تطهير الأذهان من افتراءات مدير جريدة الأسبوع الصحفي على الخليفة الراشد عثمان بن عفان الحلقة الثانية أبو عبد الرحمن ذوالفقار

عثمان بن عفان رضي الله عنه كما روته كتب الحديث و السير و التراجم

عثمان بن عفان رضي الله عنه هو أحد خيار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأفاضلهم، وعاشر عَشَرتهم المبشرين بالجنة(1). بل هو رضي الله عنه من أوائل المسلمين السابقين إلى الإسلام، كان رضي الله عنه رابع من أسلم من الرجال؛ وهم أبو بكر وعلي وزيد بن حارثة رضي الله عنهم أجمعين(2)، لقبُه بين المسلمين ذو النورين؛ قيل لشرف حظوته ورفعة المنة عليه بمصاهرته رسول الله صلى الله عليه وسلم في ابنتيه؛ رقية، ثم بعد وفاتها أم كلثوم رضي الله عنهما (3).
كان رضي الله عنه نقي النفس طاهر السجية زكي القلب؛ لم يسجد رضي الله عنه في جاهليته لصنم قط، ولا شرب خمرا قبل الإسلام، ولا زنى رضي الله عنه بامرأة في حياته(4). كان رضي الله عنه ممن هاجر الهجرة الأولى التي كانت إلى الحبشة، وكذا الهجرة الثانية(5)، ثم من بعدهما الهجرة إلى طيبة المدينة المنورة.
لزم رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث كان، وما كان يفارقه إلا بإذنه صلى الله عليه وسلم، كان رضي الله عنه أحد كتاب الوحي، وحفظ القرآن كاملا، وقد استظهره على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته(6).
شهد رضي الله عنه المشاهد كلها ضد المشركين ما عدا معركة بدر وغزوة ذي إمر وغزوة ذات الرقاع، أما عن غزوة بدر فقد كان رضي الله عنه من جملة من تأهبوا للخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنه رجع رضي الله عنه بأمر رسول الله قصد رعاية زوجته رقية بنت رسول الله رضي الله عنها، حيث لزمت الفراش بمرض الحصبة الذي أودى بحياتها قبل أوبة جيش رسول الله صلى الله عليه وسلم من بدر. أما عن غزوتي ذي إمر وذات الرقاع فقد استخلفه رسول الله على المدينة.
بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما نزل الحديبية سفيرا إلى كفار قريش للتفاوض على دخول المسلمين مكة قصد أداء مناسك العمرة والعودة إلى المدينة دون الرغبة في قتال.(7)
عثمان بن عفان المعطاء و نفقاته العظيمة
كان رضي الله عنه غنيا ثريا صاحب تجارة وذا أموال طائلة، وكان رضي الله عنه سخيا كريما معطاء ينفق نفقة من لا يخشى الفقر. وله رضي الله عنه في الإسلام إسهامات في الإنفاق جليلة؛ منها أنه لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة كان الماء العذب بها قليلا، وكانت بها بئر يقال لها رومة، وكان مالكها يبيع ماءها للمسلمين، ولا يشرب منها أحد إلا بثمن، فاشتراها عثمان رضي الله عنه(8) قيل بعشرين ألف درهم، وقيل بخمس وثلاثين ألف درهم، وجعلها تحت تصرف المسلمين غنِيّهم وفقيرهم وابن سبيلهم تلبية منه رضي الله عنه لنداء رسول الله صلى الله عليه وسلم “من يشتري رومة فيجعل دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة”(9).
وليقل لنا العلوي هل رأى قط رأسماليا يقف هذا الموقف؟ مع العلم أن الرأسمالي لا ينتعش إلا في الأزمات. ولو أنه رضي الله عنه أعفى الفقراء دون الأغنياء من عبء دفع واجب الأداء، وألزم في المقابل الأغنياء وحدهم بدفع ما يعوض به مبلغ القدر المستهلك من لدن الفقراء؛ لما كان رأسماليا. لأن الشرط في الرأسمالي هو استغلال الظرف بزيادة الدخل والرفع من قيمة الربح عن طريق رفع السعر، وهذا مفقود. فكيف وهو رضي الله عنه قد جعل البئر تحت تصرف الجميع؛ الفقراء والأغنياء على حد سواء!!!
ومما رواه أصحاب السير والتراجم أنه لما ضاق مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جموع الصحابة الوافدة إليه لشهود الجمع والجماعات وحضور الخطب والمواعظ والتعلم، رغّب عليه السلام في شراء بقعة بجانب المسجد قصد أن تضاف إليه وتزاد فيه حتى يتسع لزواره؛ وذلك بقوله : “من يشتري بقعة من آل فلان، فيزدها في المسجد بخير له منها في الجنة”(10). فكان الذي اشتراها طلبا لمرضاة الله ورسول صلى الله عليه وسلم هو عثمان بن عفان رضي الله عنه. اشتراها من خالص ماله بخمسة وعشرين ألف درهم، أو بعشرين ألف.
أما في غزوة تبوك وهي الغزوة التي أطلق على جيشها اسم جيش العسرة، فقد كان عثمان بن عفان رضي الله عنه هو صاحب الكعب العالي والسهم الغالي في تمويل هذه الغزوة، حتى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم رضا منه عليه السلام بجميل سخائه وعظيم إنفاقه: “ما ضر عثمان ما فعل بعد ذلك”(11). قال ابن شهاب الزهري قدم عثمان لجيش العسرة في غزوة تبوك تسعمائة وأربعين بعيرا، وستين فرسا أتم بها الألف، وجاء عثمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جيش العسرة بعشرة آلاف دينار صبها بين يديه، فجعل رسول الله يقلبها بين يده، ويقول: “ما ضر عثمان ما فعل بعد اليوم، مرتين”.
وحسب مدير “الأسبوع السياسي” غبنا أن يسمع مثل هذه الشهادات من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليمتنع عن مخاطرة الخوض في شخص عثمان رضي الله عنه, بما لا تحسن تمييز صحيحه من سقيمه، ولا غثه من سمينه، ولا صفوه من كدره. مشغبا على عوام المسلمين بما تلقفه من كتاب طه حسين، من أكاذيب سخيفة وافتراءات رخيصة، استلها هذا الأخير من كتب الأعداء من أهل الجهل والأهواء، حيث بلغ بهم الحنق الذميم والضغن اللئيم إلى اختراع قصص واهية وشبها زائفة، قصد فتنة القلوب وبلبلة الأفكار وإشاعة الشك والاضطراب، لولا أن قيض الله لها من عباده من يطفئ نارها ويكسر أشواكها، تحقيقا لتقريره تعالى: “وقد خاب من افترى”(12).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أنظر صحيح الجامع تحت رقم 4010.
(2) الرحيق المختوم ص 327 للشيخ صفي الرحمن المباركفوري
(3) سبل الهدى و الرشاد في سيرة خير العباد ج1 ص16
(4) صحيح؛ أنظر تاريخ الخلفاء الراشدين ج 2 ص17 محمد بن علي الصلابي.
(5) الرحيق المختوم ص 65.
(6) تاريخ الخلفاء الراشدين ج 2 ص26.
(7) نفس المصدر ج2 ص 32- 33- 34- 35.
(8) زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم. ج 5 ص 713, باب يجوز بيع البئر والعين ومشتريها أحق بمائها.
(9) صحيح البخاري: كتاب فضائل الصحابة؛ باب7 مناقب عثمان بن عفان أبي عمرو القرشي رضي الله عنه وقال النبي صلى الله عليه وسلم من يحفر بئر رومة فله الجنة فحفرها عثمان..
(10) صحيح الترمذي تحت رقم 2921.
(11) انظر صحيح سنن الترمذي رقم 3701. والرحيق المختوم ص 309. وزاد المعاد في هدي خير العباد ج3 ص 384 تحت عنوان “نفقة عثمان العظيمة”.
(12) سورة طه الآية 61.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *