“يا منــافـق” إلياس الخريسي

نحن في زمن أصبح فيه كل من يدعوا إلى الله والأخلاق الإسلامية والعفة يُـتّهم بالنفاق، حتى أصبحت تهمة النفاق توزع بسخاء على كل من ظهرت عليه صفات الالتزام بالدين كاللحية والحجاب، وتكفي إطلالة سريعة على تعاليق الشباب في صفحات الفايسبوك لتعرف مدى تفشي هذه الظاهرة الخطيرة في كل الأوساط.
ولعل خطورة هذه الظاهرة تتجلى في أن النفاق أخطر من الكفر، والمنافقين هم أشد خطورة على الإسلام من الكفار كما أنهم يتبوؤون الدرك الأسفل في جهنم كما قال الله تعالى في القرآن: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} (سورة النساء).
وبالتالي يصبح الاتهام بالنفاق أو (التّـنفيق) كالتكفير.. وكل من يقذف الناس بالنفاق يحق لنا أن ندعوه (تنفيقي) تكفيري.. أوليس التنفيق هو التكفير بعينه..!!؟؟
لعل الجهود التي يبدلها الإعلام الواطي في بلادنا قد نجحت نسبيا في زرع المفاهيم المغلوطة في عقول الشباب، وذلك عبر توظيف الأعمال الفنية الهابطة التي تصوّر الملتحي بصورة بشعة تتنافى مع حقيقة الملتحين الذين اختاروا إعفاء اللحية إتباعا لسنة رسول الله، وتتعارض كليا مع صورة المحجبة التي اختارت أن ترتدي الحجاب لا لشيء إلا لأن الله أمر به النساء المؤمنات.
هذه الحقيقة التي كنت أجهلها قبل سنوات، ولقد كنت أعتبر الملتحين متشددين ومتزمتين يكرهون الحياة..، ولكن بعد التزامي بديني عاشرت ملتحين وتعرفت عليهم عن قرب وعرفت أنهم أناس ككل الناس، يضحكون ويمرحون يخطؤون ويصيبون ويعيشون حياة عادية جدا، وهذه الصورة لا علاقة لها بما يروج له الإعلام الهابط.
نعم، يوجد بعض الملتحين الذين أساؤوا للحية، وتوجد بعض المحجبات اللواتي أسأن للحجاب، أو بالأحرى هم فقط ارتكبن أخطاء بشرية عادية ككل الناس، ولكن هذه الأخطاء هي حجة للإسلام عليهم وليست حجة ضد الإسلام، وهذه الأخطاء ليست مبررا لتلصق بهم وبكل الملتزمين الذين ظهرت عليهم علامات الصلاح والإصلاح تهمة النفاق.
وبالرغم من أن الله في القرآن بين في الآيات (133.134.135) من سورة آل عمران أن المتقين هم أيضا معرضون للوقوع في الفاحشة دون أن ينفي عنهم صفة التقوى بعد فعلها، إلا أن الأغلبية الساحقة من الناس لا تعترف بهذا التنبيه القرآني ولا تتعامل على أساسه، فما أن يقع أحد من المعروف عليهم الصلاح والإصلاح، والمحافظة على الصلاة أو إعفاء اللحية أو الحجاب في محظور حتى يتكالب عليه الجميع ويلصقون به صفة النفاق.
الإنسان بطبعه ينسى كل الإيجابيات ولا يتذكر إلا السلبيات، يرى النقطة السوداء ولا يرى البياض المحيط بها من كل الجوانب، الإنسان قاسي في حكمه وغير منصف في أغلب الأحيان، فحتى إذا تاب العبد وندم على فعله لا تفتأ ألسنة الناس تقف من الكلام في الماضي ومن تذكر الذنب الذي وقع فيه، بل ويتعاملون معه على أساسه بريبة وحذر وكأنهم يقولون له:
{نفضل أن لا تتوب وأن لا تخلط عملا صالحا وآخر سيئا، بقاؤك على حالك في مستنقع الذنوب أفضل عندنا من أن تدعي الصلاح وتظهر عليك علاماته ثم ترتكب أخطاءنا البشرية، إذا اخترت الصلاح فلا يقبل منك إلا أن تكون مخلوقا ملائكيا لا يخطئ أخطاءنا البشرية، لا يليق بك أن تغضب أو أن ترفع صوتك حتى، ويجب أن تغض بصرك كل الغض فالنظرة الأولى ليست لك بل هي الثانية عليك…إلخ}
سبحان الله، سبحان من يغفر الذنب ويفرح بالتوبة ويبدل السيئات حسنات، سبحان الرحمن الرحيم الذي نعود لنفس الذنب مرة أخرى ثم نتوب منه مرة أخرى فيقبل توبتنا ويفرح بنا مرات ومرات ولا يمل حتى نمل، وباب التوبة مفتوح لنا في كل حين، سبحان من قال نبيه الذي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى صلى الله عليه وسلم: (لو لم تذنبوا لذهب الله بكم وجاء بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم).
ولهذا يجب علينا أن نتقي الله في أنفسنا وفي إخواننا، فلا وجود لبشر معصوم من الخطأ، ولعل التحقير والاستهزاء والشماتة ورمي الناس بالنفاق أعظم عند الله من الذنب نفسه الذي ارتكبه الملتزم المتقي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *