نقد فكر الفيلسوف ابن رشد الحفيد نقد موقف ابن رشد في موضوع وجود الله وصفاته وخلقه للعالم

والنموذج الرابع يتمثل في أن ابن رشد انتقد الأشاعرة في أن إثباتهم للصفات قد يُؤدي إلى تعدد القدماء، بمعنى أنه قد يُؤدي إلى تعدد الآلهة، ونسي نفسه بأنه هو شخصيا قال فعلا بتعدد الآلهة، عندما قال: إن العقول المفارقة أزلية عاقلة، وذات طبيعة إلهية، ومُتصرفة في العالم، أليس هذا قول بتعدد الآلهة، وهو تناقض واضح مع انتقاده الذي وجهه إلى الأشاعرة؟!.
وثانيا إن بعض الفلاسفة الإرسطيين المشائين المسلمين لما أدركوا مدى مخالفة إلهيات أرسطو لدين الإسلام، حاولوا التخفيف من التعارض الصارخ بينهما في بعض المسائل، منهم أبو علي بن سينا، إنه في صفة العلم لم يقل برأي سلفه أرسطو بأن الله لا يعلم إلا ذاته، وإنما قال: إنه يعلم الكليات، ومنهم أيضا ابن رشد نفسه، فإنه قام بهذا الدور باستخدامه للتأويل التحريفي، وقد ذكرنا على ذلك أمثلة كثيرة، ونورد هنا مثالا مُعبرا لم يسبق ذكره، ومفاده أن الباحث المغربي طه عبد الرحمن ذكر أن ابن رشد – في شروحه وتلخيصاته لكتب أرسطو- كان يتصرف في المصطلحات اليونانية حتى وصل به الأمر إلى ما يُشبه التحريف لتجميل فلسفة أرسطو، وتقريب مضامين بعضها تقريبا إسلاميا، فيجعل (من أطلس، الإله اليوناني ملكا، وفي موضع آخر يُؤوّل اسم الجنس: الإله، بمعنى الفلك)، وعمله هذا هو عمل خطير جدا، يطعن في أمانة ابن رشد العلمية، ويهدف إلى أرسطة الإسلام، وإخفاء شناعات وخرافات إلهيات اليونان، تقريبا لها من الإسلام، ونشرا لها بين المسلمين، وتجميلا لوجهها الصابئ الشركي.
وثالثا إن الناظر في إلهيات أرسطو – التي انتصر لها ابن رشد- بموضوعية، يتبين له بجلاء، أنها ديانة أرضية شركية، تقوم على تعدد الآلهة المتمثلة في: المحرك الأول، وهو كبيرها، ثم صغار الآلهة وهي: العقول المفارقة الأزلية ذات الطبيعة الإلهية، والعاقلة المريدة المختارة المتصرفة في العالم، ولها صفات كمال لا يتصف بها حتى المحرك الأول، فهذه المعطيات شاهدة على أن ابن رشد كان متبنيا و منتصرا لإلهيات شركية تقوم على تعدد الآلهة!!.
وإتماما لما ذكرناه، أُشير هنا إلى أربعة أمور تتعلق بموقف ابن رشد من القضايا التي سبق التطرق إليها، أولها أن ابن رشد وقع في تناقضات في موقفه من الصفات وإلهيات أرسطو، أذكر منها سبعة نماذج: الأول مؤداه أن ابن رشد قال بأن الله مُتصف بالفعل والخلق من جهة، وقال بأزلية العالم والضرورة من جهة أخرى، وهذا تناقض واضح، لأنه إذا كان العالم أزليا بالضرورة، فلا فعل ولا خلق ولا إرادة!!.
والنموذج الثاني مفاده أن ابن رشد قال: إن العشق هو الذي حرّك العالم تجاه معشوقه – أي الله- عشقا له وتشبها به، لكنه – أي ابن رشد- من جهة أخرى وصف الله بأنه فاعل للعالم ومُخترع له، وهذا تناقض بيّن، لأن حقيقة الأمر أن الله ليس فاعلا ولا مبدعا، وإنما هو معشوق للعالم الأزلي من دون فعل ولا إرادة منه، لأن المحرك الحقيقي للعالم هو العشق، وبمعنى آخر أن العالم حرّك نفسه بعشقه لمعشوقه الذي هو علة غائية له!!.
والنموذج الثالث مفاده أن ابن رشد ذكر أن القرآن الكريم أثبت وجود الله بدليل الخلق والاختراع للعالم، وانتصر لطريقة القرآن هذه في كتابه الكشف عن مناهج الأدلة، لكنه في مؤلفاته الفلسفية كتلخيص ما بعد الطبيعة، وتلخيص السماء والعالم، نسي طريقة القرآن، وقرر خلافها عندما قال فيها بأن العالم أزلي بالضرورة، فأين الخلق والاختراع؟!.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *