لازال ملف الجمعيات القرآنية المغلقة من الملفات الحقوقية الكبرى التي لم يحسم فيها النقاش بعد؛ شأنها في ذلك شأن معتقلي الرأي الذين ما زالت أسرهم -التي تعاني وضعية اجتماعية واقتصادية ونفسية صعبة للغاية- تنتظر على أحر من الجمر الحسم في هذا الملف.
فوفقا للدستور الجديد الذي وافق جل المغاربة على مضمونه في شهر يوليوز الماضي، “فحرية الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي، وتأسيس الجمعيات، والانتماء النقابي والسياسي مضمونة” لكل أحد، وكذا الممارسة الكاملة للحريات والحقوق الأساسية.
ومنه؛ وفي ظل العهد الجديد الذي نطمح إليه؛ والعزم على طي صفحة الماضي؛ وتفعيل بنود الدستور الجديد، فلا مجال بعد اليوم لقبول قرار إغلاق جمعيات ناشطة في المجتمع المدني دون سند قانوني..
لا مجال لمزيد من التكتم والتجاهل لملف يهم الآلاف من المغاربة الذين عبَّروا -بكل وضوح- عن استيائهم واستنكارهم للقرار المجحف القاضي بإغلاق دور القرآن؛ وذلك عن طريق البيانات والمواقع الإلكترونية والعوارض الاستنكارية البالغ مجموعها عشرات الآلاف.
فهل حقوق ورغبات مئات الآلاف من المواطنين المستنكرين؛ إضافة إلى المستفيدين الذين روعهم قرار إغلاق الجمعيات التي كانت تقرب لهم العلم وتهذب وتربي أبناءهم، فهل حقوق هؤلاء وأبنائهم لا تجد لها في قلب ونفس مسؤولينا اعتبارا ولا مكانا؟!
صحيح أن الدولة -من خلال أجهزتها المعنية- أبدت مؤخرا نوعا من حسن النية ورغبة في حل هذا الملف؛ وذلك من خلال ترخيصها الشفوي لمسيري بعض الجمعيات القرآنية بإمكانية معاودة استئناف أنشطتهم، لكن أغلب الجمعيات الأخرى التي طالها قرار الإغلاق لم تتلق بعد أي إشارة في الموضوع.
إن الجمعيات ودور القرآن الكريم التابعة لها لا تشكل محضنا تربويا وملاذا روحيا للناشئة فحسب؛ بل تشكل أيضا حائط صدٍّ قوي أمام بعثات التنصير ودعاة التشيع والعلمنة والتطرف والغلو أيضا.
وقد أثبتت الأيام الأخيرة الماضية أن التهم التي كان العلمانيون يرمون بها دور القرآن الكريم؛ ما هي إلا أراجيف ودعاوى باطلة، وشكل رمضان المنصرم -كما في كل سنة- فرصة كبيرة لتعرف العديد من المواطنين المغاربة -سواء من المقيمين أو من الجالية المغربية في الخارج- على خريجي دور القرآن الذي أمُّوا بالناس في صلاة التراويح في العديد من مدن المملكة خاصة الكبرى منها، حيث أبدى الناس إعجابهم بهم وجددوا مطالبتهم بإعادة فتح دور القرآن الكريم.
إن الوضع المحلي والعربي والعالمي أيضا يؤكد بزوغ مرحلة جديدة في الأفق؛ مرحلة حرجة بكل المقاييس؛ فليس من الكياسة أبدا ونحن مقبلون على التغيير؛ عازمون على الإصلاح؛ أن نؤخر الحسم في هذا الملف ورفع الجور والظلم الذي طال عشرات الآلاف من المستفيدين من أنشطة الجمعيات القرآنية المغلقة.