غزة العزة بين تواطؤ العلمانيين ومكر الشيعة مصطفى الحسناوي

قبل أن يتحرك اليهود لشن حربهم على المستضعفين من النساء والولدان, تحركوا باتجاه أنظمة عربية وإسلامية مرتبطة بهم, باعت الدين والأرض والعرض, وكان لابد ليهود من هذا التحرك تجاه أصدقائهم أو لنقل إخوانهم. لضمان الحد الأدنى من الاطمئنان على الغلق المحكم للمحرقة التي ستزهق فيها أرواح المستضعفين من النساء والولدان.

داخل هذا الفرن رأبنا شموخا وعزة وإباء, لا يكتسبها الإنسان, إلا من عقيدة راسخة وإيمان قوي, لا يكتسبها إلا المسلمون الصادقون.
على هامش هذا المشهد البطولي الذي أبهر العالم, و أرغم التاريخ على تسجيل هذه البطولات والتضحيات للأجيال القادمة على صفحاته الخالدة, على هامش هذا المشهد الأخاذ المؤثر, كان للتاريخ موعد مع مشاهد أخرى, لم يمنعه من عدم تسجيلها إلا الأمانة, رغم حقارتها ونذالتها ومكرها.
انقسمت الأنظمة الحاكمة بخصوص هذه المحرقة:
بين متواطئ مشارك في عملية قتل المستضعفين, يرى أن حرب اليهود حربه ومعركتهم معركته, وأن مشروع حماس وتجربتها يجب أن تنتهي لتكون عبرة لصاحب أي مشروع إسلامي.
وبين صامت متخاذل يخشى الناس والله أحق أن يخشاه, لا يرى في القضية إلا زعزعة لأوضاعه الداخلية وتأثيرا على السير العادي لمجريات الأمور. يتمنى أن ينتهي هذا الكابوس بأي شكل من الأشكال, ولينتصر اليهود أو ليباد مسلمو غزة، أو ليقع ما يقع .
وقليل من هاته الأنظمة من امتقع وجه قادتها، وتغير لونه, والله أعلم بسره.
وطبعا كانت جوقة العلمانيين أو من يسمون أنفسهم بالمثقفين والباحثين والصحفيين، تطبل لهذا النظام تارة، وتزمر للآخر أخرى، صابة جام غضبها على المقاومة ومشروعها، بل حتى على الإعلام الذي يفضح مذابح اليهود. متهمة إياه بعدم الحياد، والتواطؤ مع المقاومة؟
عودة إلى المشهد الأخاذ, توالت الضربات جوا وبرا وبحرا, وكان سلاح المستضعفين الصبر والتضرع إلى الله, وحمده وشكره, على ما أعطى, وعلى ما منع. وبوسائل محدودة ويسيرة سطر الأبطال أروع الملاحم ولقنوا أحفاد القردة والخنازير دروسا بليغة, وأصابوهم بالذعر, ورسموا أروع صورة للبطولة في زمن التخاذل والمكر. ولم يعكر بهاء هذه الصورة وروعتها إلا دخول مشهد آخر على الخط.
مع توالي زخات القذائف والقنابل والرصاص, كانت الخطب والتهديدات تتوالى من الآيات والمراجع والقادة الشيعة, وفي كل مرة كنا نسمع تهديدا مجلجلا, وفي كل لحظة يقرع مسامعنا وعيد مزلزل, حتى فاقت التهديدات عدد الغارات، بل فاقت عدد الضحايا.
محرقة غزة لم ير فيها حسن نصر زعيم الحزب الشيعي في لبنان, سوى فرصة لتمرير أيديولوجيته, والترويج لعقيدته, من تحت ستار التهديدات العنترية, التي لا أثر لها على الواقع, بل هي صيحات فرزدقية تهدد ولا تحدث فعلا.
أقسم الفرزدق أن سيقتل مربعا *** أبشر بطول سلامة يا مربع
وهو نفس الشيء الذي استغله وأداره ببراعة ماكرة كل زعماء الشيعة, الذين تحدثوا بالمناسبة وركبوا الحدث. وهاك لقطتين تكملان هذا المشهد المخزي:
اللقطة الأولى, سارع الحزب الشيعي في لبنان, لنفي أي مسؤولية أو علاقة له بالصواريخ التي أطلقت صوب الكيان الصهيوني من جنوب لبنان, مما يعني أن هذا الحزب ليس له أي نية في استهداف الصهاينة للتخفيف عن مسلمي غزة, وتشتيت قدرات العدو وإرباكه, وهي فرصة ذهبية لا تعوض، خاصة لمن يعتبر أن مشروعه هو إزالة دولتهم من الوجود, فإذا لم تستعمل ترسانة الأسلحة التي يمتلكها هذا الحزب في هذا الوقت العصيب فمتى ستستعمل؟
وإذا كنا نتحدث عن جهاد بمفهومه الشرعي, فأين هو واجب النصرة؟
وأين هو جهاد الدفع الذي لا يشترط له شرط, وأين هو القتال في سبيل المستضعفين؟
لكن ليس هذا هو الجهاد الذي يقصده هذا الحزب قطعا, إنه جهاد آخر بمواصفات أخرى وأجنداة أخرى, نصرة المسلمين وإنقاذ المسجد الأقصى, قطعا ليس من أهدافه, والذي شارك في إبادة أهل السنة بمخيم نهر البارد, لن يجد غضاضة في التفرج عليهم وهم يبادون, وبمقدوره أن يفعل لهم شيئا, بل سيصعد فوق دمائهم ويرقص على جراحهم وآلامهم لتحقيق مكاسب سياسية وشعبية وسط بعض المغفلين من أهل السنة.
اللقطة الثانية, فتحت في إيران لوائح التسجيل في وجه الراغبين في التطوع للقتال في غزة, ولما احتشد المتطوعون في المطارات, خطب علي خامنئي المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية, من مدينة قم قائلا: ينبغي عليكم أن تنتبهوا إلى أننا لا نستطيع أن نفعل شيئا في هذا المجال, وبمكر عبر لهم عن شكره الجزيل.
طيب إن كانت إيران لا تستطيع فعل شيء, فلماذا هذه الشعارات؟ ولماذا تفتح أصلا هذه اللوائح؟ أم هو المكر ودغدغة المشاعر واستغلال العواطف؟
خلاصة القول أن الشيعة طائفة مختلفة عنا عقيدة ومذهبا وفكرا, تعمل وتجد وتسعى لتحقيق أهدافها, ونشر عقائدها وأفكارها, وعلينا أن نعي أن كل تحركاتها إنما بدافع تحقيق مصالحها, وإذا حدث وتعارضت مصالحها مع مصالح المسلمين, فأمر بديهي أن تقدم مصلحتها, حتى لو أدى الأمر إلى تدميرنا وقتلنا, ولنا في التاريخ عبرة, وما شيعة العراق عنا ببعيد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *