عصمة الأنبياء والمرسلين المبلغين عن رب العالمين

اتفقت الأمة على أنَّ الرسل معصومين في تحمّل الرسالة، فلا ينسون شيئاً مما أوحاه الله إليهم إلاّ شيئاً قد نُسخ، وقد تكفل الله لرسوله صلى الله عليه وسلم بأن يقرئه فلا ينسى شيئاً مما أوحاه إليه، إلا شيئاً أراد الله أن ينسيه إياه: “سَنُقْرِئُكَ فَلاَ تَنسَىَ إِلاّ مَا شَآءَ اللّهُ” الأعلى: 6-7، وتكفل له بأن يجمعه في صدره: “لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ” القيامة: 16-18.
وهم معصومون في التبليغ، فالرسل لا يكتمون شيئاً ممّا أوحاه الله إليهم، ذلك أن الكتمان خيانة، والرسل يستحيل أن يكونوا كذلك، ومن العصمة ألاّ ينسوا شيئاً مما أوحاه الله إليهم، وبذلك لا يضيع شيء من الوحي، كما تجب عصمتهم عن أي شيء يخل بالتبليغ: ككتمان الرسالة، والكذب في دعواها، والجهل بأي حكم أنزل عليهم، والشك فيه، والتقصير في تبليغه؛ وتصور الشيطان لهم في صورة الملك، وتلبيسه عليهم في أول الرسالة وفيما بعدها، وتسلطه على خواطرهم بالوساوس؛ وتعمد الكذب في أي خبر أخبروا به عن الله تعالى؛ وتعمد بيان أي حكم شرعي على خلاف ما أنزل عليهم: سواء أكان ذلك البيان بالقول أم بالفعل؛ وسواء أكان ذلك القول خبراً أم غيره.
فذلك كله: قد انعقد الإجماع من أهل الشرائع على وجوب عصمتهم منه: لدلالة المعجزات التي أظهرها الله على أيديهم، فإنه لو جاز عليهم شيء من ذلك: لأدى إلى إبطال دلالتها وهو محال.
فالغاية من عصمة الأنبياء أن يكون الناس على يقين من دين الله، فيدينون بدين الأنبياء، وهذا لا ينافي وقوعهم في أخطاء من صغائر الذنوب، فيغفر الله لهم ولا يقرون على ذلك الخطأ، كما قال تعالى: “وَعَصَى آَدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى” طه: 121، ثم بعد “اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى” طه: 122.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: (فإن أهل السنة متفقون على أنَّ الأنبياء معصومون فيما يبلِّغونه عن الله تعالى، وهذا هو مقصود الرسالة، فإنَّ الرسول هو الذي يبلغ عن الله أمره ونهيه وخبره، وهم معصومون في تبليغ الرسالة باتفاق المسلمين، بحيث لا يجوز أن يستقرَّ في ذلك شيء من الخطأ).
وقال ابن حزم أيضاً: (والأنبياء عليهم السلام، لا يعصون الله تعالى لا بكبيرة ولا صغيرة على سبيل العمد، لأنهم معصومون، والناس مأمورون بالاقتداء بهم، ولا يجوز الأمر بالاقتداء بمن يعصي).
فلن يستقيم للدين أمره وللرسالة مقصودها إلا بعصمة الأنبياء فيما يبلغونه من شرع الله، وسواء قلنا العصمة ابتداء أو عدم إقرار الأنبياء على خطأ في التبليغ؛ فالمقصود أنهم معصومون فيما يبلغونه من شرع الله، وسواء قلنا العصمة ابتداء أو عدم إقرار الأنبياء على خطأ في التبليغ؛ فالمقصود أنهم معصومون فيما يبلغونه عن الله، ولهذا وجب اتباعهم وعدم مخالفتهم، وهذه لا تكون إلا للمعصوم من الخطأ.
ولهذا: فإن الرسول صلى الله عليه وسلم: “معصوم في التبليغ بالاتفاق، والعصمة المتفق عليها: أنَّه لا يُقرّ على خطأ في التبليغ بالإجماع”، منهاج السنة النبوية لابن تيمية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *