تطالعنا آخر الإحصائيات أن المغرب يضم بين أحضانه مائتي ألف (200000) طفل مجهولي النسب، وذكرت جمعية إنصاف أن عدد العازبات اللائي ولدن أطفالهن من سفاح في الدار البيضاء وحدها يفوق 5000 امرأة.
وخلال المدة المتراوحة من سنة 2001 إلى سنة 2004 سجلت السلطات الأمنية في دولة الإمارات العربية المتحدة وحدها، أزيد من 800 حالة اعتقال، لفتيات مغربيات ضبطن متلبسات في ممارسة الدعارة، تم ترحيلهن، بالإضافة إلى أزيد من 460 فتاة مغربية منعن من الدخول.
أضف إلى ذلك عمليات الإجهاض التي وصلت في المغرب إلى ثلاثمائة ألف حالة في السنة أي ما يعادل ستمائة حالة يوميا.
دون أن ننسى ما يصاحب هذه الأرقام من فضائح العاهرات التي تتصدر الصفحات الأولى من الجرائد الوطنية، وحالات زنا المحارم، وما يجري في الشقق المفروشة والعلب الليلة والرياضات والفنادق.
هذا الواقع المزري بكرامة المغاربة وتاريخهم، أغرى اللواطي منسق لواطيي جمعية “كيف كيف” إلى المجاهرة بوبائه، وادعاء أن المغرب فيه ثلاثة ملايين لوطي.
لكن كيف أصبح المغرب بلد الحايك والنقاب والعفة والرجولة والفقه والتدين منهار القيم منحط الأخلاق، معروفا بالدعارة في نسائه، واللواط في رجاله؟
وهل يمكن أن نقبل التحليل العلماني الذي يروج له من لا يفرق بين أنفه وما بين فخذيه، أقصد أولئك الذين يعتبرون ما يقع في المغرب من لواط ودعارة وممارسة للزنا مجرد تطور اجتماعي؟
إن هؤلاء العلمانيين تستوي عندهم ممارسة الزنا قبل الزواج مع الجماع المشروع بين الزوجين، ولا يرون بأسا في اتخاذ البغاء مهنة، فبمجرد الشيوع والانتشار يأخذ عندهم الانحراف سنده الاجتماعي الذي يوجب إعادة النظر في الفقه والقانون.
قال عبد الصمد الديالمي وهو واحد من العَلمانيين المتطرفين: “لماذا لا نرى في الانفجار الجنسي معركة موضوعية ضد الفقه وضد القانون، معركة في ذاتها، معركة غير واعية بذاتها بعد؟ لماذا لا نقبل فكرة تراجع النموذج الزوجي في المغرب؟ لماذا لا نعير انتباها إلى تطبيع وسائل منع الحمل خارج الزواج؟ إن الإقدام على الجنس قبل الزواج وخارجه، باسم المال أو باسم الحب أو باسم المتعة، لا يمكن أن يعتبر خللا إلا إذا ظل استثناء نادر الوقوع”.
ربط الحاضر بالماضي من أجل الفهم
ولنستنطق الماضي القريب من حاضرنا، لعلنا نعثر على شيء يمكن أن نفسر به هذا الانهيار الأخلاقي، أو لعلنا ندرك أصول هذا التفكير العلماني الذي أصبح يؤطر أغلب ما ينتجه الإعلاميون من مواد مكتوبة أو مرئية أو مسموعة.
ففي سنة 1928م كان المسيو “سوردون” واضع “القانون البربري” في المغرب أيام الاحتلال الفرنسي يتحدث إلى طلبته من الضباط الفرنسيين المرشحين للحكم في القبائل البربرية فقال لهم في محاضرته: “يجب جمع العوائد البربرية لا للمحافظة عليها وتخليدها، لأنها محكوم عليها بالاندثار أمام قانون أرقى منها، ولكن أولى لنا أن ندمجها في القانون الفرنسي، من أن تدمج في الشرع الإسلامي، والواجب يقضي علينا أن لا نحفر بيننا وبين البرابرة هوَّة لا تمتلئ -يعني بإبقاء المحاكم الإسلامية المغربية- ففي المغرب قانونان: قانون إسلامي وقانون فرنسي، وما دامت الأسلحة الفرنسية هي التي فتحت البلاد البربرية، فلنا الحق في اختيار التشريع الذي يجب تطبيقه في هذه البلاد!
ويجب على المخزن (الحكومة المغربية) أن يكون مستعدا لإعطائنا الحرية التامة في تنظيم البلاد البربرية كما يطيب لنا، وبالطريقة التي ترضينا!!! ولقد أصبح المغاربة لا يذكرون أصلهم القديم وأضاعوا الذكرى بأنهم برابرة، ..وقد اضمحلت العوائد العرفية أمام الشرع الإسلامي؛ فلماذا لا نصل نحن إلى نتيجة مثل هذه النتيجة (أي فرنسة المغاربة جنسا وقانونا) وإذا كانت العوائد العرفية لا مناص لها من الاضمحلال أمام شرع مدون، فلماذا لا تضمحل أمام شرعنا نحن الفرنسيين؟ ألا يمكن أن يتخذ البرابرة في يوم من الأيام نفس القوانين الفرنسية؟”. (1)
لا أظن القارئ الكريم محتاجا إلى شرح أو استنباط، فواضح كل الوضوح أن ما نعيشه الآن هو نتيجة حتمية لهيمنة القانون الفرنسي على القانون الإسلامي، أي بعبارة أخرى أننا تركنا قيمنا وأخلاقنا والعقوبات الضامنة لاحترامها المستمدة من شرعنا الحنيف مجرد أعراف وتقاليد سرعان ما اضمحلت أمام شرع الفرنسيين المدون في قوانيننا، فآل أمرنا إلى ما هو عليه اليوم من انحراف وفساد وتخلف. وبالتالي يستطيع العلمانيون أن يقفوا أمام قبر المسيو “سوردون” ليجيبوا عن سؤله: “فلماذا لا تضمحل أمام شرعنا نحن الفرنسيين؟”، قائلين، صدقت لقد اضمحلت وساد القانون الفرنسي، ونحن على عزم أن نبقى لوعدك حافظين ولسبيلك سالكين.
ليس هذا من المبالغة في شيء، فقد قال الديالمي المعادي لكل ما اتصل بالدين: “على الجمعيات المتواجدة في الساحة، المهتمة بقضايا حقوق الإنسان والمرأة والسيدا، أن تسهم في هذه المعركة حتى تبرهن على أن وجودها دليل على وجود مجتمع مدني يرفض أن تُستمد القوانين من مصادر دينية”.
لا مجال للعجب والحل في الإسلام شريعة وعقيدة وقيما
لا يجب أن نعجب من انتشار اللواط والزنا وارتفاع معدلات الإجهاض، فهي أمور مرتبطة بطبيعة القوانين العلمانية، فالدول الأوربية العلمانية لا ترى فيها مشكلا لذا قننتها ونظمتها لكونها لا تتعارض مع دين الكنيسة “المتنور” الذي قبل بالتعايش مع العلمانية بحداثيتها وعقلانيتها، المعادية للدين والقيم.
لقد أصبح واضحا رغم المكابرة أن المغرب لا حل لمعضلاته إلا بالرجوع إلى الدين عقيدة وشريعة وقيما، فلن يستطيع المغاربة في يوم من الأيام أن يكونوا فرنسيين علمانيين، لذا على من يروم الإصلاح حقا أن يعيد النظر في كثير من الاختيارات التي سبق أن اتخذت تحت ضغوط وإكراهات دولية ومحلية وإقليمية، وأول ما يُبدأ به في نظرنا هو إعادة النظر في الكيفية التي يتعامل بها مع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والحريات الفردية، حيث يجب علينا اتخاذ موقف واضح وصريح من كل الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ذات الصلة بالحريات الفردية المخالفة للشريعة الإسلامية، وعلى رأسها ما تعلق بالحرية الجنسية.
فالتنصيص مثلا على عبارة “كما هو متعارف عليها دوليا” والتي يردفها بعض المسؤولين وبعض الحقوقيين عقب إيرادهم لفظة “حقوق الإنسان”، يكسب كل المطالبين بالتطبيع مع الشذوذ والسحاق قوة نضالية تجعل لمطالبهم حيزا يضعها ضمن الجائز أو المشروع.
مثل هذه النصوص أعطت لجمعية اللواطيين “كيف كيف” مثلا، متمسكا قانونيا وسندا دستوريا، حيث أخذت عبارات تضمنها الدستور تنص على أن الدولة “وإدراكا منها لضرورة إدراج عملها في إطار المنظمات الدولية، فإن المملكة المغربية، العضو العامل النشيط في هذه المنظمات، تتعهد بالتزام ما تقتضيه مواثيقها من مبادئ وحقوق وواجبات وتؤكد تشبثها بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا”، مستغلة لها في المطالبة بإلغاء تجريم الشذوذ وإسقاط العقوبة عليه، لكون القانون الجنائي الذي ينص في فصله 489 على عقوبة الحبس من ستة أشهر إلى ثلاثة أعوام، وبالغرامة من 120 إلى 1200 درهم في حق من ارتكب فعل الشذوذ، يعد مناقضا للدستور ولحقوق الإنسان.
ومعلوم أن مواثيق ولوائح الأمم المتحدة تشرع وتحمي الشذوذ والسحاق وكل ممارسة جنسية طوعية، حيث أدانت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة القوانين التي تجرم السلوك الجنسي الطوعي باعتبار ذلك مخالفة للعهود الدولية الخاصة بالحقوق المدنية والسياسية.
مما يسهل على العلمانيين في المغرب بدعوى حماية الحريات، استغلال القوانين المحلية والعهود الدولية في إضعاف صمود المغرب أمام المطالبات الدولية والضغوط الأممية من أجل ملاءمة باقي قوانين البلاد مع ما تقتضيه لوائح ومواثيق حقوق الإنسان كما هو متعارف عليها دوليا ودون تحفظات.
يتبين مما سبق أنه يتحتم على الساسة الذين يهمهم أن يبقى المغرب والمغاربة في مأمن من هذه المعضلة الأخلاقية المدمرة لكل قيمة وخلق أن يتخذوا قرارات شجاعة اتجاه هذا الملف، وأن يرفعوا كل التباس قانوني أو سياسي قد يستغله المطالبون بالتطبيع مع الشذوذ والفواحش، حتى لا يصير المغاربة كلهم مجرد شواذ وعاهرات.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) “فرنسا وسياستها البربرية في المغرب الأقصى” ص79-80 للشيخ الجليل محمد المكي الناصري رحمه الله تعالى.