من آثار الإيمان بأسماء الله تعالى: الغفور، الغافر والغفّار (2) ناصر عبد الغفور

 

من الأحاديث الواردة في فضل الاستغفار: حديث أبي سعيد رضي الله عنه يرفعه: “إن الشيطان قال: وعزتك يا رب لا أبرح أغوي عبادك ما دامت أرواحهم في أجسادهم، فقال الرب تبارك و تعالى: وعزتي وجلالي: لا أزال أغفر لهم ما استغفروني”([1]).

ولا ننسى سيد الاستغفار كما سماه بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعن شداد بن أوس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و سلم قال: “سيد الاستغفار أن تقول: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء لك بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت. من قالها من النهار موقنا بها فمات من يومه قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة و من قالها من الليل وهو موقن بها فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة” -رواه البخاري-.

8- وقفة مع حديث في فضل الاستغفار:

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن عبدا أذنب ذنبا فقال: رب أذنبت فاغفره فقال ربه أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي ثم مكث ما شاء الله ثم أذنب ذنبا فقال: رب أذنبت ذنبا فاغفره فقال ربه: أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي ثم مكث ما شاء الله ثم أذنب ذنبا قال: رب أذنبت ذنبا آخر فاغفر لي فقال: أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به؟ غفرت لعبدي فليفعل ما شاء “-متفق عليه-.

“قال بن بطال في هذا الحديث: أن المصر على المعصية في مشيئة الله تعالى إن شاء عذبه وإن شاء غفر له مغلبا الحسنة التي جاء بها وهي اعتقاده أن له ربا خالقا يعذبه ويغفر له. واستغفاره إياه على ذلك يدل عليه قوله: “من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها”، ولا حسنة أعظم من التوحيد. فإن قيل إن استغفاره ربه توبة منه، قلنا ليس الاستغفار أكثر من طلب المغفرة وقد يطلبها المصر والتائب ولا دليل في الحديث على أنه تائب مما سأل الغفران عنه لأن حد التوبة الرجوع عن الذنب والعزم أن لا يعود إليه والإقلاع عنه، والاستغفار بمجرده لا يفهم منه ذلك -انتهى-.

وقال القرطبي في المفهم: “يدل هذا الحديث على عظيم فائدة الاستغفار وعلى عظيم فضل الله وسعة رحمته وحلمه وكرمه لكن هذا الاستغفار هو الذي ثبت معناه في القلب مقارنا للسان لينحل به عقد الاصرار ويحصل معه الندم فهو ترجمة للتوبة ويشهد له حديث “خياركم كل مفتن تواب”([2]) ومعناه الذي يتكرر منه الذنب والتوبة فكلما وقع في الذنب عاد إلى التوبة لا من قال استغفر الله بلسانه وقلبه مصر على تلك المعصية فهذا الذي استغفاره يحتاج إلى الاستغفار.

قال القرطبي: وفائدة هذا الحديث أن العود إلى الذنب وإن كان أقبح من ابتدائه لأنه انضاف إلى ملابسة الذنب نقض التوبة لكن العود إلى التوبة أحسن من ابتدائها لأنه انضاف إليها ملازمة الطلب من الكريم والإلحاح في سؤاله والاعتراف بأنه لا غافر للذنب سواه.

وقال النووي: في الحديث أن الذنوب ولو تكررت مائة مرة بل ألفا وأكثر وتاب في كل مرة قبلت توبته أو تاب عن الجميع توبة واحدة صحت توبته.

وقوله اعمل ما شئت معناه ما دمت تذنب فتتوب غفرت لك.”([3]).

——————————–

([1] ) رواه الحاكم والبيهقي وصححه الألباني في الصحيحة تحت رقم:104.

([2] ) الحديث بهذا اللفظ  رواه البيهقي وضعفه الألباني، وهناك ما يغني عنه وهو حديث ابن عباس رضي الله عنه يرفعه: ” ما من عبد مؤمن إلا و له ذنب يعتاده الفينة بعد الفينة ، أو ذنب هو مقيم عليه لا يفارقه حتى يفارق الدنيا ، إن المؤمن خلق مفتنا توابا نساء ، إذا ذكر ذكر ” .”-الصحيحة رقم:2276-.

([3] ) فتح الباري: 13/471-472.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *