الاحتفال بعيد العرش المغربي جاء في خضم الصراع الذي قاده علماء الحركة الوطنية لإنهاض الأمة المغربية بتثبيت مقومات دولتها وعلى رأسها مُلك البلاد، الذي عمل الاحتلال جاهدا من أجل فصله عن الأمة بواسطة التغلل الاستيطاني والاختراق الديني والتغريب اللساني.
وكرد فعل على المحتل الذي أراد قطع عرى الصلة بين الراعي والرعية في المغرب، اهتدت جموع الوطنيين إلى الالتفاف حول الملك ونصرته والاحتفال بيوم تتويجه ملكا على جميع أنحاء البلاد لوجوب مساندة الإمام الأعظم، وبذلك شرعت في الاحتفال سنة 1933م.
وأراد المحتل الالتفاف على عملها فسماه عيد التتويج، إلا أن الأمة المغربية أصرت على أن يكون عيدا للعرش لارتباط العرش بالشعب ناسجة شعار الشعب بالعرش والعرش بالشعب، والذي منه نحت شعار المملكة (الله الوطن الملك).
وفي ذلك يقول العلامة محمد المكي الناصري رحمه الله تعالى في جريدة الحياة 17 ماس 1934م: “والواقع أن عيد العرش عيد شعبي قبل أن يكون حكوميا، فقد طالب بإحداثه ممثلوا الشعب.. ورسمية عيد العرش تعتبر انتصارا للشعب.. ونسي هؤلاء القوم (الفرنسيون) أنهم هم الذين دفعوا المغاربة إلى هذا الاتجاه، حيث قصروا الاحتفال بعيد العرش على المسلمين وحدهم، واعتبروا أنفسهم أكبر من أن يحتفلوا بعرش ملك المغرب!” (تحت راية العرش ص:35).
كما تحدث العلامة عبد الله كنون رحمه الله عن ظروف نشأة الاحتفال بهذا اليوم الوطني قائلا: “واغتنمت الحركة الوطنية فرصة التضامن الذي مكن له الظهير البربري بين عناصر السكان، فأوجدت باتفاق مع جلالة الملك المرحوم محمد الخامس مناسبة جديدة لتجسيم الوحدة المغربية وتثبيت السيادة الوطنية هي مناسبة جلوسه على العرش المغربي في 18 نونبر 1927 للاحتفال به، فكان عيد العرش الذي صدر به قرار وزيري في سنة 1934 مظاهرة وطنية تقام كل عام في جميع المدن والقرى، القصد منها دعوة جميع المواطنين للالتفاف حول العرش المغربي والجالس عليه تمسكا بوحدة البلاد وإبرازا لشخصيتها المتمثلة في حكومة السلطان ودولته الشريفة، وكان محمد الخامس إذ ذاك قريب العهد بالجلوس على العرش، وما يزال في فتاء من سنه، ولكن شعوره الوطني العميق وحصافة السياسية التي ظهرت بعد بأجلى مظهر كانا من العوامل الأساسية التي دفعت بالحركة الوطنية إلى الأمام في هذه الخطة الحكمية، وفي غيرها من الخطط والأعمال التي قامت بها لصالح الوطن بتأييد منه ومؤازرته.
إن عيد العرش كان في الأول مظاهرة وطنية، ثم صار بعد ذلك موسما أدبيا تنجز فيه أعمال أدبية رائعة. فمن مقالات في تاريخ الدولة المغربية وعظمة العرش المغربي، إلى خطب في تمجيد الوطنية وجمع المواطنين على خدمة الأهداف المقدسة التي ترمي إليها، إلى قصائد في مدح الجالس على العرش والتنويه بمشاريعه الإصلاحية ولا سيما في التعليم والنهوض بالفتاة المغربية وإنعاش الاقتصاد المغربي، بحيث لما تقدم الأمر بهذه المظاهرة أحدثت جوائز مالية تدفع للمجيدين في الإنتاج الأدبي الذي يصدر على الأدباء شعرا ونثرا في كل سنة بمناسبتها. وحدث بعد سنوات قليلة من وجود عيد العرش أن صار الملك نفسه يحتفل به في القصر الملكي احتفالا يحضره وجوه البلاد وكبار الشخصيات ويلقي فيه الملك خطابا رائعا يتحدث عن أعمال الدولة ومنجزاتها التي تكون في صالح الشعب، ويطالب بما يراه ضروري التنفيذ من الإصلاحات السياسية وغيرها حتى تطور الأمر إلى المطالبة بالاستقلال والحكم النيابي أواخر عهد الحماية”. اهـ