سلسلة التوحيد عند الصوفية: فتح العلي بتوضيح معنى الولي ‎ المتصوفة وعقيدتهم في الجنة والنار أبو محمد عادل خزرون التطواني

إنّ من حقّ الله تعالى على عباده توحيده وإخلاص العبادة له سبحانه؛ كما هو معلوم في كتابه العزيز وسنة نبيه المصطفى الأمين، فقد أمر سبحانه عباده أن يدعوه ويعبدوه خوفًا من ناره وعذابه، وطمعًا في جنّته ونعيمه، قال تعالى في سورة الأعراف: ﴿وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا﴾ 1.
والخوف والرغبة من أنواع العبادة المقرِّبة إليه سبحانه، إذ الخوف من الله يحمل العبدَ على الابتعاد عن المعاصي والنواهي، والطمع في جنّته يحفّزه على العمل الصالح وكلِّ ما يرضي اللهَ تعالى، لذلك امتدح اللهُ أنبياءَه في سورة الأنبياء بقوله: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾2 ، أي راغبين في جنّته، وخائفين من عذابه، وقد قال الله تعالى في سورة الحجر: ﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الغَفُورُ الرَّحِيمُ، وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ العَذَابُ الأَلِيمُ﴾3 ، وقال تعالى في سورة الأنعام وهو يخاطب رسولَه الكريم: ﴿قُلْ ِإنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ﴾4 .
فقد خلق سبحانه الجنة لمن أطاعه من خلقه وعبده وحده، وخلق النار لمن غوى وطغى وعصى أوامره، فرغبهم في الطاعة بالجنة، وأرهبهم عن المعصية بالنار، فقال تعالى: ﴿سَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ﴾5. وقال تعالى: ﴿وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ﴾6 . وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾ 7.
وذكر عز وجل أهل الفوز من أهل الخسران بقوله: ﴿فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾ 8.
فإن أهل السعادة من رغبوا في جنته ورهبوا من النار فأطاعوه وأطاعوا رسله، وآمنوا بما أنزل إليهم من ربهم، وعملوا بما أمروا فدخلوا الجنة.
وأهل الشقاء من لم يرغب في الجنة ولم يرهب من النار، فعصوا الله ورسله وكفروا بما أنزل إليهم من ربهم .قال تعالى: ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُواْ فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ، خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ، وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ 9.
ووصف المؤمنين بأنهم يدعون ربهم طلبا جنته ورغبة فيها ويستغفرون من النار رهبة منها، قال تعالى: ﴿وِمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾ 10. وبين أحوالهم بأنهم لا يستريحون خوفا من عذابه وطمعا في ثوابه، قال تعالى: ﴿تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً﴾ 11. وقال تعالى: ﴿وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ﴾12 . والآيات في هذه المعاني كثيرة جداً.
ومثلها الأحاديث النبوية الشريفة، فرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أحب الخلائق إلى الله وأحبهم لله، الذي قال سبحانه وتعالى في شأنه صلى الله عليه وسلم : ﴿لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ﴾13 ، كان أكثر الناس سؤالاً لجنته واستعاذة من النار، فكان صلى الله عليه وسلم يقول: “اللهم إني أسألك الجنة وما يقرب إليها من قول أو عمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل”14 . وروى الشيخان أنه كان يقول: “اللهم إني أعوذ بك من عذاب النار وفتنة النار” 15.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “لما نزلت ﴿وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ﴾ دعا النبي صلى الله عليه وسلم قريشا فاجتمعوا، فعم وخص، فقال: “يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار. يا بني مرة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار، يا بني عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار. يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار. يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار. يا بني عبدالمطلب أنقذوا أنفسكم من النار، يا فاطمة أنقذي نفسك من النار، فإني لا أملك لكم من الله شيئاً غير أن لكم رحماً سأبلها ببلاها” 16.
فهذا هو منطوق القرآن والسنة.
وأما المتصوفة فلايرون الأمر كذلك، فلا الدنيا عندهم ولا الآخرة، ولا الخوف ولا الطمع، ولا الجنة ولا النار، خالفوا بخزعبلاتهم وخرافاتهم النصوص الصريحة من القرآن والسُّنَّة وما أجمعت عليه الأُمَّة في دعوتهم، معتقدين أن طلب الجنة كفر وشرك والفرار من النار انتقاص لهم ومهانة.
فالله يعبد لذاته، وأن العبادة الحقة هي ما كانت دون طلب العوض من الله وأن يشهد فيها فعل الله لا فعل العبد، وأن من شاهد فعله في الطاعة فقد جحد.
وأن طلب الجنة منقصة عظيمة وأنه لا يجوز للولي أن يسعى إليها ولا أن يطلبها ومن طلبها فهو ناقص، وإنما الطلب عندهم والرغبة في الفناء والاندماج في الذات الإلهية، والاطلاع على الغيب والتعريف في الكون.. هذه جنة الصوفي المزعومة. وأما النار فإن الصوفية يعتقدون أيضا أن الفرار منها لا يليق بالصوفي الكامل لأن الخوف منها طبع العبيد وليس الأحرار.
قال الإمام السيوطي رحمه الله تعالى: (القيامُ بالأوامر والنواهي لله وحده، لا لجلب ثواب ولا لدفع عقاب، وهذا حال من عبدَ الله لله، خلافُ من عبدَ الله للثواب وخوف العقاب، فإنما عَبَدَ لِحَظِّ نفسه، وإن كان هو محباً أيضاً، لكنه في درجة الأبرار، وذاك في درجة المقربين) .17
يقول الكلاباذي في بيان المعنى الحق للعبادة، وأنها لا تجوز في حق الصوفي أن تكون عن عوض، قال: “العوض ما لله عليك في العمل في قوله: ﴿إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم﴾” 18، ولم يكمل الآية ثم قال: “لتعبدوه بالرق لا بالطمع”19 ، فرؤية الجنة عندهم معصية، وطلبها نقص في حق العابد.
ولذلك قال: “دخل جماعة على رابعة يعودونها من شكوى، فقالوا: ما حالك؟ قالت: والله ما أعرف لعلتي سبباً، غير أني عرضت على الجنة (هكذا) فملت بقلبي إليها، فأحسب أن مولاي غار علي، فعاتبني فله العتبى” 20.
ومعنى هذا أن مجرد ميل القلب إلى الجنة يعتبره المتصوفة ذنباً يعاقبون عليه.
وفي سبيل هذه العقيدة حول المتصوفة معاني الآيات والأحاديث إلى ما يريدون إثباته من ذلك.
وهذا ما سنعرض له بحول الله تعالى وقوته في الحلقة القادمة.
———————————
1- ـ الأعراف:56.
2- ـ الأنبياء:90.
3- ـ الحجر:49، 50.
4- ـ الأنعام:15.
ـ آل عمران الآية: 133-5
ـ آل عمران:133-6.
ـ التحريم6-7.
ـ آلعمران:185-8
ـ هود:108-106-9 .
ـ البقرة:201-10.
ـ السجدة:16-11.
ـ الإسراء:57-12.
ـ الفتح:2-13.
ـ أخرجه ابن ماجة وصححه ابن حبان والحاكم وصححه الشيخ الألباني في صحيح الجامع:1276-14.
15-ـ متفق عليه.
ـ رواه مسلم:204-16.
ـ تأييد الحقيقة العلية للإمام السيوطي ص:61-17.
ـ التوبة:-111-18.
ـ التعرف لمذهب أهل التصوف ص:141-19.
ـ التعرف لمذهب أهل التصوف ص:155-20.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *