القمار.. مشتت الأسر ومخرب الديار ذ.أحمد اللويزة

كثيرا ما تصدح حناجر هواة الكلام من مسؤولين سياسين أو جمعويين وغيرهم بالحديث عن الأمن الأسري وضمان عيش كريم لكل أسرة، وصيانتها من التفكك والتشرد والضياع الذي يفرز ظواهر اجتماعية غير مرغوب فيها كتعاطي المخدرات والدعارة والتسول واللصوصية وقطع الطريق وهلم جرا..

هذا الواقع الذي يكلف الدولة كثيرا وما لا قبل لها به من أجل معالجته والقضاء عليه، وحديثنا هذا بمناسبة إقرار بعض القوانين والتشريعات التي يظنون أنها وحدها الكفيلة بالقضاء على كل الظواهر المشينة، ومن هذا مدونة الأسرة التي قالوا أنها جاءت لضمان استقرار الأسرة وحماية الطفولة والنساء من هضم حقوقهم إذا ما قدر الله الفراق بين الزوجين؛ والذي تسعى المدونة كما قالوا للتقليل منه تقليلا لما يترتب عليه.
الأمر نفسه يقال عن مدونة السير حديثة التفعيل من أجل التقليل من الحوادث التي تخلف أرامل وأيتاما عرضة للضياع. أو حين يسيرون قوافل أو ينظمون منتديات أو أوراشا للحديث عن الخمر والمخدرات وغيرها فالحفاظ على استقرار الأسرة وحماية الطفولة والمرأة حاضر في كل محطة من هذه المحطات.
إن ما ذكر لأمر جد إيجابي تتفق الشرائع على استحسانه والترغيب فيه؛ لكن في زمن الرأسمالية المتوحشة والمتحكمة في رقاب الناس في مشارق الأرض ومغاربها تمسي هذه المبادئ والقيم سلعا للمتاجرة في سوق العولمة؛ ومناط مزايدات سياسية واقتصادية لأن من يروم الربح في ظل النظام الرأسمالي لا يسأل عن القيم ولا يبحث عن المصلحة العامة ولا يلتزم درء المفسدة، ولذلك حينا يركب على القيم إذا كانت ستجلب له مزيدا من المال، وحينا يطؤها بقدميه نكاية فيها إذا كانت ستحول دون تحقيق أرباح هامة.
ومناسبة الكلام هنا ما نشاهده ولا يخفى -بعد أن كان يخفى- من توغل للقمار في بلد الإسلام والمسلمين ونص الدستور على إسلامية البلد؛ وإنه لأمر يصيب بالحيرة وعسر الفهم حين يريد الإنسان تركيب صورة عن الوطن فيعجز أن يجمع بين أجزائها المتناقضة، إذ كيف يعقل أن يمكن لألعاب القمار ويغرى بها سفهاء الأحلام وعميان البصيرة من المسلمين وحشرهم بين كماشتي وحش لا يرحم ولا يسمع أنات المتوسلين الذين صاروا لحتفهم بظلفهم بعد أن أغرتهم الدولة من خلال الترخيص في الاشهار ببريق الربح السريع الخادع الذي جاؤوه جماعات ووحدانا فلم يجدوه كما صور لهم، ووجدوا عنده الافلاس والإدمان والتشتت والانتحار.. ولا زال الوافدون يلتحقون وقد بلغوا في آخر إحصائية ثلاثة ملايين قمّار يتم التغرير بهم عن طريق الاشهار المليئ بالوهم والخداع.
حماية الأسر من التفكك، والأبناء من الضياع، والزوجات من انتهاك حقوقهن، وسلامة المجتمع من اللصوص الذين يلجؤون للسرقة من أجل إشباع إدمانهم على القمار، وما يتبع ذلك من مشاكل لا حصر لها يقال أن الدولة تسعى للقضاء عليها، والحقيقة أننا لا نفهم ولن يفهم أحد كيف أن الدولة التي تروم حماية حقوق المرأة والأطفال هي نفسها التي ترعى القمار الذي تجتمع فيه كل الموبقات السالفة الذكر، فالقمار أخو الخمر وهو رجس من عمل الشيطان ولا خير في عمل يدعو إليه الشيطان إطلاقا، فكيف يتم تبني دعوة إبليس والسهر على أن يدخل هذا البلاء إلى كل البيوت المغربية المسلمة والتي لا تنتهي مشاكل أغلبها حتى تبتلى بأخرى؟
إن الأموال التي تنفق من أجل تحقيق مصالح ودرء مفاسد نتيجة بعض الظواهر الاجتماعية يعد ضربا من العبث إذا كان المرء يبني بيد ويهدم بالأخرى، فلا يعقل أن يتم الترخيص لحوالي 1700 محل للقمار وتسع كازينوهات؛ ناهيك عن المحلات غير المرخصة؛ والكل في تزايدـ المحلات والزبناءـ تزايدا لا يُدرَى ما حده ما دامت الدولة تشجع على ذلك عن طريق الإشهار وتنظيم المسابقات الدولية كما في السنة الماضية وهذه السنة أيضا بمدينة يوسف بن تاشفين، ليصبح المغرب وجهة للباحثين عن الحظ بعد أن صار قبلة اللاهتين وراء الجنس، والكل بدعوى تشجيع السياحة واستقطاب الزوار وللأسف أنه لم يعد لدينا ما نستقطب به السياح إلا الرذائل والتي تعني أننا لا نستقبل من العالمين لزيارة أجمل بلد في العالم إلا أراذل القوم وأنذالهم فيا سبحان رب العالمين.
أما عن أهل بلدي المسلمين -يا حسرة!- والذين يعلمون حرمة الميسر والقمار لكن ضعف الإيمان والطمع في الاغتناء بضربة حظ عابرة لمواكبة بريق الحضارة الذي يعمي الأبصار عن إدراك الحقيقة إلا بعد فوات الأوان، حين يجد المرء نفسه عرضة للإدمان يصاحبه إفلاس مادي وأخلاقي فيقع ما كانت الدولة تحاول الحد من انتشاره وانتشاله، فيلجأ المدمنون إلى السرقة أو بيع الأثاث وتشتيت الأسرة والطلاق وتشرد الأبناء إن لم يراهن بهم على مائدة القمار كما ذكرت الأخبار عن مواطن هندي انتهى به المطاف إلى المراهنة بابنته وقد خسرها أيضا فيما خسر، فاللهم سلم سلم.
وقد تكون النهاية الانتحار إذا كان المقامر مكبلا بديون يعجز عن تسديدها أو مواجهة المجتمع الذي يسير في طريق التطبيع مع هذه الموبقة التي لاتبقي ولا تذر حتى يصير الأمر عاديا وربما يصير القمار هَمَّ أسرة بكاملها تشارك فيه بالرأي والمشورة.
ولعمري هذه بداية النهاية للمجتمعات التي لا تقيم للقيم وزنا فـ:
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت*** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا.
قد يكون هذا المقال صرخة في بئر وصيحة في واد مصيره الإهمال كما هو شأن كثير من الكتابات التي حذرت من مغبة زحف القمار على رقعة الوطن من شماله إلى جنوبه يخرب الديار ويشتت الأسر ويفني الأعمار، ولكن معذرة إلى ربنا ولعلهم ينتهون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *