– بيانات الكتاب: أحمد سالم، صورة الإسلاميين على الشاشة، مركز نماء للبحوث والدراسات، الطبعة الأولى، 1435هـ، 270 صفحة.
– معرف المؤلف بتويتر: @AbuFhrElsalafy
– البريد الإلكتروني للمؤلف: abu.fhr@hotmail.com
الحمد لله وبعد،
يتحدث بعض مؤرخي الأفكار عن دور الإعلام والسينما في الدعاية السياسية ضد الاتجاهات الإسلامية بأساليب غير مباشرة، لكنك لا تكاد تجد دراسة مبرهنة مفصلة على ذلك، وهذا ما أرادت هذه الدراسة الصادرة حديثاً إنجازه، وهي لمؤلفها متعدد التخصصات أحمد سالم.
وحول مدى الدائرة الإسلامية التي يستهدفها هذا التنميط الإعلامي يذهب المؤلف إلى أنه عمل لا يقتصر على مستوى ديني دون آخر، بل يفتح نار التنميط على كامل الاتجاه الإسلامي الرافض للعلمنة الفكرية والتبعية السياسية، أي كل من يرفض الاستعمار الثقافي والاستعمار السياسي، أو يرفض أحدهما ويقبل الآخر.
والحقيقة أن جذر المشكلة في قوة تأثير السينما هو نمط التعامل غير المحترس معها باعتبارها مجرد لون من الترفيه، دون مراقبة للأفكار التي تحقنها بعقل المشاهد، وينقل المؤلف عن بعض المتخصصين شدة تأثير السينما بسبب جمعها بين الصور المتحركة والأصوات الناطقة والمؤثرات الموسيقية، وأنه من المحتمل أن تكون لاحقاً الوسيلة الوحيدة للتأثير في العالم! كما ينقل المؤلف عن ريتشارد دريفوس قوله: (هناك فنّانون سينمائيون أثّروا فيّ أكثر من أي كتاب مقرر، أو معلم، أو حتى الكثير مما علمه لي أبي وأمي).
وذكر المؤلف أنه في اختياره لعينة الأفلام محل الفحص راعى فيها شهرة هذه الأفلام وتداولها الجماهيري لتكون ممثلاً نموذجياً وعينة دالّة، ويبتعد عن ثغرة الاختزال والأمثلة الاستثنائية.
كما شرح المؤلف في الفصل الأول العلائق المضمرة بين تغطية الإسلاميين على الشاشة وبين المفاهيم الصراعية السياسية والحضارية في الفكر الغربي.
ومن أجل فحص عينة دالّة من المواد السينمائية فإن الباحث يحتاج إلى عدة مفهومية وأدوات منهجية للفحص، وقد شرح الباحث في الفصل الثاني حزمة من الأدوات التي استعملها كالمنهج الوصفي وسيميولوجيا السينما وتحليل الخطاب، وأشار إلى أنه يوظفها بطريقة تخصيبية بما ينسجم مع موضوعه واحتياجاته ولا يلتزم فيها بكامل شروطها الفنية التقنية، وهذا الفصل فصل تنظيري غني يطور إمكانيات القارئ في تأويل المشهد الإعلامي الفني، وأشار فيه المؤلف إلى مفاهيم الصورة النمطية ونظرية دوامة الصمت ومفهوم الفيلم كنص ونظريات علائق السلطة بالمعرفة وغيرها، وناقش المؤلف ظواهر أشد تعقيداً، ومنها: كيف يكون كاتب النص السينمائي هو ذاته ضحية تزييف وعي مسبق؟ وتفسير ذلك.
وأما (السينما الأمريكية) التي خصص لها الباحث الفصل الثالث فقد اختار مجموعة أفلام أنتجت كلها بعد أحداث سبتمبر، ونقل المؤلف عن مجلة “فاريتي” خبر اجتماع مسؤولين من البيت الأبيض بتنفيذيين في هوليود لتجنيد الإعلام في التحديات السياسية الجديدة لإدارة بوش.
والأفلام الأمريكية الثلاثة التي حللها الباحث تفصيلياً هي: فيلم “المملكة” (The Kingdom) وفيلم “كتلة أكاذيب” (Body of Lies) وفيلم “الناجي الوحيد” (Lone Survivor).
كما أشار في هذا الفصل إلى مقارنات وموازنات بأفلام أخرى مثل: فيلم “التسليم” (Rendition) وفيلم “اللامعقول” (Unthinkable) وفيلم “سريانا” (Syriana) وفيلم “منقح” (Redacted) وفيلم “عين النسر” (Eagle Eye) ونحوها.
وأشار الباحث إلى نمط عرض هذه الأفلام لصورة الإسلامي والوهابية والجهاد والعمليات الاستشهادية والحور العين واللحية والخليجي والمرأة الخليجية والأجهزة الأمنية المحلية، وصولاً إلى وحدات محلية صغيرة كتصوير الفيلم الأمريكي لحي السويدي بالرياض!
وفي مقابل ذلك كيف تعرض الأفلام الأمريكية الصورة الوردية للجندي الأمريكي، أو إظهار النقد بدهاء عبر تصوير الخطأ باعتباره خطأ فرديا شاذا عن قيم الجندية الأمريكية المثالية، وإظهار الجندي الأمريكي في صورة البطل الذي لا يقهر، ويقارن المؤلف بإشارات عابرة صورة المثاليات الأمريكية بالوقائع الدموية المروعة التي ارتكب فظائعها الجنود الأمريكان كتراجيديا عبير الجنابي رحمها الله، أو أهوال تعذيب السجناء على يدي المحققين الأمريكان.
وجعل المؤلف المبحث الرابع في هذا الفصل لمناقشة الحجة التي تقول إن (الأفلام الأمريكية متنوعة وفيها ما ينتقد السياسة الأمريكية).
وبعد أن انتهى المؤلف من تحليل (السينما الأمريكية) في الفصل الثالث، انتقل المؤلف إلى الفصل الرابع وهو عن (السينما المصرية)، وأول ملمح كثف المؤلف الضوء عليه هو أن هناك فارقاً صارخاً بين السينما الأمريكية التي تعرض الرسائل بطريقة (الحقن غير المباشر) والسينما المصرية التي تعرضها بطريقة مكشوفة فجة معدومة الرمزية والإيحاء، وبمسحة من السذاجة الفنية، ولكن المؤلف نقل معلومة مثيرة للدهشة، حيث يقول المؤلف (أشار الممثل المصري/الأمريكي سيد بدرية إلى أن صانعي السينما الأمريكية قد أخذوا صورة الإرهابي المسلم من أفلام عادل إمام) وإن كان المؤلف لا يجزم بدقتها.
ويذكر المؤلف أنه قبل انتصاف التسعينات ظهر عملان فنيان في مصر هما أهم الأعمال المؤثرة في هذه البيئة، وهما: فيلم الإرهابي (1994م)، ومسلسل العائلة (1994م). ثم قام المؤلف بتحليل مضامينهما التشويهية للاتجاه الإسلامي والمفاهيم الشرعية، وحلل تفصيلاً أيضاً فيلم (طيور الظلام)، كما قارن المؤلف ووازن بأفلام أخرى مثل: فيلم عمارة يعقوبيان، وفيلم دم الغزال، وفيلم الإرهاب والكباب، ومسلسل الداعية، وفيلم الثلاثة يشتغلونها. ويذكر المؤلف أن السينما المصرية تركّز على فكرة الشبق الجنسي لدى المتدين، وتوحي دوماً أن الفقر والفشل هو سبب الانضمام للجماعات الدينية، ويقارن المؤلف هذه الفكرة الثانية بالأطروحة البحثية التي تؤكد انتماء شباب الحركات الإسلامية إلى الطبقة الوسطى اجتماعياً!
وينقل المؤلف في هذا الفصل تجربة شخصية له حين تم التحقيق معه سابقاً في مباحث أمن الدولة كإجراء روتيني في تلك المرحلة، وهي تجربة لافتة تكشف نمط تفكير العقلية الأمنية تجاه الحركات الإسلامية، حيث يقول المؤلف أنه سأل الضابط المحقق: لماذا اعتقلتم جاري الذي ينتمي للتبليغ برغم أن التبليغ لا يهدد أي نظام سياسي؟ فقال الضابط (كلكم قريبين من بعض، التبليغ بيقوّموا الواد من على القهوة، والسلفيين بيعلّموه، والجهاديين بيسفّروه)!
ثم حاول المؤلف في الفصل الأخير الذي سماه (اللبن المغشوش؟) أن يجيب على سؤال: ما هو النموذج الديني الذي تريده القوى المحركة واللاعبون الكبار؟ وانتقد المؤلف الإجابات الشائعة، حيث يرى أن الصيغة المقبولة لهم فقط هو من يتنازل عن الأصول الدينية ويتنازل عن الاستقلال السياسي، بشرطين: أن يكون التنازل عنهما كليهما، وأن يكون عن «قناعة» وليس براغماتية سياسية، ثم أسس على رأيه هذا تفسير سبب تفاوت المواقف الغربية تجاه الحراك السياسي في العالم العربي والإسلامي.
والحقيقة أن المؤلف من الشخصيات الفريدة في تنوع التخصصات، ولو طالع القارئ كتابه التاريخي (اختلاف الإسلاميين)، وسلسلة أبحاثه حول لبرلة الإسلام (خارطة التنوير، المشروعية السياسية، الجريمة والعقوبة)، وكتابه التأصيلي (السبل المرضية لطلب العلوم الشرعية)، وأبحاثه الأصولية والعقدية المتناثرة في ملتقى أهل الحديث، لشرق بالوجوم من هذه القدرة على التأليف المبدع في تخصصات متفارقة.
وهذا الكتاب، وهذه المراجعة، غرضها الأساس رصد المكر الكبار الذي قال الله عنه (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا) [الأنعام:123] وقال سبحانه عنه أيضاً (وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ) [إبراهيم:46] وقال سبحانه عنه: (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) [سبأ:33].
وليس الغرض من هذا الكتاب، ولا هذه المراجعة، تطبيع مشاهدة هذه القاذورات السينمائية، بل أوصي أخي الذي سلمه مولاه من البلوى بمثل هذا النتن الفني أن يستمر في صيانة نفسه، ويتذكر قول الله (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) [النور:30] وقول الله (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ) [لقمان:6]، والحياة قصيرة، ولقاء الله قريب، والأمر لا يستحق المغامرة.
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه.