قال ابن دقيق العيد رحمه الله كما في الاقتراح: “أعراض الناس حفرة من حفر جهنم”.
ومما قيل قديما:
أرى كل إنسان يرى عيب غيره – – – ويعمى عن العيب الذي هو فيه
وما خير من تخفى عليه عيوبه – – – ويبدو له العيب الذي لأخيـه
قال الشاعر:
لا تكشفن مساوئ الناس ما ستروا – – – فيهتك الله ستراً عن مساويكا
واذكر محاسن ما فيهم إذا ذكروا – – – ولا تعب أحداً منهم بما فيكا
وقال الشافعي رحمه الله:
المرء إن كان عاقلا ورعا – – – أشغله عن عيوب غيره ورعه
كما العليل السقيم أشغله – – – عن وجع الناس كلهم وجعه
وقال ابن القيم رحمه الله : “من عُني بالنار والفردوس شُغِل عن القيل والقال، ومن هرب من الناس سلِمَ من شرورهم”.
أقول للمستطيلين في الأعراض والمعلقين في وسائل التواصل المختلفة وعلى الصفحات الزرقاء والتغريدات ومن غير مقدمات بعد ولوغهم في الأعراض التي حصنها الشرع وسيجها، باتت واأسفاه تنتهك بالظن والأغراض: إن حرمة الأعراض عظيمةٌ في الإسلام، لذا فمن الظلم البين الاستطالة في أعراض المسلمين، أو التعرُّض لها وفق عواطف عمياء، ومصالح ضيقة، وتبعيَّةٍ فاقدة لأدنى درجة الوعي.
فقد روى الشيخان من رواية أبي بكرة نفيع بن الحارث من قوله عليه الصلاة والسلام من خطبة طويلة: “أما بعد: فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم”.
وروى ابن ماجة بسنده إلى البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “الربا اثنان وسبعون بابًا، أدناها مثل إتيان الرجلِ أمَّه، وإن أربى الربا استطالة الرجل في عِرْض أخيه” وصححه الألباني بمجموع طرقه في الصحيحة برقم 1871.
أيها المعلقون الشامتون والمغردون المستهينون بالأعراض: أدعوكم للتوقف عند قول الحكيم الباري “إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ”، فمما لا يختلف عليه اثنان، أن اللسان ليس وسيلة لتلقي الأخبار وإنما يكون بالأذن، أي بالسماع، يستمع إليها، وتدبروا قوة الأسلوب القرآني العظيم “إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ” وكأن المرء حين يصغي لتلك الأخبار الزائفة، أو الكلام المروج السافل عن عموم الناس فضلا عن خيارهم، تجده لا يمنح نفسه معشار فرصة.
أن يستمع الخبر ويتثبت من صحته وإنما يرتقي مباشرة تحت تأثيرات معينة إلى عملية ترويج الخبر دون تريث ودون تأكد بل دون حياء ولا وجل من الله تعالى، بل حتى محاولة عرض الخبر على العقل لكي يتعقله، لكي يقف عنده، لكي يتأكد من صحة الخبر، أو دقَّة المعلومة التي وصلت إليه لا يفعلون، وأضحى بوقًا لها، والسبب الاقتصار على اللسان، فالاعتماد عندهم على إسناد اللسان، أخبرنا لسان عن لسان عن لسان قال سيدنا اللسان، وربنا يقول: “إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وتحْسَبُونهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ” النور:15.
مع الأسف يقفزون إلى ترويج خبر له أصل، ولكن لا علم لهم به ولا مشاهدة ولا يقين بأنه صحيح، والنتيجة يروجون أخبارا ليس لهم بها علم؟! والقرآن يذكرنا في أكثر من موضع “وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا” الإسراء36.
فيا من يخشى مقام ربه ويخاف المُثول بين يدي العزيز الجبار تذكر قوله تعالى: “وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا” طه111، فالأسلم لدينك البُعد عن الخوض مع الخائضين بقيل وقال، ولا تجعل همتك في الحرص على ما ينفي كمال إيمانك ولربما أصله، ويُعرِّضك لغضب ربك الكبير المتعال، ففي الحديث الصحيح الذي رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “من قال في مؤمنٍ ما ليس فيه أسكنَه الله رَدْغَة الخَبال حتى يخرج مما قال”.
ورَدْغَة الخَبال: عِصارة أهل النار نسأل الله العافية.
وأخرج الشيخان في صحيحيهما من رواية أبي هريرة قال: قال صلى الله عليه وسلم: “من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقُل خيرًا أو ليصمُت”.
فاحفظوا عقولكم ونظفوها مما يلوثها..
ورحم الله من قال: “العقل خير من الفقه، ولو أعلم سوقا يباع فيه مقدار من العقل مقابل عضو من الجسد لبعت أغلب أعضائي التي أبقى بدونها حيا فأبتاع عقلا يبصرني بالحقائق”.