المدرسة المغربية في القراءات القرآنية (3)  عمر خويا

هذا المقال مقتبس من كتاب “تاريخ القراءات في المشرق والمغرب” للدكتور محمد المختار ولد اباه، وهو من منشورات المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة سنة 1422ﻫ/2001م. تصرّفتُ في المقتبس منه ترتيبا وانتقاء واختصارا، وكان قصدي منه تعريف عموم المغاربة، في هذا المنبر المشهود باستقامته، بجهود سلفهم في العناية بالقراءات القرآنية، لعل آفاق البحث في هذا المجال تزداد انفتاحا فيكون للخلف فضل كما للسّلف.

  • دخول القراءات إلى المغرب:

لمّا يفتح المسلمون أرضا فإنّهم يحرصون كلّ الحرص على تعليم أبنائها القرآن باعتباره أصل الخطاب الشّرعي عقيدة وشريعة، لذلك فمصاحبة القرّاء حين الفتح، وإعداد أماكن الإقراء كالمساجد والرّباطات، ووسائل نسخ المصاحف هو الذي يحقّق الغاية من تعليم كتاب الله عزّ وجلّ. والمتأمّل في تاريخ انتشار الإسلام يلحظ هذا، خاصّة في الأمصار الآهلة بغير العرب من المسلمين، لذلك نجد مثلا مسجدا في شفشاون وتطوان تَسمّى باسم موسى بن نصير في عهده، ونجد من أعلام المدرسة المغربية في القراءات مغاربة أسهموا في إنشائها.

ولم تتميّز المدرسة المغربية عن المدرستين القيروانية والأندلسية، خاصّة لمّا تحقّقت الوحدة السّياسية في عهد المرابطين والموحّدين، نظرا لكثافة التّواصل بين حواضر هذه الأقطار، لكن في أواخر القرن السّادس الهجريّ، لمّا استتبّ الأمر للدّولة المرينية بالمغرب الأقصى، اهتمّت أيّما اهتمام بالجانب العلميّ، فبنت المدارس وشجّعت العلماء على التّدريس والتّصنيف، فبرزت المدرسة الإقراء بالمغرب وأثرت مجال القراءات بكمّ كبير من المصنّفات المتنوّعة التي اعتمدت في مجملها قراءة الإمام نافع أداء ورسما، مع التركيز على رواية ورش وطريقة أبي سعيد الأزرق، ووفق اختيارات أبي عمرو الدّاني. وسنعرض لبعض روّاد هذه المدرسة لنطّلع على مدى إسهامهم في بروز نجم المدرسة المغربية في القراءة.

روّاد المدرسة المغربية في قراءة نافع:

  • أبو عبد الله بن القصّاب: وهو أبو عبد الله محمّد بن علي بن عبد الحقّ الأنصاري الفاسي المشهور بابن القصّاب(ت690ﻫ)، كان يقرئ العربية ويقرئ القرآن بالقراءات السّبع، وهو من روّاد المدرسة المغربية في أصول الأداء الخاصّة بالإمام نافع. وظهر ذلك من خلال تأليفه لكتابه “تقريب المنافع في قراءة نافع” الذي لخّص فيه ما يتعلّق بقراءة نافع رواية ودراية، وكان هذا الكتاب العمدة لمن جاء بعده الكتب في نفس المجال.

وتتلمذ على يديه من المشاهير في علم القراءات: أبو عبد الله محمد بن محمد بن إبراهيم الشريشي المعروف بالخرّاز (ت718ﻫ)، والمشهور بنظم “مورد الظمآن في رسم القرآن” الذي شرحه أبو محمد عبد الله بن عمر بن أجطّا الطّنجي(ت750ﻫ) في كتابه “التّبيان في شرح مورد الظّمآن”، وأبو محمّد عبد الواحد بن عاشر(ت1040ﻫ) في كتابه “فتح المنّان المروي بمورد الظّمآن”. وألّف الخرّاز أيضا “شرح عقيلة أتراب القصائد للشّاطبي” وكذا أرجوزة “المورد في الرسم”.

كما تتلمذ على ابن القصّاب: وأبو عبدالله محمد بن محمد بن داود الصنهاجي، المشهور بابن آجروم(ت723هـ) صاحب المقدمة المشهورة في النّحو المسمّاة ب “الآجرّومية”، وشرَح الشاطبية في كتابه “فرائد المعاني في شرح حرز الأماني”، وله أيضا نظم “البارع في قراءة نافع” ممّا يدلّ على أنّه أبدع في القراءات إلى جانب اللغة والنّحو. ونضيف إلى الأوّلين أبا عمران موسى بن محمّد الصلحي المرسي المعروف بابن حدادة(ت بعد 723ﻫ). وكان لكلّ من هؤلاء دور متميّز في  ترسيخ أركان القراءة في المغرب؛ فابن حدادة تميّز في أسانيد الرّواية، واهتمّ ابن آجروم في فرائده ببيان الأوجه العربية، وجدّد ابن الخراز معالم الرّسم والضّبط لكتابة القرآن الكريم .

  • أبو الحسن علي بن سليمان الأنصاري القرطبي(ت730ﻫ) مقرئ فاس، عاصر ابن القصّاب وشاركه مشيخة الإقراء بفاس. من مؤلفاته: كتاب “التّجريد” وفيه جمع مسائل الخلاف بين أبي عمرو الدّاني ومكّي وابن شريح، وكتابه “ترتيب الأداء وبيان الجمع بين الرّوايات في الإقراء”، وفيه بيّن أضرب التّلاوة وأحكامها وضوابط ما يعرف بالجمع والإرداف ( وهو تكرار الكلمة الواحدة من القرآن عند القراءة لاختلاف الرّوايات فيها) وأوضح مخاطره. كذلك ألّف أرجوزته المعروفة بنظم “التعريف” وفيها ما انفرد به الأصبهاني عن ورش وخالف فيه الأزرق، وفيها أيضا ما رواه الحلواني عن قالون وخالف فيه أبا نشيط.
  • ابن برّي، واسمه أبو الحسن علي بن محمّد بن الحسن المغربي التّازي (ت730ﻫ)، نشأ برباط تازة، الحافل بالعلماء من مختلف التّخصّصات. نبغ في الأدب في ظلّ الدّولة المرينية، كما نبغ في القراءات فألّف كتاب “القانون في رواية ورش وقالون”، ونظم أرجوزته المشهورة “الدرر اللوامع في مقرأ الإمام نافع”؛ وأفردها بقراءة نافع عن سائر القراءات، وبروايتي ورش وقالون عن باقي الرّوايات، وبطريق الأزرق عن ورش وطريق أبي نشيط عن قالون. وكان لسلاسة أسلوبها وسهولة بيانها أثر كبير في سعة انتشارها، فظهرت لها شروح كثير هي بمثابة زيادات واستدراكات وتقييدات وترجيحات؛ منها شرح الخراز (ت718ﻫ) المسمّى “القصد النّافع لبغية النّاشئ والبارع في شرح الدّرر اللّوامع”، وشرح أبي زيد عبد الرحمن بن محمّد بن مخلوف الثّعالبي الجزائري (ت875ﻫ) صاحب تفسير الجواهر الحسان في تفسير القرآن، وشرح أبي سرحان مسعود بن محمد جمّوع السّجلماسي(ت1119ﻫ)، وهو بمثابة تكملة سمّاها “الرّوض الجامع في شرح الدّرر اللوامع”، وشرح أبي القاسم أحمد التّازي وهو من علماء منتصف المائة العاشرة من الهجرة، في نظمه الذي هو عبارة عن ترجيحات، والمعنون ب “الدّرة السّنية”. وحاكى ابن برّيَّ في نظمه وعلى منواله في البرّية (أرجوزته الدّرر اللّوامع) أبو وكيل ميمون بن مساعد المصمودي(ت816ﻫ) في “تحفة المنافع”.
  • أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن إبراهيم التينملي المصمودي الصفّار(ت810ﻫ)، كان قارئا بالسّبع، وألّف “الزّهر اليانع في مقرأ الإمام نافع”، ونظم كتاب التّعريف للدّاني على منوال الشّاطبية، وعُرف نظمه هذا ب”العشر الصّغير”، وتابعه في ذلك كثيرون. وممّن خلفه في نشاطه العلميّ تأليفا وتعليما: أبو عبد الله محمّد بن سليمان القيسي المولود سنة 730ﻫ، وله أرجوزة جامعة وطويلة في الرسم والضبط، كما له مقطعات تتناول مواضع معيّنة من غوامض مسائل الأداء.
  • أبو عبد الله محمّد بن أحمد بن غازي العثماني(ت919ﻫ) صاحب كتاب “الروض الهتون في أخبار مكناسة الزيتون”، ألّف في القراءات كتاب “إنشاد الشّريد من ضوالّ القصيد” حول مسائل في حرز الأماني للشّاطبي، و”تفصيل الدّرر” وهو تركيز محكم للطّرق العشر عن نافع، وشرَحه عدد من العلماء منهم: أبو عبد الله محمّد بن محمّد بن أحمد الرّحماني المراكشي في كتابه “تكميل المنافع في قراءة الطّرق العشرة المروية عن نافع”، وابن جمّوع السّجلماسي في كتابه “كفاية التّحصيل في شرح التّفصيل”.
  • أبو زيد عبد الرّحمن بن أبي القاسم المعروف بابن القاضي المكناسي، عالم موسوعي هو خاتمة المحقّقين من قرّاء المغرب، بسط البحث في مجمل قراءة الإمام نافع في كتابه الجامع المعروف ب” الفجر السّاطع والضّياء اللامع في شرح الدّرر اللاوامع” وضمّنه أكثر شروح المتقدّمين، لذلك عدّه البعض أكبر موسوعة في قراءة نافع. وألّف كتاب “بيان الخلاف والتّشهير وما وقع في الحرز من الزّيادات على التّيسير” سنة 1115ﻫ، واشتمل على مجمل مسائل الخلاف في القراءات، وعلى زيادات الشّاطبية على تيسير الدّاني. وصنّف أيضا كتاب “الإيضاح” الذي خصّصه لقراءة ابن كثير والخلاف بينه وبين نافع. كما أنّ له في الرّسم كتاب “بيان الخلاف والتّشهير والاستحسان فيما أغفله مورد الظّمآن”.

خلاصة:

هذه بعض ملامح المدرسة المغربية في القراءات، وذكر موجز لبعض روّادها. وما زال المغاربة، بالرّغم ممّا لحق الأمّة من ضعف، يعتنون بالقرآن الكريم والقراءات القرآنية على المستوى الأكاديمي والشّعبي، وإن رقّت العناية وقلّ الاهتمام، لكن بواكر صحوة بمستقبل يعود فيه وهج مدارسة القرآن الكريم والاهتمام برسمه وأدائه بدأت تظهر وتشيع في الأنحاء.

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *