النفاق… في عصر الانتخابات ذ. طارق الحمودي

قال الله تعالى: “وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا ۖ وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ”.
يثير فضولك الاهتمام القرآني الظاهر ببيان حقيقة النفاق وطبيعته، وصفات المنتسبين إليه وخصائصهم في الفكر والممارسة، ولست أشك في أن هذا الاهتمام له دلالات ثقافية وسياسية عميقة ينبغي الانتباه إليها واستنباطها من مجموع الآيات المتعلقة بـ”الفكر النفاقي” في العالم الإسلامي.
فكر له معالمه التي يتبدى بها في ممارسات ظاهرة وأخرى خفية، تبدأ بسرية الدعوة إلى الكفر، مرورا بمس أمن وأمان وإيمان المجتمعات، انتهاء برفع السيف في وجه الدولة كلها ثورة وانقلابا على الثوابت والمقومات الأساس.
تبين الآية أن في كل بلد إسلامي ينتمي في هويته إلى الوحي الرباني طائفة من أكابر المجرمين الذين يمارسون المكر بالأمة ومقدراتها وهويتها، مستخفين متسترين ما أمكنهم، بين مراحل الستر ومراحل الظهور والقيام على الأمة، ومع هذا، أكدت الآية على أن مكر هذه الطائفة ينقلب كونا عليها دون أن يشعر المنتسبون إليها، وهذا يدل على أن الفكر النفاقي يمتاز بالضعف النفسي وغياب الوعي الصحيح، وربما كان هذا هو السبب في انقلاب المكر عليهم.
يحرص الفكر النفاقي على البُدُوِّ في السوق الثقافية في صورة فكر إصلاحي يحترم الهوية والتاريخ والذات الثقافية للمجتمع المسلم، لكن القرآن يعلنها واضحة فاضحة، فالفكر النفاقي فكر ماكر مستهزئ مخادع، يظهر المنتمون إليه الإيمان بالله واليوم والآخر وما هم بمومنين، يخادعون الله والذين آمنوا وما يخادعون إلا أنفسهم وما يشعرون، ويصل بهم الأمر إلى الحلف بأنهم من المؤمنين والمواطنين الصالحين، وما هم منهم، ولكنهم طائفة يخشون ظهور حقيقة أمرهم، ولذلك يخفون في أنفسهم ما لا يبدون للناس فلا يظهرونه إلا لشياطينهم، ويظهرون من القول ما يعجب الناس في الحياة الدنيا، فإنهم يجتهدون في إظهار قصد الإحسان والإصلاح، وإن هم إلا المفسدون ، فإذا برزوا من عند أهل الإيمان بيتوا غير الذي يظهرون.
يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم. إذ أنهم إن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا، وإن رأوا سبيل الغي يتخذوه سبيلا، ويصدون عن دين الله ومسالك الإصلاح صدودا، وإن يهلكون إلا أنفسهم بكل ذلك وما يشعرون.
جعل النبي صلى الله عليه وسلم للنفاق آيات وعلامات، فذكر الكذب في الحديث، والفجور في الخصومة، والخيانة للوعود، وقد رأينا تسرب هذا الفكر النفاقي في برامج كثير من الأحزاب السياسية، بل لاحظنا أن هذا الفكر يمثل الأساس في ثقافة أحزاب أخرى، والمتتبع الذكي يعي هذا كله.
تتجاوز الصراعات السياسية في كثير من الأحيان منطق التدافع البرامجي، إلى الخوض عميقا في التاريخ والفكر، لنكتشف بذلك أن الأمر أكبر وأخطر، فهو صراع قديم جدا، بدا بوسوسة إبليس لآدم عليه السلام، وما واجه به أولياء الشيطان الأنبياء، وها نحن اليوم نعيش نفس الصراع الذي جعله القرآن الكريم أحد دعائم خطابه الخالد، وقد صدق الله تعالى إذ يقول: “إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَاب السَّعِير”. فالشيطان عدو لأتباع الأنبياء… وله حزبه… من أصحاب السعير. وتلك قصة أخرى لمن وعى.
تنبيه: اقتبست كثيرا من الآيات القرآنية ضمنتها في المقال، يعرفها الحافظ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *