بدأت القصة السياسية الظاهرة للبوليزاريو بحركة تحرير الصحراء، “MLS”، ثم أخذت مكانها جبهة البوليزاريو، وجبهة البوليزاريو اختصار لـ”Frente Popular de Liberación de Saguia El Hamra y Río de Oro”، أي الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب ، فهي إسبانية النشأة والصنعة والتسمية، شيوعية الفكر، عقيدتها الزندقة.
بدأت قصة البوليزاريو المسلحة بجماعات من الثائرين يساندها المرتزقة الشيوعيون من ليبيا وما حولها، ومن كوبا وغيرها، وكان الجامع بينهم المال والأيديولوجيا، وقد كانت كوبا الشيوعية تدعم كل ما تسميه حركة ثورية شيوعية في العالم، وقد كان للطبيب الشيوعي الثوري تشيكيفارا صولات وجولات في أفريقيا لدعم حركات التمرد الشيوعية فيها، وكان أسرى الكوبيين في يد الجيش المغربي دليلا على تورط كبير للثورة الكوبية الشيوعية الدائرة في فلك الاتحاد السوفياتي الشيوعي سابقا، وكان الشباب الصحراوي يسافر إلى كوبا وإسبانيا للدراسة، والعودة إلى المخيمات للمساعدة في بناء دولة، تحولت إلى كابوس يفسد النفس والهوية.
كانت البوليزاريو ولا تزال تحظى بدعم الأحزاب الشيوعية الماركسية في العالم، في إسبانيا من الـ”PCPE” والـ”PCE” والحزب الشيوعي الأندلسي”PCA”، والبرتغال من الـ”PCP”، والبرازيل من الـ”PCdoB”، والأرجنتين، وروسيا من الـ”PCFR”، والذي أرسل إليها رسالة مواساة وتضامن في شهر يونيو الماضي، ومن الحركة الشبابية للحزب الشيوعي الفرنسي، بل ومن الحزب الشيوعي الفليبيني ال”PKP” ،والحزب الشيوعي في فنلندا، والحزب الشيوعي السويسري، وهلم جرا الأحزاب الشيوعية العالمية…مهزلة وأية مهزلة.
من السهل جدا ربط قضية الصحراء المغربية بفرنسا، عبر جنرالاتها في الجزائر، فهم يدها الطولى في المنطقة، وقد قطعت لهم يد أخرى كادت تفتك بالبلاد والعباد وتدخلها في خضوع مطلق بتحويلها إلى ولاية في الجمهورية الفرنسية، فبعد فشل الانقلاب الأوفقيري، والذي انكشف ولاؤه الفرنسي بعد محاولته اللجوء إلى دولة الخلافة الفرنسية، أصبحت الأمور واضحة باعتبار المقاصد، لكنها صارت أكثر تعقيدا باعتبار العلاقات، ودخلت بسببها كثير من الأيادي الطامعة في استغلال القضية لمصالحها القومية.
أما عن الصهاينة، فلا ننسى اللقاء الغريب بين المبعوث الإسرائيلي أيوب كارا وإبراهيم غالي زعيم البوليساريو بالإيكوادور يوم 24 ماي سنة 2017، وهو أمر أحرج السلطات الصهيونية، وبردت نار القضية بمرور الزمن، لكنه لم يبدد الشكوك، ولم يمنع تحولها إلى تهمة.
ستحل بالمنطقة البعثة الأممية المكلفة بتنظيم الاستفتاء بالأقاليم الصحراوية “مينورسو-MINURSO” سنة 1985م، وسيطول الأمد على القضية، ويطول، وتكشف أوراق ملف الصحراء المغربية وأزمتها أمام عيون العالم، في جل مؤسسات الأمم المتحدة، وتحولها إلى قضية دولية تناقش على موائد مجلس الأمن الدولي، وبعد دخول هيئات الأمم المتحدة إلى الصحراء ومراقبتها ما يجري توقف تدفق السلاح الآتي من الشرق إلا ما كان خفيفا مهربا، وبعد مقتل القذافي، وجفاف منابع السلاح والمال، رأت زمرة المرتزقة أن تحافظ على رصيدها المتبقي من السلاح، ومع طول زمان تخزينه، واعتلاء الصدء على غالبه في حالة حرجة، كان لابد من حركة مذبوح أخيرة.
استطاع المغرب بديبلوماسيته الناعمة والضاغطة معا أن يحيّد الدعم السياسي والاجتماعي الإسباني عن حثالة المرتزقة، بعد تحييدها عسكريا بعد المسيرة الخضراء، فقد كانت عائلات إسبانية تتولى تربية وتعليم كثير من أبناء الصحراء وتثقيفهم بثقافة البغض لبلدانهم وشحنهم بصور لأحلام الثورة والانفصال، والآن آل الأمر إلى انفصال هذا الدعم عن هؤلاء الراغبين في الانفصال لإقامة دولة مخيمات.
استطاع الحزام الرملي العجيب، وقمراه الصناعيان، وتطوير الجيش المغربي في العتاد والتدريب من تجاوز الأزمة عسكريا، ولولا وجود “تندوف” في أراضي جزائرية لكان الأمر انتهى قبل زمن بعيد، لكنه ظلم ذوي القربى.
الذكاء السياسي، وطول النفس، والهدوء الديبلوماسي، وتقوية الترسانة العسكرية، وتطوير الأداء السياسي الخارجي، وإقامة أحلاف مختلفة، وانقال المعركة إلى الفضاء، ضيق الخناق على أطراف القضية الآخرين، وما يحصل اليوم في الكركرات وغيرها دال على أن نقص هواء التمرد، وضعف التغذية السياسية والمالية أصاب المخيمين في الصحراء بهزال وانتفاخ في بطن الأزمات، وانفض عنه الآباء المؤسسون لتمردهم، فتحولوا إلى أيتام على موائد الأسد المغربي والفيل والحمار الأمريكيان، ولم يبق إلا الديك الفرنسي تحت أشعة شمس الصحراء الحارقة.
تعد الصحاري اليوم من المؤهلات الاقتصادية الواعدة في باب الطاقات المتجددة، بل والقديمة، فالطاقة الشمسية فيها لا تحتاج إلا إلى محطات استقبال للأشعة، لتحصل على كميات هائلة من الطاقة الرخيصة جدا، والمستمرة، زيادة على مصادر طاقية أخرى كالفوسفاط والبترول وغيرها.
وقد صارت قضية الصحراء المغربية جزءا من المفاوضات السياسية والاقتصادية العالمية، وعنصرا مهما في المعادلات الاقتصادية والأمنية، واستنزفت الكثير من وقت ومقدرات البلاد والعباد، ولكنها أيضا استنزفت الطرف الآخر وداعميه، ورقعة الدعم الخارجي لهؤلاء المخيمين تتمزق وتتفتت خيوط عقدها يوما بعد يوم.
الحالة البوليزارية اليوم حالة فئران يتيمة جائعة، خرجت من جحورها، فوجدت أسودا رابضة.