الاستبشـار بالخير طارق برغاني

خلق الله تعالى الإنسان وابتلاه بالخير والشر فتنة وامتحانا له، ليميز الحسن من القبيح والطيب من الخبيث، يقول الله عز وجل: «كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ» الأنبياء:35، ويقول سبحانه: «مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَىٰ مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىٰ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ» آل عمران:179.
ورغم أن هذه الدنيا دار ابتلاء ومقر آلام وشقاء، إلا أن الإسلام دائما ما يوقد في الإنسان جذوة التفاؤل ويدعوه إلى الاستبشار بالخير وانتظار اليسر بعد العسر، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا عدوى ولا هامَةَ ولا طِيَرَةَ، وأُحبُّ الفأل الصالح» مسلم:2223، ويقول عز وجل: «أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ لَهُمُ الْبُشْرَىٰ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۚ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ هُو الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» يونس:62-64.
والله عز وجل يطمئن عباده المؤمنين أن بعد كل ضيق فرج وأن الدنيا مهما بلغت قسوة وضاقت الأرض على المسلمين بما رحبت، لابد من مخرج ولا مناص من انكشاف الهم، حتى وإن لم يتحقق ذلك في الدنيا فإن بشارة الفوز في الآخرة حق ثابت لمن آمن وعمل صالحا، يقول الله تعالى: «وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ۖ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا ۙ قَالُوا هَٰذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ ۖ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ۖ وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ ۖ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» البقرة:25، ومن بواعث هذا الاستبشار:
الصبر:
طريق بلوغ اليسر بعد العسر وسبيل انفراج الضوائق بعد التحمل والجلد، والإيمان بفضله في انكشاف العسرة هو وقود الاستمرار في مكابدة المشاق حتى تنقضي، فتلوح تباشير الفوز والنجاح بعد نزول الفرج من الله تعالى وهذا قانون إلهي في الكون، يقول الله تعالى: «وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ» البقرة:155.
التوكل على الله وحسن الظن به عز وجل:
اجعل وكيلك خالقك وفوض له أمرك ومصيرك فهو أدرى وأعلم بحالك وصلاحك، وتأكد أنك لن تخيب ولن تضيع أبدا، ويشهد على ذلك تأييد الله تعالى للمسلمين بالملائكة ببدر وتمكينهم من النصر وهم قلة، لما توكلوا على الله حق التوكل وظنوا به حسن الظن، يقول الحق سبحانه: «وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِ ۗ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ» آل عمران:126.
وهذا إبراهيم عليه الصلاة والسلام يمتثل لأمر ربه ويترك زوجه وابنه الذي لا زال رضيعا في مكان خال، متكلا على الله تعالى مفوضا أمره إليه عز وجل، مستبشرا خيرا وهو يحسن الظن بخالقه ألا يخيب رجاءه، يقول الله تعالى على لسان إبراهيم: «رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ» إبراهيم:37.
الثبات على العقيدة والتعلق بالآخرة:
مهما بلغت الدنيا من آلام ومآسي، ومهما ضاقت الأرض على أهلها بما رحبت، ونحن نعلم ما يعانيه إخواننا المسلمين في أنحاء متفرقة من العالم من تضييق وتهجير واضطهاد وقهر وتجويع وغيره، فأملهم في الله تعالى يتقوى، وتعلق قلوبهم بالآخرة يزداد، يقول الله تعالى: «إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُو الْفَوْزُ الْعَظِيمُ» التوبة:111.
وهذا يمدهم بطاقة روحية وقوة كبيرة على التمسك بهذا الدين وعدم الخضوع والاستكانة لقوى الشر، لأن احتساب أجر بلائهم في الدنيا عند الله تعالى يحمل لهم بشارة النعيم المقيم في الآخرة، فما قيمة حياة فانية وإن شقت، مقابل حياة رغيدة خالدة في جنة عرضها السماوات والأرض.
يقول الله عز وجل: «فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ» آل عمران: 170-171.
الاستغفار والتسبيح:
سببان في تنزل الخيرات ودوام النعم والبركات، وتفريج الهم وكشف الضيم والاستزادة من الخير واستجلاب البشارة السارة، يقول الله تعالى على لسان نوح عليه الصلاة والسلام: «فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيُمْدِدْكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا» نوح:10-12.
استشعار معية الله عز وجل:
وتكون بالدعاء والإلحاح فيه، وصدق اللجء إلى الله تعالى في الرخاء والشدة، وحسن الظن به سبحانه، يقول الله تعالى: «قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَو أَن يَطْغَىٰ قَالَ لَا تَخَافَا ۖ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىٰ» طه: 45-46، وفي موقف آخر: «فلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ قَالَ كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ» الشعراء:61-62.
الندم والتوبة النصوح:
باعث من بواعث الاستبشار بالخير واعتقاد الرحمة في الله تعالى وانتظار مغفرته ورجاء عفوه، وهو الذي يدعونا لعدم اليأس والبعد عن القنوط من رحمته، يقول الله تعالى: «قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُو الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» الزمر:53.
وقصة الثلاثة الذين خُلفوا خير شاهد على ذلك، يقول الله تعالى: «وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّىٰ إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَن لَّا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ هُو التَّوَّابُ الرَّحِيمُ» التوبة:118.
ويروي لنا كعب بن مالك -رضي الله عنه- بشرى توبة الله تعالى عليه وعلى صاحبيه قائلا: «..فآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بتوبة الله علينا حين صلى صلاة الفجر، فذهب الناس يبشروننا، فذهب قبل صاحبي مبشرون، وركض رجل إلي فرسا وسعى ساع من أسلم قبلي وأوفى الجبل فكان الصوت أسرع من الفرس، فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي فكسوته إياهما ببشارته..» الجامع لأحكام القرآن 8/204.
قراءة القرآن:
كتاب الله أنيس الوحشة، ورفيق الوحدة، وربيع القلوب، ونور الصدور، وجلاء الهموم، وهو مبعث كل أمل، ومنبع كل خير، فيه البشرى السارة والسعادة الغامرة، يقول جل جلاله: «وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَىٰ إِمَامًا وَرَحْمَةً ۚ وَهَٰذَا كِتَابٌ مُّصَدِّقٌ لِّسَانًا عَرَبِيًّا لِّيُنذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَىٰ لِلْمُحْسِنِينَ» الأحقاف:12، ويقول تعالى: «وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ» النحل:89.
اللهم أدم علينا بشائر رحمتك وأنعم علينا بعفوك وكرمك.
والحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *