بسبب الضعف الكبير، وعدم استجابة العقل والفطرة للطرح الذي يقدمونه، يقف الملحد واللاديني عاجزين عن عرض مذهبهما والدفاع عنه والإقناع به، وطمعا في إخفاء العجز، وسعيا وراء إثبات الوجود ولفت الأنظار، يختارُ المنتسبون إلى هذين المذهبين الرجعيين الماضويين أسلوب الهجوم على الآخر، وعلى الدين والمتدينين، وخاصة الحركات والدعوات الإسلامية التي تركز على مطلب التمسك بالشريعة الإسلامية وتطبيقها في شتى مجالات الحياة.
فهؤلاء يشتد عليهم الهجوم من طرف اللادينيين والملاحدة الذين يسيطرون على قطاعات حساسة كالإعلام والثقافة، وبالنظر إلى أن المجتمع المسلم لا يمكنه القبول باللادينية مباشرة، كان من الطبيعي سلوك دروب النفاق، والتظاهر بالخوف على البلاد من “قوى الظلام”!!، والتخفي وراء شعارات عدة لمحاربة الإسلام، أهمها جعل “الحركات الإسلامية” مرمى للطعن في العديد من شعائر الإسلام، فتارة تحارب هذه الحركات بكونها تقدم قراءة متطرفة للنص الديني، وتارة بكونها تستخدم الدين للوصول إلى أهداف سياسية، وتارة بأنها تضطهد المرأة وتدعو إلى سجنها داخل قطعة ثوب تدعى “الحجاب أو النقاب”، وتارة لأنها تعتقد بوجوب تطبيق حدود وحشية ولى زمانها… إلى غير ذلك من الأقوال والشبهات والهرطقات التي نطالعها يوميا -كغيرنا من المغاربة- على صفحات الجرائد والمجلات وبعض القنوات.
وما يجب أن نقف عنده ونتأمله خلال صراع من يدعو إلى تطبيق شرع الله ومن يطالب بإقصاء وإبعاد شرع الله، هو أن المتطرفين المنتسبين إلى المذاهب الإلحادية المادية لا يمكنهم العيش إلا عن طريق الحرب والهجوم على الآخر، فهم يقومون إن صح هذا التعبير “بواجب جهاد الطلب اللاديني” ضد كل المسلمين الذين يخالفونهم العقيدة في الله والكون والحياة، ويغزون المسلمين أو من يسمونهم “إسلاميين” في عقر دارهم، ويتهمونهم في عقيدتهم وسلوكهم وتصوراتهم، لأن اللادينيين -فعلا- عاجزون عن عرض مذهبهم والتبشير به في جو يسوده الحوار الهادف والسلام والوئام والمحبة.
وليُعِد كل منا قراءته لمقالات وكتابات وخرجات اللادينيين، وليرجع بذاكرته إلى أحداث وطنية ودولية اتهم فيها أفراد معينون بضلوعهم في “أحداث إرهابية”؛ ليقف على درجة التطرف وثقافة الاستئصال التي تشبع بها اللادينيون المتظاهرون برحابة الصدر وقبول الخلاف، وليكتشف بنفسه هجومهم الواضح والصريح على الإسلام في ذاته، ومطالبتهم الصريحة بإبعاده عن كافة مجالات الحياة، واقتصار دوره فقط على بعض الشعائر التعبدية الفردية.
فكم هاجموا الإسلام وادعوا -دون أن يرف لهم جفن- أنه سبب الحروب والدمار الإنساني، وفتح أحد هؤلاء العلمانيين المتطرفين خياله ليسبح بعيدا، وتمنى أن يعيش في “عالم دون دين، ولا دماء، ولا غزوات، ولا فتوحات، ولا حدود وحشية…”، ونسي أو تناسى هذا المتمني أن العلمانية كانت سبب دمار العالم، وإزهاق أرواح ملايين من البشر الأبرياء، وكانت سببا وراء الاستبداد وتكريس السلطة والثروات في يد طرف متغطرس، يملك من المسوغات ما يبرر به تسلطه واستبداده وجرائمه.
لقد كشفت (موسوعة الحروب) أن من مجموع 1763 حربا مؤرخة وموثقة، 93% منها كانت حروبا علمانية، والباقي (7%) حروبا دينية تشترك فيها كل ديانات الأرض.
بمعنى أن ملايين الأرواح والأنفس التي أزهقت كان سببها الرئيس: العلمانية، وأن 54 مليونا و800 ألف قتيل (54.800.000) التي خلفتها حربان عالميتان مدمرتان كان سببها العلمانية، وأن 100 مليون من الهنود الحمر الذين أبيدوا كان سبب إبادتهم: العلمانية، وأن 50 مليون صيني الذين أبادهم الملحد “ماو سي تونج” وجعل من جثثهم سمادا للأرض أبيدوا باسم العلمانية، وأن أكثر من 50 مليون أخرى أبادهم عن بكرة أبيهم القائد الثاني للاتحاد السوفييتي سابقا، الملحد السفاح جوزيف ستالين، أبيدوا أيضا باسم العلمانية.
فبسبب “العلمانية الفاشية الشيوعية” و”العلمانية الفاشية الرأسمالية” قتل ملايين الأبرياء، وإلى يومنا هذا لازالت آلة القتل العلمانية تحصد مزيدا من الأرواح، ولازالت أحزاب تنسب إلى المنظومة الاشتراكية أو الرأسمالية لا تستحي على الإطلاق من رصيدها الدموي، بل أكثر من هذا كله لازالت تمتلك من الجرأة ما يخول لها مهاجمة الإسلام ورمي المنتسبين إليه بالتطرف والإرهاب!!
أذكر هذا ليقف القراء الكرام على درجة الإجرام العلماني والتزوير الإعلامي الكبير للرأي العام، من خلال التستر على مجازر وحشية وإبادات جماعية، وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، اقترفتها جيوش علمانية وحشية همجية، بتخطيط من قادة ومفكرين علمانيين بارزين أيضا.
ولم تكن الجيوش التي مارست هذا الإرهاب وانتهكت حقوق الإنسان تنتسب حقيقة إلى النصرانية أو أي رسالة سماوية أخرى كما يحلو لبعضهم أن يدعي، بل كانوا كما وصفهم بدقة المؤرخ الجبرتي رحمه الله في “مظاهر التقديس بزوال دولة الفرنسيس”: (..قد خالفوا النصارى والمسلمين، ولم يتمسكوا من الأديان بدين، وهم دهرية معطلون، وللمعاد والحشر منكرون، وللنبوة والرسالة جاحدون)اهـ.
فلا يمكن اعتبار المدافع عن هذه المنظومة المادية التي كلفت العالم هذا العدد الكبير من الأرواح، وقامت بسببها العديد من والحروب والصراعات، وضمنت لقوى الاستبداد التحكم في مصادر القرار ومصادر الثروة، إلا أنه يعيش خارج السياق وخارج التاريخ، ولا يريد على الإطلاق أن يفتح عينيه ليرى الحقيقة ماثلة أمامه، وهي أن العلمانية فشلت وعجزت أن توفر للعالم الأمن والسلام والعدالة الاجتماعية.