بعد دخول القوات الغازية إلى مكناس، قامت يوم 9 يونيو بإتمام نصب المعسكر الذي ستقيم فيه القوات الحامية المكونة من سرية مشاة استعمار، وأخرى مشاة سنغالية، وسريتان من كوم الشاوية، وطابور مغربي مكون من 500 جندي بقيادة هارينك، وفصيلة جبال و400 فارس للقائد عمراني، وطابور أسود. القوات الفرنسية أقامت في قصر الدار البيضاء، والمغاربة أقاموا في المشور القديم المقام حول قصر المولى إسماعيل.
قام الجنرال القائد العام بترأس استعراض عسكري بالمدينة صحبة قياداته، تصحبه موسيقى عسكرية، وجاب كل شوارع المدينة، وقد استقبله اليهود سكان الملاح بفرح غامر بسبب ما كان يتهددهم من نهب وقتل على يد المتمردين. ص.23
وبتعبير بيير كورات: عندما كان الجنرال دالبيز وضباطه يجتازون باب الملاح استقبلهم اليهود كمحررين. ص.151
منذ دخول الفرنسين لمكناس علم من فاس أن عدة قبائل من اشراردة ولحياينة بعثوا أعيانهم للتفاوض مع المخزن بشأن خضوعهم، وبعد ذلك غادر موانيي مكناس يوم 11 يونيو على رأس قوات عائدا إلى فاس، قاطعا مرتفعات زرهون يوم 12 يونيو، حيث توقف بزاوية مولاي إدريس زرهون، وهي مزار محترم يتواجد به شرفاء الزاوية الذين خرجوا للقاء الجنرال يبحثون عن امتيازات وأبهة.
وقد لقيهم الجنرال وأركانه مرتدين اللباس الأبيض، راكبين البغال المسربلة بأكسية حمراء، تتقدمهم فرقة موسيقية محروسة بالخيالة الذين قادوا القادة رؤساء الأركان إلى داخل الحرم، وقد أدت قواتنا بكامل أسلحتها التحية، وقد قطع الموكب شوارع المدينة الشديدة الوعورة التي تضم حوالي 6000 نسمة، كما قُدِّم للضباط الطعام في دار الشرفاء.
تحدث الفاطمي بن اتفيد فرحب بالجنرال وأركانه، وقال بأنه يتكل عليه في العناية بالشرفاء وتقريبهم من السلطان والحفاظ على حقوقهم العريقة، فأجاب الجنرال بأن فرنسا التي يمثلها ستلتزم ما يأمر به السلطان، وصرح الشريف بأن كلمة قائد القوات الفرنسية أكبر من أي عقد مكتوب.
ثم قاد الشريف الجنرال إلى دائرة واسعة اجتمع بها حوالي 80 من ممثلي كونفدرالية زرهون، جاؤوا مع عدد من الأتباع لتقديم الطاعة التامة، خطاب السلام هذا قبل في البلاد من طرف 10000 دوار الذين جاؤوا بعد ذلك لمعسكر بيتيجة، حيث سلموا عينا ما يكون مخزونا للتغذية.
وفي الغد عاد الجنرال إلى فاس، حيث دخلها يوم 15 يونيو دون أن تطلق عليه طلقة واحدة، وفي الغد (16 يونيو) استقبل مولاي حفيظ أخاه مولاي الزين وأعضاء مخزنه بمكناس الذين أحضرتهم قواتنا، وأعطاهم الأمان التام، كما وافق مولاي حفيظ على إعطاء الأمان يوم 22 يونيو لكل من شرفاء مولاي إدريس، وقبائل كروان وبني احسن واشراردة وسهل سايس الذين أعلنوا طاعتهم يوم 25 يونيو. ص.24
يوم 18 يونيو، توجه كولون برولارد ودالبيز نحو الغرب، في اتجاه بيتيجة-القنيطرة، لتأمين ذهاب وإياب قوافل التموين عبر تلك الطريق، بينما بقي موانيي وكورو بفاس.
يوم 17 يونيو، قامت تسع سرايا من مهدية لتمشيط غابة معمورة في الجهة التي يتم قطع الطريق منها بين الرباط والقنيطرة، تحت قيادة الكولونيل تونين الذي هوجم في الكلومتر 25 في نفس الطريق من طرف جماعات مغربية، حيث دارت معركة قاسية دامت حوالي ثماني ساعات، حيث تم إرغام المهاجمين على مغادرة المكان بعدما تكبدوا خسائر فادحة من القتلى، ومن جهتنا فقد فقدنا جنديا سنغاليا و6 جرحى بينهم ضابط.
وفي يوم 20 منه، تمركزت بدار بلعروسي مفرزة من المدفعية، حيث هوجمت أثناء قيامها ببعض الأعمال على بعد 8 كلومترات من سلا، حيث دارت معركة حامية قتل فيها جندي، وفي يوم 22 منه، غادر موانيي فاس متوجها إلى مكناس التي وصلها يوم 25، دون أن تطلق عليه رصاصة، وذلك من أجل توزيع القوات. ص.26
ولما وصل المدينة استقبل مفاوضين من بني امطير، حيث اقترح عليه القائد بن عقا البودماني، أحد القياد الأساسيين، بأن يأذن لوالده بالقدوم عنده للتفاوض حول تقديم الطاعة، فحدد له موعدا بتاريخ 26 يونيو، لكن القائد لم يأت بل انضم إلى قائدين آخرين أكثر عددا، وتوجهوا إلى الأطلس المتوسط عند زيان.
غادر موانيي مكناس يوم 27 يونيو مع كورو وبرولارد، حيث نزلوا بقصبة الحاجب المخزنية، حيث احتلها وترك بها حامية مكونة من 1200 جندي، وبطارية 80 ملم للجبال أخذت من القوات الشريفة المدربة على يد البعثة الفرنسية، والتي تنتمي في الأصل لقائد الرحامنة بوعودة، حيث ستمكن القصبة من التواصل مع مكناس بفضل مركز الاتصال التلغرافي الذي أقيم بها.
عاد الجنرال إلى مكناس يوم 28، وبقي هناك ثلاثة أيام؛ ويوم ثاني يوليوز غادرت قوات مكناس لفتح الطريق نحو الرباط، وكان أول معسكر أقامته في عين عرمة على بعد 20 كلم غرب مكناس، ويوم 3 منه اجتازت القوات واد بهت، فتعرضوا لهجمات عنيفة من طرف الزموريين حيث جاء المهاجمون من كل الجهات، ودارت معركة قاسية من الساعة الثامنة إلى منتصف النهار، حيث سقط عدد من القتلى كان لنا منهم أربعة، وقد عسكرت القوات في عين رابو، ونتيجة للمعركة السابقة جاءت الدواوير التي تم تحريقها تطلب الأمان يوم 4 يوليوز.
يوم 6 يوليوز، تم احتلال سوق الخميس، ويوم 7 منه وصلت القوات إلى تيفلت، وقد رافقهم فرسان زمور وازعير يتبادلون معهم إطلاق النيران، وفي غضون ذلك قام الجنرال ديط المعسكِر بالرباط باختراق غابة معمورة، ووصل عند الشريف علي البراوي قرب واد زيلي على بعد 35 كلم من تيفلت، حيث سيلتقي يوم 8 منه موانيي بتيفلت، وبذلك أصبحت الطريق بين الرباط ومكناس آمنة.
السكان الذين مرت بهم القوات أبدوا خضوعهم، لكن سكان جنوب الطريق بقوا معادين ويتعذر قهرهم، والتهدئة هناك ليست قريبة.
بيد أن الطريق إلى فاس مفتوحة على طريق القنيطرة، لالة يطو، حجرة واقف، وانزالت لوداية؛ وفي الشمال سيدي علي براوي، تيفلت، سوق الأربعاء، آيت سبور، ومكناس. ص.43
قبيلة احمر، التي تتكون من جماعة من اللصوص تعيش على النهب والسلب في تخوم غابة معمورة، طلبوا الأمان، وممثلوهم وقعوا على الشروط الموضوعة من طرف الجنرال موانيي، المشتملة على غرامة 60000 فرنك تعويضا على استيلائهم على 250 جملا محملا بالمؤونة والبنادق، وإرجاع حصان وسلاح ليوطنا مونود القتيل يوم 23 ماي، وتسليم 800 بندقية، لكن عددا من رجال القبيلة ما يزالون منشقين، وأثناء المفاوضات هاجموا قافلة تابعة للفرنسيين، فلا بد إذن من استئصالهم وزجر من يشك في قدرته على لعب دور مزدوج مع قواتنا وضدها، وتقوية قوات احتلالنا بقسم من القوات التونسية التي يجب على الحكومة استدعاءها للمساهمة في احتلال المغرب.
موانيي دخل الرباط يوم 10 يوليوز، ويوم 20 منه أعلن القائد البودماني طاعته النهائية مع قبيلته، ويوم 17 تم تقسيم مهام قوات الغزو على الشكل التالي:
مهدية تحت قيادة الجنرال ديط، ويضم مجالها مهدية كقاعدة، ومراكز لالة يطو، وسيدي كدار، والرباط، وسلا.
وتحت قيادة مونود: تيفلت، وسوق الأربعاء، وآيت سبور، وزمور؛ وتتكون قواته من كتيبتي ازواوا، وأربع كتائب مشاة استعمار، وأربع كتائب قناصة، وفوج ونصف سنغالي، وثلاث سرايا رماة أفارقة، وسرية ونصف اصبايحية، والفيلق الثاني للكوم الجزائريين، وثلاث بطاريات مدفعية محمولة وواحدة للجبال، وفرقتين ونصف للهندسة العسكرية، وملحق للمواصلات والمختلفات.
مكناس تحت قيادة الجنرال دالبيز، ويضم مجاله فاس، ومكناس، ومراكز بيتيجة محروسة بقوات مكونة من فوجين لمشاة الاستعمار، و3 أفواج قناصة، ولفيف محمول وآخر سنغالي، و6 فرق من كوم الشاوية مشاة، وسرية ونصف اصبايحية، والفيلق الأول للكوم الجزائريين، و6 مفارز من كوم الشاوية، وبطاريتي مدفع محمول وواحدة للجبال، وفرقة للهندسة العسكرية، وملحقة تلغراف ومصالح أخرى.
الشاوية تحت إمرة الكولونيل برانلي الموضوع رهن إشارته القوات التالية: فوجان من ازواوا، وفرقتا قناصة، وواحد مشاة ثقيل إفريقي، ونصف فيلق سنغالي ونصف آخر من اللفيف، وفصيلتان من إفريقيا رماة وواحدة اصبايحية، وبطاريتا مدفع محمولة، ومفرزة جبال ملحقة للهندسة العسكرية ومصالح أخرى.
في أواخر يوليوز، جاءتنا أخبار من الجنوب الشرقي لتيفلت بحشود لزمور يستعدون للزحف على مراكز قواتنا بالتعاون مع زيان، الجنرال دالبيز دخل فاس في 1 غشت من أجل إخلاء الشاوية من كافة قوات المتروبول، والإبقاء فقط على قواتنا من الأهالي، لتأمين المواصلات بين فاس ومكناس والرباط. ص.45