يمتاز المنهج الإلهي بأنه منهج متكامل ومتوازن بين الروح والجسد، لا يصطدم بالرغبات البشرية ويحاول إلغاءها، وفي نفس الوقت لا يطلق لها العنان، فيضع لها حدودها التي تحميها وتصونها، ويقرر لها ضوابطها التي تستطيع أن تلبي حاجاتها الفطرية وفق منهج شرعي.
ولكن هناك أناسا من اتباع الديانة النصرانية شددوا وغالوا وعادوا الفطرة الإنسانية فحرموا على أنفسهم ما أحله الله بدعوى الرهبانية، ففيهم قال الله تعالى “ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ”.
فعندما شددوا شدد الله عليهم كما جاء عنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُولُ: (لا تُشَدِّدُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَيُشَدِّدَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، فَإِنَّ قَوْمًا شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ، فَتِلْكَ بَقَايَاهُمْ فِي الصَّوَامِعِ وَالدِّيَارِ وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ) أبو داود.
وتتكشف في كل عصر تلك الحقائق التي تؤيد القرآن الكريم وتؤكد حاجة الإنسان للمنهج الإلهي الصحيح وأن كل ادعاء بالتقرب منه بما لم يشرعه فهو ادعاء باطل.
ولقد كان خبر استقالة زعيم الفاتيكان وبابا النصارى بنديكت السادس عشر مفاجئا للكثيرين، بل لم يكن معتادا ترك أحدهم لكرسي البابوية إلا بسبب الموت، وتركت استقالته علامات استفهام كبيرة وتضاربت الأقوال في أسبابها.
ولكن صحيفة بريطانية شهيرة وهي صحيفة “ذي جارديان” صرحت في تقرير لها عن السبب الحقيقي لاستقالته وهو الكشف عن تقارير سرية جدا وفي غاية الخطورة تسربت تعلن عن وجود شبكة من الأساقفة شاذين جنسيا داخل الفاتيكان نفسها.
وذكرت صحيفة إيطالية وهي صحيفة “لا ربوبليكا” أيضا نفس السبب فقالت: إن “البابا اتخذ قرار استقالته في 17 ديسمبر، وهو اليوم الذي تلقى فيه ملفاً جمع بياناته ثلاثة من الكرادلة، أُنيطت بهم مهمة النظر في قضية تسريب وثائق سرية من الفاتيكان فيما عُرف بفضيحة “فاتيليكس”.
وقالت صحيفة “لا ربوبليكا” أن الملف المقدم من الكرادلة الثلاثة يتكون من مجلدين قد أُودع في خزانة حديدية بالشقق البابوية وسيتم تسليمه إلى البابا الجديد فور انتخابه، وقد جاء فيه بحسب “لا ربوبليكا: “إن بعض مسؤولي الفاتيكان خضعوا لنفوذ خارجي من أشخاص عاديين تربطهم بهم علاقات ذات طبيعة دنيوية؛ وإن كل شيء يدور حول عدم التقيد بما جاء في الوصيتين السادسة والسابعة من الوصايا العشر التي أنزلها الله تعالى على نبيه موسى”، وهما الوصيتان لا تسرق ولا تزن، ولهذا فالاتهامات الموجهة لهم هي اتهامات بجرائم فساد مالية وخلقية.
ويؤكد ذلك أن باولو جابرييلي وهو كبير خدم بابا الفاتيكان قد تم اعتقاله في مايو الماضي بتهمة سرقة وتسريب مراسلات كشفت الفاتيكان من الداخل وصورته على أنه بؤرة من بؤر الفساد والدسائس والصراعات الداخلية.
ولا حل لهؤلاء لتوقف تلك الممارسات المشينة إلا بالعودة للمنهج الشرعي الذي يتلاءم مع الفطرة السليمة والذي تنزلت به الأنبياء من عند الله سبحانه، ولهذا يقترح عليهم واحد منهم هذا الاقتراح، ليقول أنه الحل الوحيد أمام الكنيسة.
فيقول رئيس أساقفة سانت أندروز وإدنبره الكاردينال كيث أوبراين وهو من أكبر رجال الكنيسة الكاثوليكية في بريطانيا: “إن على البابا الجديد أن يعمل على تعديل القوانين المتعلقة بتبتل القساوسة لأن ليس لها أصل في الدين، وأنه يجب وأن يُسمح للقساوسة بالزواج وممارسة الجنس بطريقة شرعية للحد من الانحرافات”.
فهذا ما يقوله أكبر أساقفتهم وهو ما تقرره فطرة الله سبحانه، مما يدل على سابق تحريفهم للدين قرونا طويلة خدعوا فيها الملايين من النصارى الذين عاشوا حياتهم وماتوا على هذا الضلال المبين.
مركز التأصيل للدراسات والبحوث