الوجه الخفي للهجومات الجبانة على الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم عبد السلام شفيق

لا زالت المقالات تتوارد على جريدة السبيل بخصوص الملف المخزي الذي أعدته أسبوعية الأيام بعنوان: “الوجه الخفي للخلفاء الراشدين”؛ والذي طعنت من خلاله في الصحابة الكرام.
وحرصا من جريدة السبيل على إيصال كل صوت يستنكر ويشجب الطعن في رموز الأمة وأعلامها وتنويرا للرأي العام ننشر هاته المقالات في هذا العدد.

منذ عصر النبوة والرسالة والخلافة الراشدة لم يفتأ دعاة الفتنة والفرقة والاستئصال، إلى يوم الناس هذا، من تشويه الحقائق وإثارة الشبه المغرضة -تحت أسماء ومسميات- في محاولات بائسة، دالة على بؤس بضاعتهم المزيفة، وعقم فكر مروِّجيها بهدف النيل من الإسلام وأعلامه الخالدين، الذين زكاهم وَحْيُ السماء وشهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصدق والأمانة والإخلاص والوفاء لهذا الدين الحنيف؛ مما جعل الأمة تدين لهم، بكل معان الحب والتقدير والتعظيم.. لمقامهم من رسول الله وطول صحبتهم له صلى الله عليه وسلم، وحملهم راية الإسلام، وقيادتهم للأمة قيادة راشدة، لم يعرف التاريخ لها مثيلا في صلابة عقيدتهم وخشيتهم لله، ومراقبتهم له، وحرصهم على وحدة المسلمين: “أُوْلَئِكَ الَذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ”.

في سياق الحملات الجبانة على مقدسات المسلمين “نشرت” أسبوعية الأيام في عدد: 475 بتاريخ 12 ماي 2011م ملفا بعنوان: “الوجه الخفي للخلفاء الراشدين” (رضي الله عنهم) قدمه صاحبه بانتحال طريقة “الحكواتيين” من البداية، حتى نقطة النهاية!
على هذه الشاكلة: “تحكي كتب التاريخ” (يحكى أن عمر…) (حكاية غار حراء…). على هذا المنوال من “الحكايات نسج “وجهه الخفي”! لدرجة أنه وظف مادة: “حكى” وما اشتق منها: إحدى وعشرين مرة! واستثنى من أسرة “حكى” فعل الأمر: “احك يا شهرزاد”!
تصوروا ملفا صحفيا، يحشى بهذا الكم الهائل من صيغ “الحكي” في أي خانة نصنفه..؟
نحن إذا أمام ملف ذو طابع “حكواتي” يمكن أن يوظف في كتابة قصة خيالية، من نوع هذه القصص الخرافية. أما أن يحرر به موضوع ذو شأن وبال كهذا: “سيرة الخلفاء الراشدين” رضي الله عنهم فذاك أمر دونه خرط القتاد!
تأسيسا على ذلك، فالملف من ألفِه حتى يائه، لا يعدوا أن يكون، تكرارا واجترارا في النقل واللحن والإخراج والعرض، ونسخة طبق الأصل -لتلكم التفاهات والمهاترات، والأساطير والخرافات، التي اعتاد أن يسوقها خصوم الإسلام في ديار المسلمين، عبر أبواق مدفوعة الأجر، فهي كما قيل: “شنشنة نعرفها من أخزم”!
غير هذه المساحيق والأصباغ التي حاول عبثا أن يواري بها وجهه للتطاول على الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم الذي طال حتى الآيات القرآنية والأحاديث التي نقلها نقلا مشوها!.. إلى التخفي والاختباء خلف كتب التاريخ.. ليتسلل من خلالها إلى نسج خيالاته المريضة التي صاغها في قالب من “الحكي” والنقل عن المجهول، بدءا من أول فقرة دشن بها مقاله على غرار قوله: “تحكي كتب التاريخ؟ كيف أن المسلمين اختلفوا… ولم يختلف كبار الدولة الإسلامية حول قضايا الدين… ولكن الخلاف كان حول من يتولى شأن هذه الدولة بعد النبي صلى الله عليه وسلم.
استهل ملفه بهذه المعزوفة الممجوجة لشخص مأفون من بلاد الشرق ليزعم أنه أتى بجديد، وهو غارق في التقليد، وليوهم القارئ بأن الصحابة الكرام رضي الله عنهم الذين هم خير خلق الله بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكونوا مهتمين بشأن الدين!.. بقدر ما كان يشغلهم الطموح إلى الزعامة والخلافة!.. ولهذا اختلفوا حول الخلافة ولم يختلفوا حول قضايا الدين!
كلام متهافت، ومغالطة مكشوفة!
فأي غضاضة في أن يختلف الصحابة الكرام رضي الله عنهم حول (قضايا الدين) أو حول الخلافة؟
فهل الاختلاف -أساسا- محظور في الدين..؟
للصحابة الكرام رضي الله عنهم أن يختلفوا.. وما يضيرهم أن يختلفوا فيمن ينوب عن الأمة بعد وفاة نبيها عليه الصلاة والسلام؟
فالخطب جلل، والمقام عظيم: خلافة الأمة، وما أدراك ما خلافة الأمة! التي لا يحسم فيها الأمر برأي شخص واحد، فالأمر شورى بينهم، ولا بد من وجود الرأي المخالف، والحكم للأكثرية، وبه حسم الاختلاف حول الخلافة، الذي جرى في جو مطبوع بالود والتقدير والاحترام المتبادل، مما هو مدون بالأسانيد الموثقة في كتب المحقيقن من أمثال بن كثير في “البداية والنهاية”، والذهبي في “سير أعلام النبلاء”، وهذا مؤشر واضح، على ما كان يتمتع به الصحابة الكرام رضي الله عنهم من حرية واجتهاد، ورحابة صدر.. ولم يحدث بينهم -في سقيفة بني ساعدة أي شجار أو نحار، عكس ما يدعيه صاحب الملف، من كذب وافتراء..
على أن النقطة الجديرة بالإثارة هنا أن “الاختلاف” و”الخلافة” -هما معا- لم يكونا غاية وهدفا للصحابة وإنما كان الاختلاف والخلافة وسيلة، سيتحقق بها هدف أسمى للأمة. ألا وهو خدمة هذا الدين الحنيف، الذي كان شغلهم الشاغل، وهاجسهم الأكبر، الذي يغذي مشاعرهم ويؤطر حياتهم ويوجههم لما فيه رضى الله تعالى ومصلحة الأمة.
و”الخلافة” التي ثار الاختلاف حولها، هي من قضايا الدين الحنيف؛ أليست تقوم على “البيعة” التي هي من أساسيات الدين كما أن الخليفة/ الإمام المبايع بها يبايع أساسا على نصرة الدين ورعاية مصالح الناس التي هي من أخص خصائص قضايا الدين الحنيف: “وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا” (القصص:77).
وقد أدرك الصحابة الكرام رضي الله عنهم الذين تربوا على مائدة النبوة والرسالة بما تلقوه عن نبيهم الأكرم صلى الله عليه وسلم من فقه في الدين، وسعة أفق، وبعد نظر وحصافة رأي ونباهة فكر، أدركوا قيمة وأهمية المبادرة إلى تنصيب “خليفة” للأمة في وسط يعج بالمنافقين والذين في قلوبهم مرض؛ وكلهم كانوا حريصين على انفراط عقد المسلمين وتقويض صرح الإسلام!
فكانت الحاجة ملحة على الإسراع إلى تنصيب “إمام” للمسلمين يحمي حمى الدين والوطن، ويصون الدماء والأعراض، ويقطع دابر الفتنة…
وهذا الذي لم يكن في جعبة معد الملف المشبوه، حين جعل من “الاختلاف” حول الخلافة مطية للطعن في أعراض “الخلفاء الراشدين” رضوان الله عليهم” ليبرهن بالملموس عن جهل صفيق بالموضوع الذي حشر أنفه فيه، في وقاحة متناهية، وبدون عقل يعي، أو ضمير يسترعوي أو يرعوي عن جرح مشاعر المسلمين، في وطن مسلم، وشعب دينه الإسلام، فلا نامت أعين الجبناء!
والله المستعان على ما تصفون.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *