يقول العقاد: (إن القراءة لم تزل عندنا سُخرة يساق إليها الأكثرون طلبًا لوظيفة أو منفعة، ولم تزل عند أمم الحضارة حركة نفسية كحركة العضو الذي لا يطيق الجمود). وما أصدق قوله!! فحين ارتبطت القراءة بأغراض دنيوية فقدتْ غايتها وقيمتها، فالطلاب يقرأون ما يساعدهم على النجاح، والأساتذة يطالعون ما يعينهم على تدريس منهجهم الدراسي، وغيرهم يعتبر القراءة ضربًا من ضروب العبث، وهدرًا سافرًا للوقت والجهد. وما زاد طيننا بلّة هذه الهواتف “الذكية” التي غدت الشغل الشاغل للصغير والكبير، الجاهل والمثقف. “بلية” ابتٌليت بها أمة لم تمتلك بعدُ الحدّ الأدنى من الحصانة الإيمانية والفكرية، فكانت فريسة سهلة جرفها هذا اليمّ وأضاع بوصلتها.
لكن بين تيارات التيه التي جرفت الكثيرين على مواقع التواصل، وبين الغثاء الذي يأبى إلا نفث قذاراته العقدية والفكرية والسلوكية، نجد فئامًا من الناس يناضلون من أجل تقويم ما اعوجّ بمجتمعاتنا، ويسعون لاستغلال فضاءات التواصل بما يعود بالنفع على شبابنا، كحال أستاذنا القدير ربيع السملالي الذي ظل وفيّا لرسالته الثقافية في نشر القراءة وخلق علاقة حميمية بين القارئ والكتاب، ولأجل هذا أنشأ أخيرا بموقع الفايس بوك مجموعة أطلق عليها اسم (ربيع القراءة).. وحدّد أهداف تأسيسها على صفحته الرسمية قائلا:
(اعلموا -رحمكم الله- أن النية من إنشائها كانت لتشكيل الوعي، وتكوين المسلم تكوينا ثقافيا ناضجا، لذلك فمَن دخل من أجل القراءة الغثائية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، كما تفعل الكثير من المجموعات التي تُفسد أكثر مما تُصلح حين تقترح أمثال روايات حبيبي داعشي، أو الأسود يليق بك، أو كن خائنا تكن أجمل، أو الخبز الحافي، أو غير ذلك من هذا الضياع الذي أتمنى لو يبقى المسلم جاهلا على فطرته بدل ابتلاع هذا القيء= فمن دخل من أجل ذلك فقد أخطأ وضلّ السبيل وليس هذا عشه الذي يريد فيه أن يدرج، إلا أن يكون قد عقد العزم على صحبتنا المباركة لتغيير المسار والارتقاء بتفكيره فيما يعود عليه وعلى أمته بالنفع.. وليس معنى هذا أننا لا نقرأ روايات، بل هناك روايات مقررة في مجموعتنا تستحق القراءة والمدارسة بإذن الله.. وليعلم الجميع أننا لا نحرص على تكثير السواد أو الجري وراء اللايكات من خلال هذه المجموعة أو طلب الشهرة بين الناس، فكمشة من النحل عندنا خير من شواري دبان كما يقول أجدادنا المغاربة في أمثالهم!).
وتابع الأستاذ ربيع في موطن آخر كاشفا الحجب عن ماهية هذه المجموعة المباركة وهدفها المنشود: (أنا متأكّد أنّ هذه المجموعة لن تروق لكثير من الشبّاب، الذين ألِفوا التّفاهة والنّفاق الافتراضي، والمجاملات السّمجة، والكلام الفارغ، لذلك قلتُ وأكرّر ما دمنا لم نتجاوز الشّهرَ الأولَ: إنّ هذه المجموعة لن تكون مرتعًا خصبًا للبطّالين الذين يبحثون عن أندية لتزجية الوقت والبحث عن فرص الزّواج أو الظّهور بمظهر القراءة والثّقافة، هذه المجموعة خاصة بالعقلاء والعاقلات من ذوي الهمم العالية، والعزائم القوية، ولن يحرصَ على صُحبتنا والبقاء بجوارنا إلا من كان صادقا في دعواه، مُحبّا للعلم والأدب الرّفيع، جَلْدًا على ثني الرّكب في سبيل القراءة ومطالعة التّواليف..
وإنّي لأعقد آمالا كبيرة على هذه الكوكبة التي التحقتْ بنا منذ البداية وقرأت الكتبَ الثلاثةَ المُقترحةَ، ومستعدة ما وسعها الاستعدادُ لقراءة كلّ كتابٍ أقترحه، حتّى إنّ الكثيرين راسلوني متسائلين بشغف عن اسم الكتاب الرّابع ليوفّروه قبلَ الموعد المُحدد له.. لسانُ حالهم:
قراءة الكتب العظيمة تلهب العَطَش للعظمة، ولا تطفئه أبدًا كما قال فرانك دولي).
وبصفتي من أعضاء هذه المجموعة المباركة أحبّ أن أتحدث عن تجربتي الخاصة بها وقد أزِفَ شهرها الثاني على الانصرام، فتجربتي القرائية في السنوات الأخيرة عرفت الكثير من التراجع بسبب ضغوط حياتية كثيرة، فكنت في كثير من الأحيان أرضخ لهذه الضغوط، وأتهاون في القراءة إلا لضرورة يحتّمها موضوع معين، لكن انخراطي في المجموعة جعلني أطوّع هذه الضغوط، وأحاول جهد استطاعتي التقليل من تأثيرها، فهناك فترة محددة لقراءة الكتاب، والقراء يتنافسون في إتمامه، فأجد أنه من الحرج أن يُكمل الأعضاء الكتاب وأعجز عن اللحاق بركبهم المبارك، فيخلق هذا في نفسي حافزا قويا للقراءة. بل إن هذا العزم على القراءة الجادّة والمتأنية دبّ في نفس الربيع ذاته، وهو الذي نعلم شغفه الشديد بالكتاب، حيث كتب معترفا على صفحته: (لو علم بي علي العمران لذكرني في مُشوِّقه مع الحسن اللؤلؤي، فحين أزمعت على السفر، قرأت ستين صفحة من كتاب (رسالة في الطريق إلى ثقافتنا) قراءة متأنية جادة، قبل جمع الحقيبة وإلقاء النفس في أتون هذه الطرقات الملتوية، والمدن العملاقة، يحذوني الأمل، وتدفعني العزيمة والإصرار على أن أكون قائدا بحق لهذه المجموعة المباركة ربيع القراءة..غير متخلف عن الرعية مهما كثرت العوائق والمسؤوليات.. فهل أنتم مقتدون).
ومن الشهادات الجميلة على نجاح هذه المجموعة القرائية أذكر شهادة الأستاذ عبد الرحمان سلمان وهو معلم رياض الأطفال لدى مسجد الإمام محمد الغزالي. بسطيف بالجزائر. حيث قال:
(هذه المجموعة الرائعة “ربيع القراءة” من أجمل المجموعات التي دخلتها وأروعها، وهي خاصة بقراءة الكتب بطريقة جماعية يشرف عليها أديب مغربي وهي تضم نخبة من المثقفين من مختلف بقاع المعمورة.
يتم اختيار الكتب من طرف المشرف ويُحدَّد زمنٌ مناسبٌ يكفي لقراءتها قراءة متأنية يسجل القارئ خلالها ما أعجبه من الفوائد وله أن يكتب اقتباسا كل يوم في المجموعة وتختتم القراءة بمناقشة ما جاء في الكتاب في آخر يوم من قراءته بأدب واحترام متبادل بين الأعضاء. و قد قرأنا في شهر أكتوبر الفارط أربع كتب كانت هي أول ما افتتحنا به هذا المشروع القرائي وناقشناها كلها واستفدنا منها فائدة عظيمة لا نستطيع تحصيلها من القراءة الفردية: 1/ المشوق إلى القراءة وطلب العلم لعلي بن محمد العمران – 2/ قراءة القراءة لفهد الحمود – 3/ رسالة في الطريق إلى ثقافتنا لمحمود شاكر – 4/ ميراث الصمت والملكوت لعبد الله بن عبد العزيز الهدلق.
و قد لاقى مشروع القراءة الجماعية استحسانا كبيرا بين المشاركين مما دفعنا للمواصلة فيه وقد استقبلنا شهر نوفمبر بكتاب الأيام (الجزء الأول) لطه حسين ونحن الآن مع الكتاب السادس في هذا المشروع وهو كتاب (شكرا أيها الأعداء) للشيخ سلمان بن فهد العودة…
جزيل الشكر للأخ ربيع السملالي على مبادرته الطيبة ولكل أعضاء هذه المجموعة الطيبة).
وقالت الشاعرة السورية بيان حوى في منشور لها على صفحتها،و قد عثرتْ على ضالّتها بهذه المجموعة:
(كلما أمسكت كتاباً بين يدي لأقرأه تنهال علي النداءات العائلية والمطالب التدريسية والرسائل الفيسبوكية، فأجد نفسي مشتتة هنا وهناك لا أستطيع التركيز على سطر واحد فكيف بكتاب من 50 صفحة!!
وأنا التي كنت أهرب إلى مكتبة عمي الشيخ سعيد حوى وأختبئ تحت المكتب أغرف من هذا المجلد وهذا المجلد بينما أقراني يلعبون لعبة الضيوف والأم والبيبي والدكتورة.
كنت عاشقة للقراءة بشكل عجيب ولكن لا أدري ماجرى لي.. أشعر بأني خذلت نفسي بنفسي ولا أدري كيف أبدأ وكيف أعود وكيف أستمر..
أتابع صفحة أديبنا الربيع منذ زمن طويل ويعلم مدى إعجابي بما يخطه وينشره ومدى تقديري لتلك الهمة التي يحملها بين جنبيه وأغبطه عليها..
وحين رأيت مشروع القراءة هنا قلت في نفسي ربما أحتاج هذا النوع من التشجيع.. أحتاج لهذه القراءة الجماعية التي تشعرك أنك تحلق هناك في الفلك مع كوكبة تشابهك فكراً وعقلاً وهمة فإذا تراخيت شدوك وإذا تراجعت دفعوك أمامهم.. واتخذت القرار بأن ألتزم رغم المشاغل والمسؤوليات التي لا تنتهي).
ومن اللطائف التي ذكرها بعض القراء وهو سعيد أبو راما:
(ذهبت لدار الكتب السودانية لأشتري كتاب (رسالة في الطريق إلى ثقافتنا) وأنا أصعد الدّرج صادفتُ شخصًايحمل معه الكتاب سألته أين أجده؟ قال في الطابق العلوي. قلت له لدينا برنامج القراءة الجماعية في مجموعة ربيع القراءة وهذا العنوان مقترح. فقال: نعم وأنا أيضا مشارك في البرنامج ومن زمان نفسي أقرأ الكتاب والفرصة جاءت..).
بل هناك من القراء من كان يتعذر عليه إتمام الكتاب الواحد، لكن حين انخرط في المجموعة وشعر بدفء أعضائها ونضجهم تحمس للمضي قدما في مشوار القراءة كما هو حال القارئ محمد مصطفى من الكاميرون والذي يقول في رسالة وجهها للأستاذ ربيع:
(أنا محمد مصطفى من الكاميرون، ها قد أنهيت قراءة خمسة كتب في أقل من شهر، وهي المرة الأولى التي أقرأ فيها بانتظام وحماس بعد تخرجي من كلية اللغة العربية بالأزهر منذ قرابة عشر سنوات، والفضل يرجع إليك لأنني من متابعيك، وعلى صفحتك اطلعت علىمجموعة القراءة للجميع، رسالتي هذه من باب العرفان، فجزاك الله خيرا).
ومن الجميل أنّ بعض الشباب في نيجيريا اقتدوا بمنهج المجموعة وتأسّوا بها فنظم بعض الطلبة قراءة جماعية وصاروا يقرأون نفس الكتب التي تم اعتمادها في المجموعة بدءا بكتاب المشوق.
ومن حسنات هذه المجموعة كذلك، أنها تتيح للقراء الاطلاع على كُتاب بُخسوا حقهم في الشهرة رغم ما يتمتعون به من مؤهلات، يقول الأستاذ ربيع (إنّ الكتاب المقترح يصبح مؤلّفه أشهرَ من نار على علم، لاسيما الكَتَبَة الذين لا يعرفهم إلا القليل من القرّاء.. وهاك على سبيل المثال: الأديب عبد الله بن عبد العزيز الهدلق..!).
صدقا، مجموعة ربيع القراءة مجموعة رائعة، طيبة، مباركة، محفّزة، مثيرة للحماس، أعضاؤها يتنافسون على إتمام الكتب المقترحة، يبدعون في اقتناص الفوائد من الكتب، ويتفنّنون في عرض انطباعاتهم وآرائهم في جوّ أخوي بديع، وحُق لربيع الأدب أن يفخر بهذا الإنجاز وأن يعلنها على صفحته قائلا:
(شعور بالفخر والسعادة هيمن عليّ وأنا أطالع هذا الكمّ الهائل من التعليقات والانطباعات على الكتاب الأول الذي تمت مناقشته مساء هذا اليوم في مجموعتنا ربيع القراءة، كانت همة الرجال في الذروة، وحماسة النساء مدهشة.
لم أكن أظن أن هذا المشروع سينجح بهذه الطريقة الرائعة، وبهذه السرعة الفائقة.. والحمد لله الذي إذا أراد شيئا هيأ له الأسباب..
وهذا سيجعل المسؤولية على عاتقي كبيرة حتى يكون هذا المشروع كما نرجو له أن يكون..والأهم من ذلك هو الاستمرار، فلا نريد لجمرة البداية أن تخبو، فالعبرة بالنهاية المشرقة.. وبالصبر واليقين يُنال المراد.. ومن كان ذا حظ عظيم وعزيمة قوية سيقرأ معنا خلال السنة 48 كتابًا، وهو عدد ضخم لا يُستهان به..).
جميلٌ أن تقرأ كتابا، فتجد من يشاطرك متعته شرقا وغربا، من يقتنص ذات الفوائد التي تحرص على تدوينها، من يسارع الخطو ليطوي الصفحات، ليلقاك عند خط الوصول وقد تصافحت كل القلوب وهمست لبعضها البعض:
كانت رحلة ممتعة!!