حق الملكية الفردية من أركان قواعد الاقتصاد الإسلامي، امتاز به عن النظام الاشتراكي الذي خالف الفطرة والعقل والشرع حين ألغى هذا الحق، وامتاز به أيضاً عن النظام الرأسمالي حين أطلق العنان للحرية الفردية حتى أصبحت غولاً يأكل الأخضر واليابس.
وقد حاول بعض الناس في القديم والحديث التنظير للاشتراكية من خلال نصوص الشريعة، والتأصيل لمبادئها من خلال بعض الأحاديث والآثار التي أساؤوا فهمها.
والعلة التي أصابت هذا المنهج في التفكير فلبَّست عليه فهمَ حقيقة النظام الاقتصادي الإسلامي: هي إخراج النصوص عن سياقها وإطارها المقيد، ونقلها إلى الإطار العام والتقعيد المطلق المناقض لقواعد الاقتصاد الإسلامي.
فمثلاً :الحديث الوارد في السؤال، وهو حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَيُّمَا أَهْلُ عَرْصَةٍ أَصْبَحَ فِيهِمْ امْرُؤٌ جَائِعٌ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ تَعَالَى) رواه أحمد في المسند (8/482).
أولاً :هذا الحديث ضعيف، فقد قال أبو حاتم في “العلل” (2/238): منكر. وكذا قال الشيخ الألباني في ضعيف الترغيب (1/275)، وقال محققو المسند بإشراف الشيخ شعيب الأرنؤوط: “إسناده ضعيف لجهالة أبي بشر” انتهى. وينظر : المسند (8/486)
ثانياً :غاية ما في الحديث الحث على إطعام الجائع والإحسان إلى الفقير، وليس فيه من قريب ولا من بعيد إلغاء حق الملكية الفردية إلغاء تاماً، كما هي النظرة الاشتراكية، وكما فهم بعض الناس خطأ وأشكل عليهم الأمر.
ومثله الآثار التي يرويها الحنفية، ومنهم أبو يوسف القاضي في كتاب “الآثار” (رقم/899) عن أبي حنيفة النعمان رحمه الله، عن الهيثم: أن قوماً مروا بماء، فسألوا أهلها: أين البئر؟ فأبوا أن يدلوهم، وأبوا أن يعطوهم الدلو. فقالوا: ويحكم، إن أعناقنا وأعناق ركابنا قد كادت تقطع عطشاً، فأبوا أن يعطوهم أو يدلوهم، فذكروا ذلك لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: ألا وضعتم فيهم السلاح.
فهي -رغم أنها مرسلة منقطعة- إنما جاءت تبين حكما مخصوصاً في حالة مقيدة، فيما إذا اضطر المسلم، فلم يجد طعاماً ولا شراباً وأشرف على الهلاك، فله حينئذ -وحينئذ فقط- أن يأكل من أموال المسلمين القادرين ولو بغير رضاهم، ولو اضطره الأمر إلى مقاتلتهم على سد ضرورته بالسلاح، أما أن يُستدل بهذا الأثر على إلغاء حق الملكية مطلقاً فهذا أيضاً فهم خاطئ للنصوص.
وأما حديث: (إذا بات المؤمن جائعاً فلا مال لأحد) فليس هو بحديث أصلاً، ولا وجود له في كتب السنة والآثار.
ونحن نعلم أن بعض الناس يورد الكلام الوارد في السؤال على محمل حسن، وليس دعوة منه إلى الاشتراكية الكاملة.
ومن أراد المزيد فليرجع إلى كتاب “حكم الإسلام في الاشتراكية” للشيخ عبد العزيز البدري رحمه الله.