حوار مع الدكتور أحمد أوزي

هناك من يرى أن سبب عدم نجاح الإصلاح التعليمي رغم الجهود الكبيرة التي بذلت خلال إنزال الميثاق الوطني للتربية والتكوين، والمخطط الاستعجالي، وغيرهما من مشاريع الإصلاح، يعود إلى عدم البدء بتكوين الأساتذة الذين سيطبقون مضامين الإصلاح..

 

المدرس بين تحديات اليوم وآفاق المستقبل: رؤية استشرافية

 

باعتباركم خبيرا تربويا كيف تتصورون مدرس اليوم، بالنظر إلى التحديات المعاصرة التي يواجهها؟

إن ملامح القرن الحادي والعشرين ومظاهره الأساسية، تبرز للعيان، فهو عصر جديد مختلف كل الاختلاف عن العصور السابقة التي عرفتها الإنسانية. إنه عصر يتميز بشيوع المعرفة وسرعة انتقالها بأساليب تكنولوجية عديدة، إلى مختلف مناطق العالم. وهو مجتمع يثمن المعرفة ويعتبرها السلاح الأقوى للانخراط في هذا المجتمع الجديد، الذي غدا اقتصاده الأساسي، هو اقتصاد المعرفة وتدبيرها.

ومن هنا، اتجهت الأنظار إلى التعليم الذي حظي باهتمام كبير، باعتباره من جهة، وسيلة تحقيق التنمية الأساسية، ومن جهة ثانية، غاية في حد ذاته. لذلك يتم تشجيع كل واحد وتمكينه من الاستفادة، قدر الإمكان، من فرص التعليم المتاحة له مدى الحياة. وهذا ما يضع على عاتق الأساتذة مسؤولية كبرى يُنتظر منهم القيام بها.

ولما كان عصرنا هو عصر العولمة ومجتمع المعرفة، فإن المدرس تضاعفت أدواره التربوية، فلم يعد دوره ينحصر في إعداد المتعلمين علميا ومعرفيا وأخلاقيا للاندماج في مجتمعهم فحسب، وإنما ينبغي أيضا أن يكونهم على أخلاق وقيم إنسانية كلية، أمام قصر المسافات بين الدول، وكثرة الهجرات إلى دول مختلفة، مما يلزم تعلم العيش مع الآخرين وقبولهم والتعاون معهم.

فدور المدرس في عالم اليوم دور حاسم في عملية تعزيز التفاهم والتسامح. ولم يكن هذا الدور واضحا كوضوحه اليوم. ومن المرجح أن يكون أكثر أهمية في العقود المقبلة، حيث تشتد الحاجة إلى الانتقال من النظرة الوطنية إلى العالمية الموسعة، ومن التحيز العرقي والثقافي، إلى التسامح والتفاهم وقبول التعددية. وهذا ما يحتم على المدرسة والمدرسين اليوم تغيير ثقافتهم التقليدية، تلك الثقافة التي تشيع الخوف لدى المتعلمين من ارتكاب الخطأ، وهو ما يعرضهم لنوع من الخصاء الفكري، الذي يعوق روح المبادرة والتجديد والتطوير. فجواز الخطأ طبيعة التعلم.

إن أستاذ اليوم يختلف عن أستاذ الأمس. فهو مطالب بمساعدة المتعلمين على تحرير طاقة الخيال والإبداع وتدبير المشكلات المعقدة، باعتبار هذه الكفايات التحدي الرئيس للقرن الحادي والعشرين. أما دور أستاذ الأمس فقد كان دورا محددا، يهدف إلى جعل المتعلمين يستقبلون المعلومات ويختزنونها، من أجل الحصول على شهادة تضمن كفاياتهم، وتمنحهم فرصة الولوج إلى الحياة الاجتماعية. ومن هنا، يتوجب على مدرس اليوم أن يتوقف عن العزف المنفرد، وأن يكون مالك المعرفة وموزعها.

إن محور العملية التعليمية اليوم ليس هو المدرس، وإنما هو المتعلم الذي ينبغي أن يكون الفاعل في العملية التعليمية. يقوم بتركيب وتجميع وتنظيم المكتسبات التعلمية. فالتلميذ ليس جهازا مستقبلا ومجمعا للمعلومات، أو نظاما ذهنيا سلبيا مستقبلا، بقدر ما هو عنصر فعال يساهم مع شركائه ومع الأدوات الذهنية التي يتوافر عليها، في البناء الفعال للمعارف، والمهارات الضرورية. وهذا ما يجعل معلم اليوم موجها، ومرشدا، ومسهلا للعملية التعليمية، البعيدة عن التلقين والحفظ والتخزين.

ومن الممكن إجمال مختلف الكفايات التي ينبغي أن تتوافر في مدرس اليوم، وذلك في الكفايات الأساسية التي تتعلق في مجملها بتنظيم وتنشيط الوضعيات التعليمية-التعلمية، وتدبير تقدم تعلم التلاميذ، وإدراك الفروق الفردية بينهم، ومراعاة أساليب تعلمهم، وتنشيط العمل بالمجموعات، وإشراك التلاميذ باستمرار في عمليات التعلم، لبناء تعلماتهم وجعل تعلمهم تعلما فعالا، واستخدام التكنولوجيا الحديثة في الأنشطة التعليمية-التعلمية، والقيام بالتدبير الخاص بتكوينه المهني المستمر.

هل نال الأستاذ فعلا مكانته اللائقة به داخل المنظومة التربوية؟

من غير شك، أن المدرس يعتبر العنصر المركزي والفعال في العملية التعليمية، فهو مفتاح نجاحها أو فشلها، إذ موقعه في العملية التعليمية يجعل منه فاعلا تربويا بامتياز. إنه وسيلة تحقيق النوايا والأهداف المسطرة، وبيده يتحقق التجديد والابتكار، وهو الذي يزود المتعلمين بالبوصلة، التي تمكنهم من الإبحار في خريطة عالم معقد، ودائم الاضطراب، حوكم عليهم بالعيش فيه.

والمدرس هو الذي  يمتلك زمام القيادة في صناعة الجيل الذي يتميز بمهارات الحياة، في فن التواصل والإبداع والابتكار، وهو المسؤول عن العالم الذي نتركه لأطفالنا. فعالم المستقبل رهين بنوع الأطفال الذين نعدهم اليوم.

ومن هنا، فإن المدرس يشكل في الواقع مدخل كل إصلاح تربوي وتعليمي مرتقب. ولا يمكن لأي إصلاح أن ينجح ما لم يتم الاعتناء بالمدرسين، وإبلائهم المكانة اللائقة في المنظومة التربوية.

وجودة التعليم الذي يعتبر تحديا كبيرا للنظام التعليمي في مجتمعنا، لا يمكن التغلب عليه وكسب رهانه، ما لم يتم تطوير مكانة المدرسين، بما يشمل كفاياتهم، وشروط عملهم، وتكوينهم، وتدريبهم على أعلى مستوى.

إن مؤشرات العديد من التقارير الدولية تشير إلى أن نسبة كبيرة من المدرسين تشكو من ضعف في المستوى الأكاديمي والمهني مما يجعلها غير قادرة على تحقيق أدوارها. كما تبين تلك التقارير، غياب أو قصور التكوين الذاتي لديهم.

إن جميع المهن يتم تطويرها في عالم اليوم خلال جهود الأفراد المنتسبين إليها. وهناك من يرى أن سبب عدم نجاح الإصلاح التعليمي رغم الجهود الكبيرة التي بذلت خلال إنزال الميثاق الوطني للتربية والتكوين، والمخطط الاستعجالي، وغيرهما من مشاريع الإصلاح، يعود إلى عدم البدء بتكوين الأساتذة الذين سيطبقون مضامين الإصلاح.

إننا لا نستطيع أن نرتفع بمستوى تعليم المتعلمين بأكثر من مستوى مدرسيهم. لذلك لا بد أن يكون المدرس الذي ننشده لقيادة التغيير في مجتمعنا، مؤمنا بالتغيير، وقادرا على إدارته والتحكم فيه، ومتمكنا من استخدام التقانة في مجال التعليم، ومفكرا ومحللا وناقدا، ومهنيا متمرسا بالطرائق البيداغوجية الفعالة. ومن هنا، يتوجب أن يحتل تكوين الأساتذة مكانة هامة في منظومة التربية والتكوين، بحيث يتم الاهتمام بالتكوين الأساسي والتكوين المستمر، فهو رافعة أساسية لكل تجديد تربوي يروم مواكبة المستجدات البيداغوجية والديداكتيكية، في أفق الإصلاح التربوي المنشود للمنظومة التربوية والتعليمية.

جاء في تقرير البنك الدولي الذي يحمل عنوان “المغرب في أفق 2040” أنه “لا يمكن لأي نظام تعليمي أن يحقق أداء جيدا، ما لم يتم ذلك، عن طريق المدرسين. لهذا فإن تحسين نوعية التعليم، يقتضي إحداث قطيعة مع النظام الحالي في توظيف المدرسين، والعمل على اجتذاب المترشحين المتحمسين الأكفاء، الذين يمتلكون إمكانات واستعدادات قوية لمهنة التعليم، لتدريبهم وتنمية قدراتهم.

إن تغيير أعضاء هيأة التدريس يشكل فرصة لا ينبغي التغاضي عنها، في السنوات القادمة، من أجل توظيفهم حسب توافر الكفايات والدافعية إلى المهنة”.

إن التكوين الدائم والمستمر للمدرسين، ينبغي أن ينال حظا كبيرا في منظومة التربية والتكوين، وأن يشكل قاعدة أساسية، لا ينبغي التغاضي عنها، بسبب التغيير والتجديد والتطوير الذي يطال كل شيء في عالم اليوم. وبدون التكوين المستمر للأساتذة أكاديميا ومهنيا، فإنهم يفقدون لمعانهم ويصبح تعليمهم تعليما عتيقا لا يفي بأهداف المتعلمين في عالم الثورة الرقمية، ولا يمنحهم الكفايات المطلوبة في عصرهم.

فالتكوين المستمر ينبغي أن يندرج ضمن الاتجاهات الرامية إلى الابتكار والتجديد والإصلاح التربوي والتعليمي، وإدماج تكنولوجيا الإعلام والاتصال، لتكون في خدمة التربية والتكوين. كما أن طبيعة التغيير الذي يطال العصر الذي نعيشه يقتضي تغيير برامج تكوين الأساتذة وتحديثها باستمرار، وذلك بالنظر إلى  التغيير السريع الذي يجعل عالم التربية عالما ديناميا ومتجددا.

إننا كثيرا ما نهتم بالمواد التعليمية وبالمتعلمين وننسى أو نتغاضى التفكير في المدرسين الذين يشكلون الركيزة الأساسية في منظومة التعليم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *