د. البشير: تشريح العلمانيين للنص القرآني بمبضع التفسير الهرمنيوطيقي دليل على أنهم يتعاملون مع القرآن كغيره من النصوص اللغوية القديمة حاوره: نبيل غزال

القرآن الكريم ليس سوى إفرازا ثقافيا لمرحلة معينة انتهت وانقضت..!!
والحديث النبوي لم تعرف له سلطة إلا مع ظهور الأصوليين وصراع أيديولوجي خاص من أجل فرض السيطرة السياسية.. !!
أما النبوة فهي لا تتطلب ذهنا كاملا بل خيالا خصبا فقط..!!
والبخاري ومسلم وغيرهم وضعوا أحاديث مكذوبة خدمة للحكام.. !!
أما الفتوحات الإسلامية فلم تخلِّف سوى القلاقل والصراعات والهدف وراءها كان هو الجنس والمال.. !!
ورسائل النبي محمد كانت رسائل إرهابية.. !!
والنقاب أمر استفزازي يشوه معالم الحضارات.. !!
أما الأخلاق فهي متغيرة ولا تعرف الثبات.. !!
هذه جملة من أقوال العلمانيين التي يقذفون بها في المجال الإعلامي، والحقل والمعرفي.. !!
يكررونها ولا يملون من ذلك، عسى أن يجدوا من يقتنع بما يقولون.. !!
في هذا الحوار، الذي ننشره في حلقات، سنناقش مع الدكتور البشير عصام، الباحث في المسائل الشرعية والقضايا الفكرية، مرجعيةَ أصحاب هذه المقولات، ونظرَتَهم لنصوص الوحي، والأدوات التي يوظفونها لتدنيس المقدس، ومآل الإسلام أيضا في القراءة العلمانية الحديثة.. كما سنتطرق لخصائصِ وسماتِ النصوص الشرعية ومَن هو المؤهَّلُ لفهم هذه النصوص والحديث عنها.

كيف ينظر العلمانيون للدين وأصل نشأته؟ هل يرون أنه وحي من الخالق الرازق المدبر أم يعتبرونه منتجا بشريا، أو لنقل دينا محمديا فحسب؟
أود في البداية أن أنبه على معنى مصطلح “علماني” الوارد في سؤالكم.
العلمانية -على ما في تعريفها من اختلاف وتجاذب فكري- هي في أشهر تعريفاتها: “فصل الدين عن الدولة”؛ وهي في تعريفها الشمولي: “نزع القيم الدينية عن الممارسة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية”. وهي في جوهرها مناقضة للإسلام، لأنها تنزع عنه القدرة على التحكم في مجالات الشأن العام جميعها، وتحصره في دائرة التعبدات الفردية. وهذا مخالف لنظرة الدين الإسلامي للعلاقة بين الدين والواقع.
ولكن –مع مناقضتها للإسلام– فإنها لا تقتضي الإلحاد ولا إنكار الوحي، ولا أن الدين منتج بشري كما تفضلتم به في السؤال. بل لا إشكال –من الناحية المفاهيمية الخالصة– في أن يعتقد العلماني أن الدين وحي إلهي، ويعتقد مع ذلك أنه محصور في الدائرة الشخصية.
المنتمون لهذه الطائفة لا يصرحون أن الإسلام منتج بشري لا إلهي، لأنهم يعرفون شدة تشبث العامة في بلداننا بالدين الإسلامي، فليسوا حريصين على مجابهتهم بما يكرهون..
هذا التنبيه لا بد منه، لأننا قد نستعمل مصطلح “علماني” في هذا الحوار، ولكننا لا نقصد به هذا المعنى، وإنما نقصد به الانتساب إلى طائفة معينة، تجمع بين الانتساب النظري لمبادئ العلمانية والديمقراطية والحداثة، وبين الممارسة العملية لمحاربة الدين والطعن في مقدساته ومحاولة هدم ثوابته.
المنتمون لهذه الطائفة لا يصرحون بهذا المذكور في السؤال من أن الإسلام منتج بشري لا إلهي، لأنهم يعرفون شدة تشبث العامة في بلداننا بالدين الإسلامي، فليسوا حريصين على مجابهتهم بما يكرهون؛ ولكن مواقفهم وأفكارهم التي يتبنّونها، تَشِي بهذا المعنى. مثال ذلك:
• قولهم بضرورة إخضاع النص القرآني لآليات النقد الفيلولوجي، وضرورة اعتبار السياق التاريخي لهذا النص، وإرجاع كثير من معانيه لنصوص دينية أو فلسفية أو ميثولوجية سابقة. وهذا لا يقوله مؤمن بالمصدر الإلهي للقرآن!
• تبني كثير منهم رؤية المذهب الاجتماعي (الذي أسسه دوركايم) والمبنية على أن التدين وليد أسباب اجتماعية، وأن الدين الأول نشأ من المعتقد الطوطمي! وهذا كسابقه في الدلالة.
• نصب المعارضة والمفاضلة بين الشرائع الإلهية القطعية والقوانين البشرية الوضعية. وهذا لا يخطر ببال من يرى الشرائع وحيا إلهيا! (والكلام هنا ليس عن الشرائع الظنية المستنبطة بالاجتهاد).
• إنكار الغيبيات الثابتة في الوحي، وإلحاقها بالخرافات الشعبية المتداولة بين العامة.
• إنكار سلوك الأسباب الروحية المعنوية كالدعاء والذكر، والاستهزاء بذلك، والاعتداد بالأسباب المادية الدنيوية وحدها، مما هو واضح الدلالة على ما ذكرنا.

فيما يخص القرآن الكريم، كلام رب العالمين، هل يعتقد المنتمون لهذا التيار أنه إلهي المنشأ وأنه كتاب هداية في الدنيا والآخرة، ودستور للأمة إن صح هذا التعبير؟ أم أن لهم قناعات أخرى غير ما ذكرتُ..؟
الغالب على هذا التيار: أن القرآن كتاب تعبدي خالص، ولا إشكال عندهم في التصريح بذلك انطلاقا من مرجعيتهم العلمانية، التي سبق شرحها.
ولذلك لا ينبغي أن نغترّ إذا رأيناهم يعظّمون القرآن من حيث هو، فليس هذا لب الخلاف بيننا! ولا إشكال في أن يعتني العلماني بقراءة القرآن وحفظه ونشر المصاحف وطباعتها، فهذا لا يناقض العلمانية في جوهرها. هذا مع علمنا أن من أبناء هذا التيار من يصرح بالإلحاد أو اللادينية أو التشكك.
سبق لي أن ذكرتُ أن تشريح النص القرآني بمبضع التفسير الهرمنيوطيقي دليل على أنهم يتعاملون مع القرآن كغيره من النصوص اللغوية القديمة، وإن كانوا لا يصرحون –مثل المستشرقين- بأنه من تأليف محمد (صلى الله عليه وسلم).
أما أن يكون القرآن كتاب هداية للشأن العام في السياسة والاقتصاد وعموم مظاهر الحضارة، فهذا غير مقبول عندهم ألبتة!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *