عرفوا الديمقراطية بقولهم: “حكم الشعب بنفسه”، ولما حكم الشعب بنفسه، قالوا بمفهوم تصرفاتهم وأقوالهم ما دمتم الناجحين فقد غيرنا التعريف ليصبح: “الحكم التشاركي” الذي يعتمد على التشاركية في الحكم دون استثناء أي أحد؛ في حين أن التعريف الصحيح في ما بعد الثورات العربية هو الديمفراطية، لأن الإفراط في التغني بالديمقراطية يولد سياسة جديدة اسمها الديمفراطية.
ليس العيب في المصطلحات حتى لا يقال -من بني علمان- إننا قوم لا نرضى بـ”الحداثة”، ولكي لا يقال كما يقال مقلدون لا مجددون، وكي لا يقال إنكم لا تواكبون “العصرنة”، لكن العيب كل العيب أن يتم إسقاط هاته الشعارات ممن يدعي الحداثة، وممن يدعي التفتح.
ليس العيب فينا، إنما العيب فيهم؛ فقد قتلونا بالشعارات التي تستهوي القلوب، والمصطلحات التي لو كانت القواميس تنطق لتبرأت منها. فلو ركزنا على الصورة المصرية لأثبتنا ذلك، بالوقائع والأحداث التي يفهمها الصغير قبل الكبير؛ مصر التي خرجت من “ربيع الحرية” إلى صيف الديكتاتورية، من الحكم المدني إلى الانقلاب العسكري.
قبل اندلاع ثورة 25 يناير كان التيار الليبرالي العلماني ينادي: “يسقط يسقط حكم العسكر”، أغلب الشعارات الثورية كانت منصبة على معارضة تولي العسكر للحكم، مطالبين بدولة مدنية حديثة تتولى فيها شخصية مدنية زمام البلاد، قائمة على استقلالية القضاء واحترام الحريات، وغيرها من شروط الدولة “الديمقراطية”.
وبعد مرور ستة أشهر تقريبا، خاضت جميع القوى السياسية داخل هذا البلد انتخابات شهد القاصي والداني، القريب والبعيد، الصديق والعدو، بنزاهتها، وتمكن “الإسلاميون” من اكتساح هذه الانتخابات بنتائج مرضية. توالت الأحداث ودخلت البلاد مباشرة بعد تولي الدكتور مرسي رئاسة الجمهورية في احتجاجات للمعارضة طالبت من خلالها بتمثيلية في الحكومة، كما احتجت على ما أسمته “طريقة إدارة البلاد”، لتتسارع الأحداث ويحدث ما كان متوقعا، انقلاب المعارضة على شعارهم “الديمقراطية”، ولتظهر عورتهم للعيان، فقد انكشفت مؤامراتهم، وأكدوا تمسكهم بحكم العسكر، ورجعوا بالبلاد إلى عهد مبارك.
ما يؤكد أن فكر بني علمان مرتكز أساسا على المآرب الشخصية والمنافع المادية بعيدا عن مصالح الشعب وحاجاتهم.
وظهرت بعد هذه المؤامرة أحداث دلت على ذلك، حيث قامت التيارات العلمانية، التي استحوذت على الحكم بالتواطؤ مع العسكر، مباشرة بعد ساعات من عزل الرئيس الشرعي بعدة إجراءات هي نفسها التي اتخذها مبارك أثناء تسلطه على الحكم، واتخذوا لذلك تبريرات هي نفسها التي اتخذها مبارك، من قبيل المحافظة على أمن البلد، وعدم التشويش على الديمقراطية “الثانية”. وكل هذه الإجراءات من تأمل فيها يجدها تمس بالدرجة الأولى الفصيل الإسلامي؛ فماذا يعني إيقاف بث القنوات الإسلامية بمختلف توجهاتها؟ أليست حرية التعبير والرأي من “مكتسبات ديمقراطيتهم المزعومة”؟ وماذا يعني اعتقال العديد من الشخصيات الإسلامية؟ كل هذا يعني العودة إلى نقطة الصفر؛ أي العودة إلى جمهورية الاستبداد والقمع والطغيان.
لكن ما لا يمكن فهمه هو مشاركة المسمى بحزب “النور” ومؤسسة الأزهر في الانقلاب، وكأن هؤلاء يعطون شرعية لحكم العسكر. يتحدث شيخ الأزهر عن قاعدة أخف الضررين، فجلب بذلك مفسدة أعظم من المفسدة التي يتحدث عنها أو ما أسماه بالحرب الأهلية، بمساندته للعلمانيين على نشر مذهبهم، وفي مقابل ذلك تخلى عن إخوانه الذين أتت بهم صناديق الاقتراع.
عن أي ديمقراطية يتحدث هؤلاء؟
يقولون نحن مع الشعب، عن أي شعب يتحدثون؟
شعب ميدان التحرير أم شعب رابعة العدوية؟
وعن أي حل وسط يتحدثون؟
كل ما ذكروه في خارطة الطريق هو ما نادى به أصحاب ميدان التحرير، وهي مطالبهم التي اعتصموا من أجلها، فأين الحل الوسط وقد تم إغفال الطرف المؤيد؟
من يتابع الأمور لا يستطيع إلا أن يقول إن الأمر لا يتعلق بفشل الرئيس الشرعي، بل يتعداه الى صراع مع التيار الإسلامي، لما أحس هؤلاء اللادينيون اكتساحه للميدان السياسي.
وكأنهم يقتدون بالثورات الغربية حلما وأملا في إسقاط هذا الدين الذي قال فيه رب العزة: {والله متم نوره ولو كره الكافرون}.
مرسي ليس نبيا مرسلا، وما نحن إلا بشر نصيب ونخطئ، لكن المؤسف والمخزي هو مشاركة بعض المحسوبين على التيار الإسلامي في هذه المؤامرة التي باركها أعداء هذه الأمة كالكيان الصهيوني وأمريكا وإيران، إنها مهزلة تاريخية.
لن يبقى للشرعية بعد الآن مقال ولا مقام، كل حزب سيسعى إلى إسقاط الآخر، وهذا ما حذر منه ذوو العقول الذين يزنون الأمور والأحداث بميزان النقل والعقل.
الكثير لم يتفاجأ لما حدث، لأن مثله حدث في إسقاط حكومة تونس، وحكومة حماس، ومع الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر، فلا غرابة في ذلك، لأن شرذمة بني علمان أعلنت صراحة منذ الوهلة الأولى نيتها إسقاط وإفشال التجربة الإسلامية، فلذلك نتساءل: متى بدأت الفتنة في مصر؟ ومتى بدأت الاحتجاجات؟ ومتى بدأ المخطط العلماني؟
الجواب عن هذه الأسئلة يغني عن السؤال مرة أخرى عن نية المتعلمنين وراء مكائدهم.