فوضى المفاهيم آلية تدمير علمانية للهوية الإسلامية المغربية “الأمهات العازبات” نموذجا

فوضى.. ثم فوضى.. ثم فوضى.
فوضى في الاقتصاد، وفوضى في الاجتماع، وفوضى في السياسة، وفوضى في الثقافة.
“فوضى” هي الانطباع الذي لا يمكن أن تجد لنفسك بُدًا من الشعور به وأنت تراقب ما يجري على أرض المغرب.
جراء هذه الفوضى، مفاهيم كثيرة دخلت العقل المغربي وأخذت مكانها في نظامنا الاجتماعي والثقافي والسياسي، وأقحمت في إعلامنا المرئي والمسموع والمكتوب، لتصبح متداولة في خطابنا رغم ما تحمله من خطورة على هويتنا وقضايانا الدينية والتاريخية.
فكيف يمكن القبول مثلا، بمفهوم “الأم العازبة” وما يقتضيه هذا القبول من تخلٍّ عن كثير من المفاهيم الصحيحة المناقضة لهذا المفهوم الفاسد الذي لا يمكن أن يُنتَج في بيئة إسلامية؟
وكيف يمكن أن نتصور معنى للأمومة خارج مؤسسة الزواج؟
وكيف يمكن أن نتصور عازبة تلد من دون زوج؟
وكيف انتشرت الظاهرة حتى احتجنا إلى مؤسسات اجتماعية للتخفيف من آثارها وليس محاربتها أو القضاء عليها؟
إذا لن يقبل المجتمع المغربي المسلم بحمولة هذا المصطلح وما يشبهه، إلا إذا تغيرت القناعات، ولن تتغير القناعات إلا إذا تغيرت المرجعية، فتستبدل بمرجعية تماثل مرجعية المجتمعات التي أنتجت المصطلح المذكور.
فـ”الأم العازبة/Femme célibataire” مصطلح أنتجته المجتمعات العلمانية الغربية بعد أن تخلت عن دينها في كل تنظيماتها المدنية والعسكرية والقانونية، وتبنت “اللائكية” منهجا ونظاما وفلسفة، ولما أصبح أكثر من 55% مثلا من الولادات في فرنسا خارج إطار الزواج، احتاج الناس إلى اختراع مصطلح يعبر عن الظاهرة ولا يتناقض مع المرجعية الفكرية للمجتمع/”اللائكية”، فظهر إلى الوجود مصطلح “الأم العازبة”، وتبعه مصطلح “الأطفال الطبيعيين” وبالتالي تطور المجتمع الغربي فقنن الزنا والبغاء واللواط والسحاق، في انسجام مع المرجعية العلمانية التي لا تملك منظومة للقيم تمنع من ذلك أو تحرمه.
إن أغلب المفاهيم مثل “الأم العازبة” و”الأطفال الطبيعيين” التي يروج لها الغرب والعلمانيون العرب لم تتأسس على أصول الدين الإسلامي وقواعد الشريعة وإنما هي محض استيراد لمُنتج خضع لظروف دينية واجتماعية وسياسية في مجتمع يختلف اختلافا جذريا عن طبيعة وخصائص وخصوصيات بلادنا، ويوظف من أجل خدمة مصالح البلدان التي نشأ فيها.
فلماذا نجبر على القبول بمثل هذه المصطلحات ذات الحمولة العلمانية الخطيرة في المغرب رغم أننا نُعتبر دولة إسلامية، ونتشدق بحماية الخصوصية المغربية “المذهب المالكي و..” بل نُقدم على إقفال أكثر من 65 دارا للقرآن حفاظا على المرجعية والخصوصية؟ بينما مئات الجمعيات العلمانية تعيد صياغة المجتمع المغربي وفق المرجعية “اللائكية” بمساعدة ودعم السفارات والبعثات الثقافية ومؤسسات المجتمع المدني الغربي، في اختراق صريح واضح للهيئات الاجتماعية والجمعوية الوطنية.
فبعد تثبيت مصطلحي “الأم العازبة”، و”الأطفال الطبيعيين”، على مستوى الوعي الجمعي للمغاربة سيأتي لزاما تنظيم الزنا والبغاء واللواط والسحاق، كما هو الحال في الدول الغربية، وسنرى لا قدر الله عقد الزواج المدني الذي يبرمه الرجل والمرأة في المقاطعات الحضرية بدل المحكمة الشرعية، وسنرى البرلمان المغربي يصوت على قانون التبني الذي تضغط الجمعيات الغربية (جمعية إيبي الإيطالية نموذجا) على بعض الجمعيات المغربية المهتمة برعاية الأيتام والأطفال المتخلى عنهم لتتبنى ملف الدفاع والنضال من أجل إقراره.
إننا عندما نعترض على مصطلح مثل “الأم العازبة”، لا نقصد التقليل من أهمية معالجة هذا الملف، وإنما نعبر عن رفضنا للطريقة التي يعالج بها جملة وتفصيلا، لأنها في النهاية لا تحارب الأسباب المنتجة للمعضلة، ولكنها تكتفي بالتخفيف من آثارها، وهذا أسلوب يشجع على استفحال الظاهرة/المعضلة ولا يحد من انتشارها، تماما كما هو الأمر في ملف محاربة السيدا، حيث يُكتفى بتقديم العون للمصابين المبتلين، بينما يُوَعَّى المرشحون للإصابة خصوصا الزناة من الشباب من أجل الوقاية فقط، وتوزع عليهم العوازل الطبية، ويُدرَّسون كيف يمارسون الزنا دون أن يصابوا بالمرض، وهذا لتسريع وتيرة القبول العملي واللاواعي بالمفاهيم العلمانية على مستوى السلوكيات حتى تشيع على مستوى التطبيق، وتطبع على مستوى الممارسة فيسهل الإقرار على مستوى التنظيم والتقنين.
ونتساءل كما يتساءل أغلب المغاربة لماذا -مثلا- لا تحارب الزنا في الملفين معا؟
ولماذا لا تأخذ على عاتقها الناشطات الجمعويات التوعية من عواقب الزنا التي هي أس المشكلتين؟
ولماذا لا يَقُمن باستثمار النظام الإسلامي في تصريف الشهوة في التوعية في حملاتهن ما دمن يخاطبن معنيين مسلمين؟
الجواب معروف لأن الدعم الغربي المالي والفكري واللوجستي والدعائي الذي تحظى به الناشطات في هذين المجالين وجمعياتهن إنما يعطى من أجل حماية المفاهيم التي تحملها مصطلحات الملفين، ومن أجل التمكين للثقافة التي أنتجت تلك المفاهيم. فإذا غابت هذه المقاصد غاب الدعم والتأييد.
فالدول العلمانية الغربية لا تدعم المشاريع التي تخدم الهوية أو الخصوصية بل تقتصر على دعم المشاريع التي تمكن للعلمانية/الثقافة الكونية التي تؤيدها الأمم المتحدة الغربية.
فهذه الحقيقة لا تعد اكتشافا لم يسبق إليه، ولا استسلاما لنظرية المؤامرة بل هو تصريح واضح للفاعلين الغربيين في المغرب حيث لا يخفون حرصهم على دعم القوى “الحداثية/العلمانية” التي تنشط في هاته الميادين، وما دام الغرب لا يعطي صفة “حداثي” إلا لمن يدافع عن ثقافته العلمانية، ويعتبر كل تنظيم يتبنى الإسلام إطارا ومنهجا بالضرورة تنظيما غير حداثي، أي رجعي ظلامي، مادام هذا مبدأه فلا ينتظر منه أن يدعم أي جمعية تدافع عن القيم والمفاهيم الإسلامية، لأنه يعلم أنها مناقضة لثقافته، وسيادتها تعني بالضرورة نهاية استغلاله لثروات البلدان الإسلامية، وانعتاق المسلمين من ربقة فلسفته المادية اللادينية، وهذا بالتحديد ما دفعه إلى محاربة هذه القيم في بلاده¬ -قضية الحجاب، النقاب المآذن- دون اكتراث لمخالفة مبادئه وخرقه لحقوق الإنسان.
لكن المؤسف في قضية هذا التدافع الواقع بين منظومة القيم الإسلامية ومنظومة القيم العلمانية الغربية هو أن الأولى يقوم بالذود عنها والدفاع عن استمرارها الأفراد وبعض الجمعيات بعد استسلام الدول للضغوطات الأجنبية، بينما الثانية فيحرسها الغرب بمؤسساته ومنظماته الوطنية والدولية، ويمكن لها في البلدان الإسلامية عبر مؤسسات العلمانيين وأحزابهم، كما أن هذا التدافع وهذا الصراع باق مستمر ما بقي في المسلمين تشبث بدينهم ودفاع عن هويتهم وصدق الله العظيم إذ يقول: “ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا”. وكل محاولة لرد المسلمين عن دينهم هي بمثابة قتال لهم، إذ لا حياة للمسلمين بدون إسلام، “يأيها الذين آمنوا استجيبوا لله ورسوله إذا دعاكم لما يحييكم..”.
وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم
إبراهيم الطالب/السبيل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *