم الباطلة به، ممن كان في زمانه، أو ممن جاء بعده من أصحابنا الذي يحبون نبينا أكثر منا زعموا، وهكذا وإلى يوم القيامة.
أيها الزاعم حب النبي صلى الله عليه وسلم أين كان هذا الحب المُدعى وأنت تنشرت هذيانك على هذه صفحات جرائد جرداء قاحلة جدباء من كل خلق وحياء وفضيلة؟
وهي قطعاً سخافات وتفاهات من نكرات توافه لا تعكس بفضل من الله وحده ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هي فرى أملاها عليهم خيالهم الفاسد، وأوحى لهم بها شيطانهم، ورسمها لهم السامري في عقولهم.. إن كانت لهم عقول! فرى لم يقلها شانئوه ممن عاصروه فكيف بمن لم يجمعهم به زمان ولم يربطهم به خلق ولا حياء ولا إيمان؟!
واعلم أيها الزاعم حب النبي صلى الله عليه وسلم أن كل شانئٍ للنبي صلى الله عليه وسلم وكل معارض لدينه سيبقى ما عاش هو الأبتر المقطوع المنبوذ..
سل نفسك أين أبو جهل؟ أين أبو لهب؟ أين الوليد بن المغيرة؟ أين أم جميل حمالة الحطب؟ أين عبد الله بن أبي بسلول؟ وزيد وزيد وزيد؟
لقد طوتهم الأرض ومنهم من لفظته، ونُسيت قبائح أفعالهم فلا يسمع لها صدى، ولحقتهم اللعنات، وأثقلوا بالأوزار والتبعات والدعوات، أيها الزاعم حب النبي صلى الله عليه وسلم هل قرأت عاقبة المستهزئ الساب الطاعن في رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أخرج البخاري في صحيحه من حديث أنس قال: “كان رجل نصراني، فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران، وكان يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم، فعاد نصرانياً، فكان يقول: لا يدري محمد إلا ما كتبت له، فأماته الله، فدفنوه، فأصبح وقد لفظته الأرض، فقالوا: هذا فِعْل محمدٍ وأصحابه، نبشوا عن صاحبنا فألقوه، فحفروا في الأرض ما استطاعوا، فأصبح قد لفظته، فعلموا أنه ليس من الناس، فألقوه”.
أيها الشانئون الزمان بيننا وبينكم، لنرى من تكون له العاقبة، ومن الذي يضل سعيه، ويكذب كلامه، وتظهر للعالمين أباطيله وافتراءاته، فقد قالها أمثالكم، فلمن كانت العاقبة؟ وأين آثارهم؟ وأين مثواهم؟ قال الله تعالى في القرآن الكريم الذي زعمتم حبه والإيمان به: “وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيم”، وقال الله تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً”.
وفي الختام أقول: يا أمة محمد عليه الصلاة والسلام لا تخذلوا نبيكم ولا تتقاعسوا عن نصرته بالكتابة والخطابة والقلم والاتباع، فوالله ما أسلم عمه أبو طالب وذلك لما رأت قريش أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزايد أمره ويقوى، ورأوا ما صنع أبو طالب به. مشوا إليه بعمارة بن الوليد. فقالوا: يا أبا طالب، هذا أنهد فتى في قريش وأجمله، فخذه وادفع إلينا هذا الذي خالف دينك ودين آبائك فنقتله، فإنما هو رجل برجل. فقال: بئسما تسومونني، تعطوني ابنكم أربيه لكم وأعطيكم ابني تقتلونه؟ فقال المطعم بن عدي بن نوفل: يا أبا طالب، قد أنصفك قومك، وجهدوا على التخلص منك بكل طريق. قال: والله ما أنصفتموني، ولكنك أجمعت على خذلاني، فاصنع ما بدا لك.
وقال أشراف مكة لأبي طالب: إما أن تُخلي بيننا وبينه فنكفيكه. فإنك على مثل ما نحن عليه أو أجمع لحربنا. فإنا لسنا بتاركي ابن أخيك على هذا، حتى نهلكه أو يكف عنا، فقد طلبنا التخلص من حربك بكل ما نظن أنه يخلص.
فبعث أبو طالب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له: يا بن أخي، إن قومك جاءوني، وقالوا كذا وكذا، فأبق عليَّ وعلى نفسك، ولا تحملني ما لا أطيق أنا ولا أنت. فاكْفُفْ عن قومك ما يكرهون من قولك. فقال صلى الله عليه وسلم: «والله لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري ما تركت هذا الأمر حتى يُظهره الله، أو أهلك في طلبه” فقال: امض على أمرك، فوالله لا أسلمك أبدًا».
ودعا أبو طالب أقاربه إلى نصرته فأجابه بنو هاشم وبنو المطلب، غير أبي لهب، وقال أبو طالب:
والله لن يصلوا إليك بجمعهم … حتى أوسد في التراب دفينا
فاصدع بأمرك ما عليك غضاضة … وأبشر وقَرَّ بذاك منك عيونا
ودعوتني، وعرفتُ أنك ناصحي … ولقد صَدَقْتَ، وكنتَ ثمَّ أمينا
وعرضت دينا قد عرفت بأنه … من خير أديان البرية دينا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *