شروط اختيار الجباة والرقابة على تحصيل الجبايات إبراهيم بوحمرة

النظام الجبائي المالي في الإسلام

إن المتتبع لما اشترطه الفقهاء من صفات في العاملين على الأموال في النظام المالي الإسلامي، يجد أنهم كانوا يحرصون على أن يقوم من يتولى أمور المسلمين بوضع الرجل المناسب في المكان المناسب، من حيث العدل والأمانة والضبط والعلم بالأمور المتعلقة بالجانب المالي في الإسلام، وكانت الموارد الجبائية تخضع لرقابة دقيقة خاصة في عمليتي: الجمع من مصادرها المشروعة والصرف في المصارف التي بينها الله عز وجل في محكم تنزيله.
أولا: شروط اختيار الجباة والعاملين على الأموال
لقد كان الاهتمام بسلوكيات العمال والكتاب من نزاهة وأمانة لتحقيق العدالة في تحصيل الموارد الجبائية وتجنب الظلم من أولى الأولويات لدى ولاة أمور المسلمين، وقد ذكر الله تعالى السعاة القائمين على أمر الزكاة جمعا وتفريقا، وسماهم العاملين عليها، بل وجعل لهم سهما من أموال الزكاة، ولم يحوجهم إلى أخذ أجورهم من باب آخر يقول الإمام القرطبي في قوله تعالى: والعاملين عليها «أن كل ما كان من فروض الكفايات كالساعي والكاتب والقسام وغيرهم فالقائم به يجوز له أخذ الأجرة عليه»( 1).
ومن أهم شروط اختيار العاملين على ولاية أموال المسلمين:
1- القوة والأمانة والعدل:
يشترط في العاملين على ولاية أموال المسلمين: «القوة والأمانة» ( 2). يقول الله تعالى: إن خير من استاجرت القوي الأمين القصص:25. وقد اشترط عمر بن الخطاب في عماله العدل والأمانة، وربط عمر بن الخطاب مضمون العدالة بتوفير مال الفيء والمحافظة عليه، وسار على مبدأ تذكير المسلمين بحقوقهم تحقيقا للعدل، فكان يكتب لعماله أن يوافوه في الموسم عن الفيء ثم يقول للمسلمين: «أيها الناس إني أشهدكم على أمراء الأمصار أني لم أبعثهم إلا ليفقهوا الناس في دينهم ويقسموا عليهم فيأهم»( 3)، والتزم العمال هذا التوجه وعملوا على تطبيقه، وكان من بين هؤلاء العمال عمير بن سعد الأنصاري «وكان من فضلاء الصحابة وزهادهم»(4 )، وقد جعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه عاملا على حمص «فمكث حولا لا يأتيه بخبر»( 5) فشك في صدق التزامه، وطلب منه عمر رضي الله عنه أن يقبل بما جبى من فيء المسلمين، فأقبل رضي الله تعالى عنه «ماشيا حافيا، عكازته بيده، وإدواته ومزوده وقصعته على ظهره»( 6) من حمص إلى المدينة، وقال لعمر رضي الله عنه في آخر الحديث الطويل: «لولا أني أخشى أن أغمك ما أخبرتك، بعثتني حتى أتيت البلدة، فجمعت صلحاء أهلهم فوليتهم جباية فيئهم، حتى إذا جمعوه وضعته مواضعه، ولو نالك منه شيء لأتيتك به»( 7)، وقال الواقدي كان عمر رضي الله عنه يقول: «وددت أن لي رجالا مثل عمير بن سعد أستعين بهم على أعمال المسلمين»(8 ).

2- الطاعة والولاء وحسن الخلق
وهي صفات ملازمة لهذه الوظيفة كما أشار إلى ذلك عبد الحميد الكاتب -وكان كاتبا لمروان بن محمد آخر الخلفاء الأمويين- لزملائه الكتاب. فقال: «فجعلكم معشر الكتاب في أشرفها صناعة… بكم ينتظم الملك وتستقيم للملوك أمورهم، وبتدبيركم وسياستكم يصلح الله سلطانهم ويجتمع فيهم وتعم بلادهم… ويحتاج منه صاحبه الذي يثق في مهمات أموره، إلى أن يكون حليما في موضع الحلم، فقيها في موضع الحكم، مقداما في موضع الإقدام ومحجما في موضع الإحجام، لينافي موضع اللين، شديدا في موضع الشدة مؤثرا للضعاف والعدل والإنصاف، كتوما للأسرار، وفيا عند الشدة…» (9).
3- الإدارة الجيدة والتنظيم السليم إضافة إلى المعرفة بالعلوم والحساب
إن القيام على أعمال الجبايات لا يقوم به إلا المهرة، قال ابن خلدون: «اعلم أن هذه الوظيفة من الوظائف الضرورية للملك»(10)، وبذلك فالقائمون على أموال المسلمين يجب أن يكونوا من المجتهدين المتفهمين لأمور الشرع، وهناك مجالات تقتضي «النظر في الأشكال لمساحة الأراضين حتى يعرف المثلث القائم الزاوية والمثلث الحاد والمثلث المنفرج… والعلم بدقائق الحساب»( 11) وغيرها من الإجراءات التي يقتضيها العمل المالي الإسلامي، ولهذا لابد لمن يلي أمر المسلمين أن يحرص على أن يختار للنواحي المالية من تتوفر فيه الكفاءة والأمانة والعلم ويتحرى من رعيته أصلحهم وأنفعهم ليصل بالأمور الاقتصادية أقصى غاية من الضبط والتقدم، وليجنب إدارات الدولة الفساد والاضطراب. وكل هذا ولا شك مما تقتضيه مصلحة الأمة واستقرارها.
وتجدر الإشارة هـاهنا إلى أن هذه الوظيفة المالية لازالت قائمة في جميع دول العالم، وتحظى باهتمام كبير في المالية العامة المعاصرة، لكنها أصبحت منضبطة بالقوانين الوضعية، وتشرف عليها حاليا وزارة المالية في الدول الحديثة، بالنسبة للمغرب يقوم بهذه الوظيفة القباض والخزنة تحت إشراف الخازن العام للمملكة( 12).
———————
(1 ) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 4/509-508
(2 ) مجموع الفتاوى: 28/142 والسياسة الشرعية ص:22 كلاهما لابن تيمية.
(3 ) كتاب الخراج لأبي يوسف، ص:396.
(4 )أسد الغابة في معرفة الصحابة لابن الأثير: 3/415
(5 )المعجم الكبير للطبراني:7/5
(6 )المستطرف في كل فن مستظرف لأبي الفتح الأبشيهي، ص:141.
(7 )الحديث بطوله أخرجه الطبراني في المعجم الكبير:7/5
(8 ) الإصابة في تمييز الصحابة للحافظ ابن حجر:2/1377
(9 ) مقدمة ابن خلدون، ص:228.
(10 ) المصدر نفسه، ص:22.
(11 ) أدب الكاتب للإمام ابن قتيبة الدينوري، ص:69.
(12 ) لمزيد من التفصيل في هذه الوظيفة في وقتنا المعاصر أنظر “المحاسب العمومي بين القانوني وإكراهات الواقع” لإبراهيم بوحمرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *