إن المرأة في الغرب أصبحت تعيسة بالفعل، خلافا لما يروجه زعماء الغرب، فما هي الأسباب الجالبة للتعاسة والشقاء؟ وكيف ترد لها سعادتها في ظل الإعلام المضلل للمرأة الغربية وغيرها من نساء العالمين؟
لقد تعددت الأسباب التي خدعت المرأة وجعلت منها دمية في يد المتلاعبين بالأعراض والعفة، منها أن الغرب زعم أنه أعطى للمرأة حقوقها وحريتها، بل أوهمها أن التخلي عن عفتها وأنوثتها هو الحرية.
وبفعل هيمنت الفكر الغربي وفرض دوله للتصور العلماني لحرية المرأة، انبهر العديد من المسلمين المستغربين بمظاهرها الزائفة فكان أن حورب التصور الإسلامي للمرأة والمبني على هدي القرآن والسنة بأيدي أبنائه، حتى سمعنا في النهاية من يتهم الإسلام -ظلما- بمصادرة حرية المرأة.
إن مما لاشك فيه أن المرأة إنسانة كالرجل لها حقوق وعليها واجبات، كما أن للرجل حقوقا وعليه واجبات، ولقد أعطى الدين الإسلامي للمرأة حريتها في كافة الأصعدة ولكن الحرية التي أعطاها لها الإسلام تتميز في سموها عن تلك التي أعطتها لها الأنظمة الأخرى، فالحرية إذا لم تكن وفق أسس وضوابط شرعية لا يمكن أن تسمى حرية، وإنما تدخل في إطار الفوضى.
فالمتأمل لما تعيشه المرأة الغربية اليوم لا يمكن أن يقتنع أن ما تعيشه حرية بل هو مجرد فوضى عارمة جعلت منها أمَة تكد لصالح الرجل وتعمل داخل البيت وخارجه دون أن تحرز السعادة التي من أجلها تمردت على التقاليد والدين، فوضى جعلت منها علامة تجارية على كل منتوج رخيص، بل صارت هي نفسها بضاعة تباع وتشترى.
إنها حرية تفتقر إلى الضوابط والمفاهيم الصحيحة، أنتجت أمراضا اجتماعية تجسدت في تفكك الأسرة التي تعد المرأة عمادها، وفي انعدام القيم داخل المجتمع الذي تناصف المرأة فيه الرجل.
أما ديننا الإسلامي فقد أعطى للمرأة حريتها كاملة، حرية مسؤولة توَلِّد لدى المرأة وازعا دينيا يحول بينها وبين الخروج عن الخطوط التي رسمها لها الإسلام للحفاظ على عفتها وكرامتها ومكانته الشريفة، والتي يعد الخروج عليها خطرا على المرأة والرجل والمجتمع بأسره.
إن الغرب يرى نفسه قائدا لقاطرة التقدم في العالم، وبناء على ذلك يجب أن نتبع خطاه ونتبنى خياراته، وإلا أصبحنا متخلفين بحاجة إلى من يعلمنا كيف نعيش؟ وماذا نلبس؟ بل وماذا نأكل!!!
لتصير وصمة العار وجريمة المرأة المسلمة اليوم أنها لا تخادن صديقا، ولا تحمل سفاحا، ولا تراقص الرجال، ولا تعري جسدها، بل وتعرض عن معظم ما تراه المرأة الغربية من مقومات العصرنة والتقدم.
ولكم أتمنى أن تقرأ وتصدِّق المطالبات بالمساواة بين الجنسين اللواتي يتخذن من المرأة الغربية مثلا أعلى لهن، نتائج ذلك التقرير الذي أعده المجلس الأوروبي عن أوضاع المرأة في دوله، خصوصا تلك الفقرات التي تقول إن العنف الذي تتعرض له المرأة في الغرب أصبح السبب الرئيسي للعجز الجسدي والوفاة بالنسبة للكثير من النساء، فقد فاق حوادث السير والأمراض المستعصية مثل الشلل وأمراض القلب والسرطان.
جاء في التقرير: “إن الأوروبيات غير سعيدات بالحرية التي حصلن عليها، وإن نصفهن يتعرض لسوء المعاملة والعنف، وفي البرتغال ترتفع هذه النسبة إلى 52,5%، وفي ألمانيا تتعرض 1,4 امرأة يوميا للقتل، وفي بريطانيا تفارق امرأة واحدة الروح كل 3أيام”، ويذكر تقرير “هنريون” الفرنسي: “أن 6 فرنسيات تتعرض للقتل شهريا نتيجة الاعتداءات (أي بمعدل 72 امرأة في السنة)، وتشمل الاعتداءات الطعن بالسكين حتى الموت وإطلاق الرصاص، والخنق، والضرب المبرح، وفي مجمل دول الإتحاد الأوروبي الخمس والعشرين تلقى ما يزيد على 800 امرأة حتفها في العام بسبب العنف، أي ما يعادل 2,2 امرأة كل يوم”، فهل من معتبر!
كيف يصور الإعلام الغربي المرأة المسلمة؟
إن الإعلام الغربي وفي مقدمته الإعلام الأمريكي يصور المرأة المسلمة أنها جاهلة ومتخلفة ومظلومة ومضطهدة ومقهورة وممنوعة من قيادة السيارة في بعض البلدان ومن ممارسة حقوقها السياسية، وأن الحجاب يقف حائلا دون حصولها على هذه الحقوق، وأن الغرب يريد رفع هذا الظلم عنها..!!
وأهم شيء يمكن أن يقال في هذا الصدد، أنه لا بد من إغلاق كل المنافذ (وهي في الحقيقة ممارسات فردية لا صلة لها بمنهج الإسلام) التي تحول دون نفوذ الغرب من خلالها، ووجودها للأسف أدى إلى تشويه صورة المرأة في الإعلام الغربي، وهناك عوامل أخرى بعضها يتعلق بنا نحن المسلمين من أهمها: التعتيم الإعلامي المحلي لإنجازات المرأة المسلمة في بلداننا (فلدينا عالمات في مختلف العلوم وباحثات، بل ومخترعات، ولكن للأسف نادرا ما يبرزهن الإعلام). كذلك شيوع ثقافة النظرة الدونية للمرأة من قبل الرجل..، فلابد أن تعطى للمرأة حقوقها التي أعطاها لها الإسلام، وما أكثرها..
ومن المهم إدراك أننا وباعتبارنا مسلمين لا نحتاج للرد على الإعلام الغربي في حملاته ضد الإسلام فالإسلام ليس موضع اتهام، لذا لا ينبغي أن نتخذ إزاء هذه الحملة موقف المدافع الذي يبذل قصارى جهده لتحسين الصورة، بل علينا تصحيح الصورة فقط، وإن اهتمامنا بما يقع في الغرب إنما هو للتأكيد على مكانة المرأة في الإسلام ومحاولة تجنيبها ويلات التحرر الأنثوي وطوامه هناك، فمثلا المرأة التي تخضع لقسوة العمل ومتطلباته ثم تعود إلى المنزل لتواجه متطلبات الزوج والأطفال، وعليها أن تقدم لهم مشاعر الحنو والعاطفة والرحمة لاشك أنها ستفشل في ذلك، لأنها هي نفسها في حاجة إلى من يرعى شؤونها ويقدم لها تلك المشاعر التي من المفروض أن تكون هي نبعها.
إن الإعلام الغربي الذي يؤكد تمام التأكيد أن الغرب بكافة مؤسساته لن يهدأ إلا بتصدير نموذجه الحداثي للمرأة باعتبارها نواة المجتمع إصلاحا وإفسادا، ولم يفتأ دائما بالتصريح والتلميح يؤكد أن التغيير في المجتمعات الإسلامية لا يتم إلا من خلالها..
ومن هنا نعلم المسؤولية الملقاة على عاتقنا كمسلمات، وهي استيعاب الهجمة بعيدا عن الانفعال والاستجابة العفوية، مع التسلح بالصبر والتصبر، واستيعاب الواقع وخطط العدو في هدم حصون عفتنا وكرامتنا، والمستوى العلمي المتفوق لإدارة معركة ثقافية، والقدرة على التحول من أن نكون موطنا للأفكار الغربية المتحررة وتمثلها في حياتنا، إلى نقل قيمنا ومبادئنا وأخلاقنا السامية إلى الغرب الذي انتصر بأشيائه وقوته، وسقط بقيمه وإنسانيته، وأعدم روحه..
قد يقول قائل: لماذا المرأة؟؟
يتبادر إلى أذهان الجميع: لماذا التركيز على المرأة من قبل الغرب ومن قبل أتباعه المستغربين العلمانيين، والسر أن هؤلاء فطنوا إلى مكانة المرأة المسلمة الأساسية ودورها في صنع الأمة وتأثيرها على المجتمع، ولذلك أيقنوا أنهم متى ما أفسدوها ونجحوا في تخريبها وتضليلها، وسلخها عن قيمها وعفتها وكرامتها. حينها تهون عليهم حصون الإسلام بل يدخلونها مستسلمة بدون أدنى مقاومة.
ومن أكبر ما تتأثر به المرأة وتفسد من خلاله وهي لا تشعر الإعلانات التي تشاهدها على القنوات الفضائية أو في غيرها، والتي يتم التركيز فيها على جسد المرأة وجمالها وإغرائها -إن لم نقل إغراقها وغوايتها- أكثر مما يتم التركيز على جوانب أخرى، وبما أن معظم الإعلانات تتوجه إليها كونها المستهلك الأكبر في المجتمع، فهذا يعني أن الإعلانات تتوجه إلى نرجسيتها وسلبيتها لا إلى ذاتها، والمرأة التي تمثل في الإعلان ليست امرأة عادية بل هي امرأة عالية في الجمال أو شخصية مشهورة (مطربة أو ممثلة أو نجمة إغراء وغناء أو رياضية)، والمرأة المستهدفة بالإعلان لا تتأثر بالسلعة الممدوحة أو الأزياء المعروضة فحسب بل ستتأثر أكثر بالمرأة التي ترتدي هذا الزي أو ذاك، وستكون أميل إلى تقليدها ما يعني الابتعاد أكثر عن أصالتها. وغير خفي ما للمسلسلات والإنتاج السينمائي من آثار وعواقب سلبية على المجتمع كله وخصوصا المرأة التي تبقى دائما أكبر مستهدف..
لقد آن الأوان أن نتبنى كمثقفات ومسؤولات وداعيات موقف تصدير القيم والأخلاق للغرب، فإن كان الغرب يريد أن يصدر لنا تجاربه أو نماذجه فإن تجربة المرأة الغربية أبعد ما يكون عن القابلية للتصدير ولا تغري أيا من المجتمعات باقتدائها، بل إن البشرية مدينة للغرب بالانتكاس بالإنسان إلى ما دون عالم الأنعام في مجال العلاقات الاجتماعية..، أما قيم الإسلام فقد صار عقلاء الغرب يعترفون بصلاحها ويدعون بني جلدتهم لامتثالها، وما ذاك إلا لربانيتها وقدرتها على إصلاح كل زمان ومكان.