يحلو للعلمانيين أن يستشهدوا بنصوص شرعية من الكتاب والسنة ليحاجوا بها المخالف من الإسلاميين، ظنا منهم أنهم سيُفحمونهم ويُلزمونهم الحجة.
ومن تلكم النصوص التي يحتجون بها، قول الله تعالى: “فمن شاء فليومن ومن شاء فليكفر”، وقوله جل وعلا: “لا إكراه في الدين”.
فهل هذه النصوص ومثيلاتها تفيد ما يدَعيه هؤلاء المبطلون؟ الجواب: لا، بل هي حجة عليهم لا لهم، إن كانوا يعقلون .
العقل يقضي بأن الإنسان لا يمكن أبدا أن يكون حرا في الاعتقاد؛ لأن الاعتقاد بشيء أو في شيء إثباتا أو نفيا، مبني على ما يتوفر من حجج ودلائل وبراهين تطرق العقل فيخضع ويستسلم ويقر ويعتقد .
القول بـ”حرية الاعتقاد” يُعد من الثوابت المقررة عند العلمانيين، فهم لا يسأمون من ترديده بمناسبة وبغير مناسبة في كل محافلهم ومجامعهم، ويكررونه في صحفهم وجرائدهم، عملا بقاعدة: “الشيء إذا تكرر تقرر”. فهم يريدون ترسيخ هذا القول وما يقتضيه وتثبيته بين المسلمين وأن يجعلوه من المسلَمات التي لا يصح مناقشتها ولا الجدال فيها بله ردها .
مرادهم بحرية الاعتقاد:
ومرادهم بحرية الاعتقاد هو: ضمان الحرية المطلقة للمسلم أن يترك دينه ويرتد عنه متى سولت له نفسه وزين له شيطانه وأن يعتنق أي دين آخر بلا نكير من أحد، وضمان الحرية المطلقة لكل صاحب فسق أن يجهر بفسقه وفجوره، وأن يدعو إليه ويناضل من أجل إقراره في بلد مسلم، ضدا على شريعته وقانونه وأعرافه، بدعوى أن ذلك يدخل في مسمى “الحرية الفردية”، وللآخرين أن يروه كما شاءوا من غير أن يكون لهم حق الاعتراض والإنكار.
وذلك مثل دعوتهم إلى إقرار الزنا والشذوذ الجنسي والتعري ومطالبتهم بتمتيعهم بحرية الإفطار العلني في نهار رمضان…الخ .
ولا يدخل في مسمى “حرية العقيدة” عندهم أن يعتز المسلم بدينه ولا أن يجهر بمقتضيات عقيدة التوحيد، ولا أن يمتثل لأحكام دينه وتعاليمه، بله أن يدعو إليها أو يطالب بتحكيم شرع الله تعالى في كل مناحي الحياة، ولا أن يعارض مهرجانات العري والخمور… إلخ.
فهذا عندهم يعد تطرفا وإرهابا ووهابية وداعشية وعملا على أسلمة الدولة، وتخلفا ورجعية ومخالفة للدمقراطية وللمواثيق الدولية ومقررات حقوق الإنسان الكونية .
وهذا ليس بجديد ولا بخافٍ؛ فمعروف أن لفظ “الإنسان” في أدبيات العلمانيين يُعتبر من اللفظ العام الذي يراد به الخاص؛ أي يُطلق ويراد به الإنسان الملحد واللاديني والعلماني، فيكون المعنى: حقوق الأنسان المعادي للإسلام.
على كل حال، نتجاوز هذا الأمر ونعود إلى مقولتهم: “حرية العقيدة”. هل هذه المقولة تقوم على أساس صحيح من شرع أو عقل؟ وهل هي مقبولة في ميزان الشرع والعقل؟
أولا: “حرية العقيدة” في ميزان الشرع
يحلو للعلمانيين أن يستشهدوا بنصوص شرعية من الكتاب والسنة ليحاجوا بها المخالف من الإسلاميين، ظنا منهم أنهم سيُفحمونهم ويُلزمونهم الحجة.
ومن تلكم النصوص التي يحتجون بها، قول الله تعالى: “فمن شاء فليومن ومن شاء فليكفر”، وقوله جل وعلا: “لا إكراه في الدين”.
فهل هذه النصوص ومثيلاتها تفيد ما يدَعيه هؤلاء المبطلون؟ الجواب: لا، بل هي حجة عليهم لا لهم، إن كانوا يعقلون .
فأما استشهادهم بقوله تعالى: “فمن شاء فليومن ومن شاء فليكفر”، فهو استشهاد مبتور على طريقة: “ويل للمصلين”، وعلى طريقة بعض التجار وأصحاب الحرف الذين يتخذون العبارات القرآنية والحديثية شعارات يكتبونها على محلاتهم لجلب الزبائن وللترويج لبضائعهم وخدماتهم. وهم يكتبون تلك العبارات مبتورة ومنزوعة من سياقها ويختارون منها ما يظنون أنه يوافق نوع الخدمة أو السلعة المعروضة، كصاحب الحلاقة يكتب على دكانه قول النبي صلى الله عليه وسلم: “غفر الله للمحلقين”، وكبائع الفواكه، يكتب على باب دكانه: “وفاكهة مما يتخيرون”…إلخ.
فاستشهاد العلمانيين بالنصوص الشرعية لا يمت بصلة إلى المنهج العلمي، وإنما هو استشهاد على وفق قواعد المنهج الإشهاري الاسترزاقي.
فهم يجتزئون النصوص الشرعية ويتخيرون منها ما يظنون أنه يوافق أهواءهم، فيذكرون قوله تعالى: “فمن شاء فليومن ومن شاء فليكفر”، ولا يُتمون الآية.
فلنقرأ الآية بتمامها. قال تعالى: “وقل الحقَ من ربكم فمن شاء فليومن ومن شاء فليكفر، إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سُرادقها وإن يستغيثوا يُغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه، بيس الشرابُ وساءت مرتفقا” الكهف:29.
فلماذا لا يذكرون الآية ويسوقونها كاملة كما هي؟ الجواب هو أنهم لو فعلوا لظهر بطلان استدلاهم بها، وهو باطل .
فإن هذه الآية الكريمة لا تفيد المساواة بين الإيمان والكفر، ولا بين الإسلام والأديان الكفرية، ولا تقر للإنسان أن يترك الإسلام ويتبع ما شاء من أديان وملل. إنما هي تقرر أصلا عظيما مفاده أنه ليس للإنسان أن يعتنق ويتبع إلا الدين الحق وهو دين الإسلام، كما قال جل وعلا: “إن الدين عند الله الإسلام” آل عمران19، وقال سبحانه: “ومن يبتغ غير الاسلام دينا فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين” آل عمران85.
فقول الله تعالى: “فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ” لا يُستدل به على حرية الكفر، بل على العكس من ذلك هو وعيد لمن يكفر بدين الله تعالى ويبتغي دينا غيره، قال ابن كثير رحمه الله: “هذا من باب التهديد والوعيد الشديد…” تفسير القرآن العظيم5/93.
فكل من يسوي بين دين الله تعالى الذي هو الإسلام وبين الأديان الأخرى المحرفة والباطلة، ويرى أن الإنسان حرّ في أن يترك الدين الحق الذي قام الدليل على أنه حق، ويعتنق أي دين آخر سواه من الأديان التي قام الدليل على أنها باطلة، فهو ليس حرا كما يزعم العلمانيون، بل هو في ميزان الشرع ظالم، يشمله الوعيد الشديد:” إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها”.
وأما استشهادهم بقوله تعالى: “لا إكراه في الدين”، فهو أيضا حجة عليهم لا لهم، كما سيتبين في العنصر اللاحق: “حرية العقيدة في ميزان العقل”.
ثانيا: حرية العقيدة في ميزان العقل
إن العقل يقضي بأن الإنسان لا يمكن أبدا أن يكون حرا في الاعتقاد؛ لأن الاعتقاد بشيء أو في شيء إثباتا أو نفيا، مبني على ما يتوفر من حجج ودلائل وبراهين تطرق العقل فيخضع ويستسلم ويقر ويعتقد .
فالاعتقاد في حقيقته إنما هو انفعال قسري. قال الدكتور البوطي رحمه الله: “والاعتقاد انفعالٌ قسري وليس فعلا اختياريا. فإن وجد العقلُ أمامه ما يحمله على الانفعال واليقين بأمر ما، اصطبغ بذلك اليقين لا محالة، دون أن يكون له في ذلك أي اختيار. وإن لم يجد أمامه ما يحمله على ذلك الانفعال واليقين، لم يجد بدا من الوقوف عند درجة الريبة أو الظن، دون أن يكون له أيضا في ذلك أي إرادة أو اختيار. فإن أجبرت العقل مع ذلك بالجزم واليقين دون أن تتوافر أمامه موجبات الجزم، فقد حمَّلت العقل ما لا يطيق .
ودين الله مبرأ من ذلك، -قال-: “ومن هنا كان التكليف الإلهي متجها إلى توجيه الفكر وإعماله في أدلة الاعتقاد، إذ هو الشيء الذي يتمكن الإنسانُ من عمله، ولم يكن متجها إلى الاعتقاد مباشرة؛ فإنه مما لا يدخل في الطوق والاختيار. وإذا تأملت فيما نقول اتضح لك مدى تهافت القول بحرية الاعتقاد، تلك الكلمة الشائعة على ألسنة الكاتبين والباحثين اليوم، والتي يعدونها مطلبا من أهم المطالب الإنسانية في عصر الحرية .
فمن هو هذا الإنسان العاقل الذي يملك أن يكون حرا في اعتقاده؟ وكيف؟ السلفية: مرحلة زمنية مباركة لا مذهب إسلامي، ص66 دار الفكر، 1418هـ 1998.
جحود ومكابرة لا حرية عقيدة :
استنادا إلى ما سبق؛ فإن الاعتقاد الذي هو انفعال قسري، لا يملك فيه الأنسان الحرية والإرادة، فإذا تمحص الحق وتظافرت الأدلة والبراهين والحجج؛ انقاد لها العقل واستسلم تلقائيا، ومن ثم لا تكون للإنسان حرية ليعتقد شيئا آخر مخالفا.
وإنما الذي يملكه هو أن يُظهر خلاف ما يُبطن وخلاف ما يوافق العقل والفطرة وخلاف ما يعتقد، فيُظهر الكفر والشرك، ويُظهر العصيان والتمرد على الله تعالى ومعاداة دينه، لكن في قرارة نفسه يستيقن الحق الذي قام عليه الدليل .
وإنما يسلك هذا المسلك جحودا ومكابرة وعنادا، لا اعتقادا .
والحمد لله فإن دين الإسلام يقوم على الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة والحجج الدامغة التي تُقنع وتٌريح كل من تدبر وتفكر، وتُبهت كل من جحد وتكبر، إنه دين البينة ودين القيمة.
لكن يأبى الجاحدون إلا صدودا، كما قال تعالى في أهل الكتاب والمشركين: “لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّىٰ تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ (1) رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُّطَهَّرَة (2) فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ (3) وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ(4) ” البينة.
وهكذا شأن أهل الكفر والشرك والجحود مهما كانت مللهم ونحلهم ومذاهبهم وأحزابهم، في كل زمان ومكان، يتكبرون على الحق ويرفضونه ويعادونه، وهم يعلمون ويعتقدون أنه الحق ويقرون به باطنا؛ لكن يمنعهم من الإقرار به ظاهرا، الكبرُ والجحودُ والاستعلاءُ والأهواءُ والمنافعُ الدنيوية التي يجنونها عن طريق مذاهبهم الباطلة…الخ.
وقد أخبر الله تعالى بهذا الأمر فقال: “فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ آيَاتُنَا مُبْصِرَةً قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ. وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ” [النمل14].
قال صاحب الظلال رحمه الله: “هذه الآيات الكثيرة العدد الكاشفة عن الحق، حتى ليبصره كل من له عينان. ويصف هذه الآيات نفسها بأنها مبصرة، فهي تُبصر الناس وتقودهم إلى الهدى. ومع هذا فقد قالوا عنها: إنها سحر مبين. قالوا ذلك لا عن اقتناع به، ولا عن شبهة فيه. إنما قالوه (ظلما وعلوا) وقد استيقنت نفُوسهم أنها الحق الذي لا شبهة فيه: (واستيقنتها أنفسهم). قالوا جحودا ومكابرة؛ لأنهم لا يريدون الإيمان، ولا يطلبون البرهان، استعلاء على الحق وظلما له ولأنفسهم بهذا الاستعلاء الذميم .
وكذلك كان كبراء قريش يستقبلون القرآن، ويستيقنون أنه الحق، ولكنهم يجحدونه، ويجحدون دعوة النبي صلى الله عليه وسلم إياهم إلى الله الواحد. ذلك أنهم كانوا يريدون الإبقاء على ديانتهم وعقائدهم، لما وراءها من أوضاع تسندهم، ومغانم تتوافد عليهم. وهي تقوم على تلك العقائد الباطلة، التي يحسون خطر الدعوة الإسلامية عليها، ويحسونها تتزلزل تحت أقدامهم وترتج في ضمائرهم. ومطارق الحق المبين تدمغ الباطل الواهي المريب .
وكذلك الحق لا يجحده الجاحدون لأنهم لا يعرفونه. بل لأنهم يعرفونه يجحدونه وقد استيقنته نفوسهم؛ لأنهم يحسون الخطر فيه على وجودهم، أو الخطر على أوضاعهم، أو الخطر على مصالحهم ومغانمهم، فيقفون في وجهه مكابرين، وهو واضح مبين” في ظلال القرآن5/2630.
لا حرية ولا إكراه في العقيدة:
إذا ثبت أن الإنسان لا يمكن أن يكون حرا في العقيدة لأنها انفعال قسري كما سبق؛ فإنه لا يمكن أيضا أن يكره على العقيدة، فيعتقد ما لم يطرق باب عقله بالدليل والحجة والبرهان .
ودين الإسلام لا يُكره أحدا على الدخول فيه ولا يحتاج إلى ذلك؛ لأنه قائم على الدليل الواضح والبرهان الساطع، قال تعالى: “لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ” [البقرة:256]، قال ابن كثير رحمه الله: “أي: لا تُكرهوا أحدا على الدخول في دين الإسلام فإنه بيَنٌ واضحٌ جليٌ دلائله وبراهينه، لا يحتاج أن يكره أحد على الدخول فيه، بل من هداه الله للإسلام وشرح صدره ونوَر بصيرته دخل فيه على بيَنة، ومن أعمى اللهُ قلبه وختم على سمعه وبصره فإنه لا يفيده الدخول في الدين مُكرها مقسورا” [تفسير القرآن العظيم1/362].
وقال الشيخ السعدي رحمه الله: “يُخبر تعالى أنه لا إكراه في الدين لعدم الحاجة إلى الإكراه عليه؛ لأن الإكراه لا يكون إلا على أمرٍ خفيةٌ أعلامُه، غامضةٌ آثارُه، أو أمرٍ في غاية الكراهة للنفوس، وأما هذا الدين القويم والصراط المستقيم فقد تبينت أعلامُه للعقول، وظهرت طرقُه وتبين أمرُه، وعرف الرشد من الغي، فالموفق إذا نظر أدنى نظر إليه آثره واختاره، وأما من كان سيء القصد فاسد الإرادة، خبيث النفس يرى الحق فيختار عليه الباطل، ويُبصر الحسن فيميل إلى القبيح، فهذا ليس لله حاجة في إكراهه على الدين، لعدم النتيجة والفائدة فيه، والمكره ليس إيمانه صحيحا. ولا تدل الآية الكريمة على ترك قتال الكفار المحاربين، وإنما فيها أن حقيقة الدين من حيث هو موجب لقبوله لكل منصف قصدُهُ اتباع الحق، وأما القتال وعدمه فلم تتعرض له. “تيسير الكريم الرحمن1/166”.
فالأساس هو البيان والحجة والبرهان؛ فإذا تبين الرشد من الغي -وقد تبين والحمد لله لكل عاقل- فهل يستقيم الإكراه، وهل ينفع؟ وهل يملك أحد من الناس أن يُكره غيره على عقيدة؟ قال تعالى: “وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لآمَنَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ” يونس99.
فلا إكراه في الدين .
وكما أنه لا يُتصور الإكراه في الدين، فإنه لا يُتصور أيضا الإكراه على الكفر. فإذا اقتنع المسلم بعقيدة الإسلام واطمأن قلبه بالإيمان، فلا يملك أحدٌ من الخلق إكراهه على تغيير عقيدته. نعم قد يُكرهه ويُرغمه على إظهار ما ينافي معتقده من أقوال وأفعال كفرية، وحينئذ لا يكون لما يُظهر -مكرها- أي اعتبار، ولا يقدح ذلك في إيمانه، كما كان شأن عمار بن ياسر رضي الله عنهما لما أكرهه صناديد قريش على النطق بشيء مما يخالف عقيدة التوحيد ففعل، فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، قال له: “وكيف تجد قلبك يا عمار؟” فقال: “أجده مطمئنا يا رسول الله” فقال: “لا عليك وإن عادوا إلى مثلها؛ فعد إلى مثل ما قلت”، وقد أنزل الله تعالى فيه قوله: “مَن كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَٰكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ” النحل106.
فالحاصل أنه: لا إكراه ولا حرية في العقيدة لا في ميزان النقل ولا في ميزان العقل. ولعل العلمانيين في بلدنا يوقنون أن الإسلام هو دين الحق، وأن الله حق، وأن النبي صلى الله عليه وسلم حق، وأن القرآن والسنة حق، وأنه لا سعادة حقيقية للإنسان في الدنيا والآخرة إلا بالإسلام، ومن لم يوقن فليبحث وليقرأ وليدرس. لكنهم لا يجرؤون ولا يملكون الشجاعة ليعترفوا بالحق؛ لأنهم عبيد أهوائهم وشهواتهم ومطامعهم الدنيوية الفانية وعبيد أسيادهم في الغرب والشرق.
فأجدر بهم -وهم يرفعون شعار الحرية- أن يسعوا في تحرير أنفسهم من هذا
الأسر المقيت وعتق رقابهم وعقولهم من ذل الرق والعبودية؛ فإن الإسلام يريد لنا ولهم ولكل الناس التحرر والانعتاق، لكن يأبى من استساغ الذل إلا أن يعيش ذليلا ويموت ذليلا، فإنا لله وإنا إليه راجعون .