يبدو أن الجهات العلمانية بجميع واجهاتها، غير مهتمة بدين المغاربة وتاريخهم وهويتهم وثقافتهم وأخلاقهم وتماسكهم، ففي الوقت الذي يتشبث عدد من المراهقين الملاحدة بالحق في الإفطار العلني في رمضان، دون مراعاة لحرمة الشهر ولا لشعور المسلمين، تتبنى عدد من الشخصيات والجمعيات الحقوقية والمنابر الإعلامية ذات التوجه العلماني، هذا الطرح وتدافع عن حامليه، محاولة ثني السلطات عن تطبيق القانون بحق المتحدين لشعور المسلمين المغاربة، والدفع باتجاه أن يطبع المجتمع مع محاولات المس بتماسكه وهويته وشعوره الجمعي.
وفي الوقت الذي من المفروض أن تصرف النخبة والفاعلون انتباه المغاربة إلى مشاكلهم الحقيقية، تصر في كل مرة على إشغالهم بقضايا، الغرض منها ضرب تماسكهم ووحدة عقيدتهم.
وفي هذا الاتجاه تطفو كل رمضان قضية الفصل 222 المفتعلة، حيث اعتبرت بعض المنابر أن هذا الفصل يتعارض مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، ويبين نفاق الدولة مع المجتمع الدولي، وأنه يفتح المجال لدعشنة المجتمع، لا أحد بطبيعة الحال يهمه أن تتعارض القوانين مع ديننا وعقيدتنا، ولا أحد يهمه أن تكون الدولة منافقة مع خالقها، وأن التهجم على قطعيات المجتمع وعقيدته، هو من سيفتح الباب أمام الدعشنة والتطرف، كرد فعل حين يرى المجتمع أن الدولة والنخبة لا تحمي عقيدته.
إن هذه النخب العلمانية ومنابرها، لا يهمها إلا أن يسير المجتمع والدولة على خطى توجيهات البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والأمم المتحدة المتدخلة في خصوصيات مجتمعاتنا، الساعية لتفكيكها وضرب وحدتها وإبعادها عن دينها.
أن يفعل العلمانيون ما أسلفنا ذكره أمر طبيعي، انسجاما مع أهوائهم وشهواتهم وأهدافهم وغاياتهم وارتباطاتهم الخارجية، والتمويلات التي يتلقونها. لكن غير الطبيعي هو أن ينجر بعض الفضلاء من أهل الفقه والدعوة وراء هذه الدعوات المشبوهة، بل الواضحة مراميها وأهدافها ومقاصدها، مثل ما فعل الدكتور أحمد الريسوني -وفقنا الله وإياه لمرضاته-.
حيث اتخذ رأيه هذا مستندا ومتكأ يستند عليه الساعون للاستهزاء بشعائرنا ونقض عرى ديننا والتقليل من أهمية عباداتنا، وضرب هيبة التجرؤ على المنكرات والتهوين من شأن إنكار المنكر والأمر بالمعروف.
من المحزن والمؤسف والمؤلم حقا، أن يتولى أمر هذه القضية رمز من رموز الحركة الإسلامية، الفقيه المقاصدي ورئيس حركة التوحيد والإصلاح السابق، وتغيب عنه كل مقاصد الشرع ومقاصد سد الذرائع ودفع المفاسد، وتغيب عنه أيضا مقاصد التدافع بين الإسلاميين الساعين لحفظ هوية وقيم ودين المغاربة، والعلمانيين الساعين لضرب هذه الهوية وهذه القيم وهذا الدين، وجعلنا مجتمعات استهلاكية وسوقا مفتوحة أمام منتجات الغرب وقيمه.
من الغريب فعلا أن يتولى هذا الأمر الخطير رجل بهذا الثقل وهذه الخلفية، فيصطف في خندق الفاسدين المفسدين، مهونا من دعوتهم مبررا لها، رغم قوله أن مقاصده غير مقاصدهم، لكنها نتيجة واحدة وتبريرات واحدة، وهو موقف على كل حال ينسجم مع أصول الدكتور الريسوني وقواعده، ومع رؤيته ومقاصده، المبثوثة في كتبه ودروسه.
ولقد أثار خروج الريسوني من اللغط والجدل، أكثر ما أثاره المناضلون المراهقون، المطالبون بالأكل في نهار رمضان، وداعميهم الكبار الذين (علموهم الأكل). فقد استنكر عدد من النشطاء الفيسبوكيين ما أثاره الدكتور الريسوني.
د. عصام البشير: أكره أن يستدل لأقوال العلمانيين وأعمالهم واختياراتهم بما لم يخطر على بالهم من الأدلة التراثية
علق عدد من الشيوخ والدعاة على دعوة الريسوني، أبرزهم الدكتور عصام البشير، حيث رد في مقال نشرته هوية بريس، على عدد من الشبه التي أثارها رأي الريسوني، ومحاولته تحريف النقاش، كالحديث عن إفطار أصحاب الأعذار.
وقال الدكتور عصام: “فالنقاش حول قضية الإفطار العلني بالمغرب لم يبدأ من أهل الأعذار، وأهل الأعذار لم يشتكوا حيفا أو ظلما يقع عليهم، وأهل الأعذار -كما خبرنا ذلك في بلدنا وغيره من البلدان- يستترون بالأكل والشرب حفاظا على هيبة الشهر، ولا ضرورة تلجئ صاحب العذر إلى الإفطار العلني إلا في حالات خاصة”.
وأضاف الدكتور عصام متحدثا عن صاحب العذر بالقول: “أتراه يفعل كما يفعل هؤلاء الرعاع البهيميون المجاهرون بالمعصية، كلا، بل هو يظهر عذره لمن حوله، وتكاد ترى في عينه دمعة مترقرقة، لحرصه على الصيام وعجزه عنه، أترى من يراه من الناس ينكرون عليه إفطاره ويستدعون الشرطة لاعتقاله؟ كلا، بل يدعون له بالشفاء، ويواسونه بصادق العبارات، ويسألون الله في نفوسهم العافية”.
وأضاف: “فعن أي شيء نتحدث؟ وكيف يراد لنا أن ننتقل من حال العذر والضرورة إلى حال الاختيار والسعة، بل إلى حال التحدي والمنابذة وإعلان الفجور والمفاخرة به؟”.
وعبر الدكتور عصام عن رفضه الشديد لهذا المسار والمنحى الذي نحاه الدكتور الريسوني بالقول: “أكره للعالم الفقيه أن يكون مطية لأعداء الدين، ولذلك أكره أن يستدل لأقوالهم وأعمالهم واختياراتهم الفكرية بما لم يخطر على بالهم من الأدلة التراثية التي لم يسمعوا بها من قبل! وقد ندمنا وندم غيرنا -مثلا- على كثرة كلام فقهاء العصر في المقاصد، حتى تلقفها الحداثيون التغريبيون، وصاروا يحتجون بها في نقض عرى الدين، وينسبون للشاطبي القطيعة “الابستمولوجية” عن أصول الفقه التراثية “المطّلبية”.
الشيخ الحسن الكتاني: هل المصلحة في موافقة العلمانيين وتأييدهم، أم في معاكسة مقصدهم؟!
من جهته علق الشيخ حسن الكتاني رئيس الرابطة العالمية للاحتساب، في حسابه على الفيسبوك بالقول: “يا ليت الشيخ ما تكلم بهذا ولا ذكره ففي كلامه توهين ما بقي في قلوب المغاربة من تعظيم رمضان وهيبة الصيام، حتى إن العامة قد يتركون الصلاة ولا يتركون الصيام. فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم”.
وعلق في تدوينة أخرى بالقول أن: “دولتنا وإن كانت لا تتبع الشريعة لكن فيها قوانين تعاقب على ما تعاقب عليه الشريعة وهي وإن كانت في بعضها قاصرة فهل مصلحة الدين في تركها ليهاب الناس فعل المنكر أم المصلحة في تعطيلها؟ ونقول: المنافقون من العلمانيين وأشياعهم يطالبون بتعطيلها لكونهم يرون الإفطار العلني حقا لهم ويدعون لهتك حرمة الشهر بالإفطار العلني، فهل المصلحة في موافقتهم وتأييدهم أم في معاكسة مقصدهم؟”.
الوزير نجيب بوليف: هذه التصريحات سيستفيد منها الإباحيون (للإفطار العلني)
كما استغرب الوزير نجيب بوليف في تدوينة على الفيسبوك أن تصدر مثل هذه التصريحات من بعض العلماء فقال: “وإن كنت استغربت كثيرا صدور مثل هذه التصريحات من مثل هذه الشخصيات العالمة، فإني أقول أن بمثل هذه التصريحات، لا شك أن صرحا من صروح الممارسة الدينية سيسقط، وسيستفيد منها الإباحيون (للإفطار العلني)، الذين لا يمثلون إلا جزء جد صغير من أبناء المجتمع”. وأضاف أنه حين إلغاء التجريم “لن يعود هناك رمضان، بمعانيه ومظاهره، فسيأكل من أراد في الشارع العام، وسيصوم من شاء”.
د. عادل رفوش: مقاصد د. الريسوني أقوى في صيانة شعيرة الصيام والدينِ عامةً
رغم موافقته على بقاء الفصل 222، إلا أن المدير العلمي لمؤسسة ابن تاشفين قال أن الريسوني محق في رأيه، ففي مقال طويل نشرته هوية بريس، حاول الدكتور عادل رفوش جاهدا، من أجل تبرير وتسويغ وتأصيل رأي الدكتور الريسوني حيث جاء في مقاله: “فالشيخ كان واضحاً إذ صرَّح بأن “نيته غير نيتهم وقصده غير قصدهم، أي أن الشيخ يدافع عن الشريعة من وجه آخر لا ينبغي أن يغفل عنه من يدافع عنها بالدعوة لترسيخ القانون222”.
وأضاف: “فأنا مع بقاء العقوبة في القانون الجنائي وأنه حكم فقهي عتيق واجتهاد قضائي في عموم الدول الإسلامية على اختلاف بينها في مقداره؛ لكن مع العمل على تنزيل مقاصد الدكتور الريسوني التي هي أقوى في صيانة شعيرة الصيام والدينِ عامةً؛ والتي تجعل للعقوبة معنى أقرب إلى مقاصد الشارع من التعزير المُجرَّد أو المجتزأ، وأن موقف الدكتور له مأخذ شرعي معتبر ينظر إليه بعين نظائره عند العلماء ويتأمل في تحريراته كما تتأمل خواص اجتهادات المُفتينَ”.
الشيخ محمد الفزازي: المطالبون بإلغاء تجريم الإفطار العلني في رمضان لا يناضلون من أجل الحرية الفردية
علق الشيخ الفزازي بالقول: “في تصريح الفقيه المقاصدي أحمد الريسوني، زلة عالم وخطأ فظيع، و أن اصطفافه في جانب اللادينيين والملاحدة لخرم قيم الأمة، هو أمر مردود وبشع”.
وأضاف محمد الفزازي في تدوينة على الفيسبوك: “أن العقوبة الحبسية من شهر إلى ستة أشهر في حق المجاهرين بالإفطار في نهار رمضان، المعلنين ردتهم في الشارع العام، لا تناسب ضخامة الجرم.. وأن هؤلاء المطالبين بإلغاء تجريم الإفطار العلني في رمضان، لا يناضلون من أجل الحرية الفردية، إنما يعملون على زرع بذور الفتنة في الأمة باستفزاز الشعب وإضرام النار في حالة الاستقرار وصنع التطرف وتعريض أنفسهم للتهلكة”.
القباج: اعتبارا لمآلاته السلبية جدا أتمنى أن يوفق الريسوني للرجوع عن رأيه
الشيخ حماد القباح، المدير التنفيذي لمؤسسة ابن تاشفين، أثنى على الريسوني وقال: “العلامة الدكتور أحمد الريسوني عالمنا وحبيبنا ..وهو من مفاخر فقهاء المغرب المصلحين”، لكنه عقب بقوله: “وكل يؤخذ من قوله ويترك.. ولكل فارس هفوة ولكل جواد مضمر كبوة”.
وخطأ الشيخ القباج اختيار الريسوني وتمنى وفق قوله أن “يوفق للرجوع عن رأيه اعتبارا لمآلاته السلبية جدا”.
وقال القباج: “لو سلمنا أن الدولة لا تتدخل قانونيا في الموضوع! لكن تدخلها يصير متعينا لحماية الأمن الروحي لمواطنيها؛ بسد باب الفتنة في وجه ضعيفي الإيمان وقليلي الثقافة الدينية من المسلمين.. وهذا مقصد سياسي شرعي عظيم يرتبط بالأمن القومي للدول”.
الشيخ المقرئ عمر القزابري: الشر إن تُرِكَ تناسل
وفي مقال نشرته هوية بريس، بعنوان “إلا الصوم”، انطلق القارئ الشيخ عمر القزابري، من حديث “إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به”، ليخلص إلى أن لهذه العبادة مكانة ورهبة خاصة، لا يتجرأ عليها إلا من صدئت نفسه وأصر على الشقاوة ومحاربة الله وانتهاك حرماته.
وعلق القزابري على د.الريسوني بالقول: “فما قاله سيدنا الفقيه الريسوني قد يتلقفه أولئك الذين يدعون إلى إلغاء قانون تجريم الإفطار العلني. ويتخذونه جسرا يعبرون عليه إلى مآربهم التي تمسخ صورة المجتمع وتكدِّر صفوه. وتدمر لُحمته. وتُشِيعُ عنه صورة مغلوطة فيما يتعلق بهويته واعتزازه بدينه. فهل يقبلُ أحدٌ من أهل الغيرة على دين الله وعلى رأسهم شيخنا الريسوني أن يُرى أحد يفطر في نهار رمضان عامدا متعمدا. ثم يُتغاضى عنه بحجة أنه تافه ولا يشكل شيئا.
فإن الشر إن تُرِكَ تناسل. وقد يصل الحال بهؤلاء إن لم يؤخذ على أيديهم إلى أن يجلسوا في المطاعم في نهار رمضان. ثم يأتي بعد ذلك من يطالب بحرية الشذوذ. ثم يأتي من يطالب بحرية الإلحاد. فماذا يبقى بعد ذلك؟”.
إبراهيم بقلال: الشيخ لم يقل إلا ما هو منسجم مع رؤيته في موضوع الحرية
الداعية إبراهيم بقلال كتب مقالا ناقش فيه الدكتور الريسوني باحترام وأدب جم، ورد على رأيه بخصوص أن الدين يقوم بالوازع الديني لا السلطاني، ومما جاء في مقاله: “فتبرير إسقاط التعزيرات كُلاًّ أو بعضاً لأن الدين يقوم على الوازع الديني لا السلطاني هو خلاف النصوص والقواعد، فإن من كمال الدين أنه قام على سلطانين: سلطان الحجة وسلطان القوة، ولا غنى لأحدهما عن الآخر، لهذا يقول العزيز الحكيم “لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس”.
فوفق بقلال؛ فـ”الكتاب” يقوم به العلم والإيمان و”الميزان” تقوم به الحقوق المالية وشبهها، و”الحديد” تقوم به الحدود والعقوبات. فمن عَدَل عن الكتاب قُوِّم بالحديد، لهذا كان قِوام الناس بأهل الكتاب وأهل الحديد، الأمراء والعلماء. رُوي عن جابر بن عبد الله (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نضرب بهذا (يعني السيف) من عدل هذا (أي المصحف)”.
وأضاف معلقا على منهج وأصول الدكتور الريسوني قائلا: “ثم أُنبِّهُ إلى أن الشيخ حفظه الله لم يقل إلا ما هو منسجم مع رؤيته في موضوع الحرية فلا يعدو موقفه هذا أن يكون تخريجاً على الأصل في قضية حرية التدين، فهو لا يرى الإلزام لا بالصيام ولا بالصلاة ولا بالشهادتين لمن اختار الارتداد عن الإسلام، استدلالا بقوله تعالى: (لا إكراه في الدين) وأن الدين والإكراه لا يجتمعان، وتمشياً مع أصله حفظه الله فإنه يرى عدم مشروعية حدِّ الرِّدَّة (أنظر حد الردَّة والإشكال الأصولي للريسوني).
وهو أمر أغلظ من مسألة تعزير مُفطرٍ غير جاحد بغير عذر، وورد فيه حديث صحيح لا يأخذ به الشيخ بحجة أن الآية محكمة غير منسوخة وعامة غير مخصوصة، والحديث آحاد، ولنقل كما قال الشيخ إنها محكمة عامة، لكن الصواب أن موضوعها ليس متعلقاً بالردة والخروج من الدين ولم يحملها عليه أحد من المفسرين فيما أعلم، وإنما مجالها الإكراه على الدخول في الدين لا الخروج منه، فالآية عامة لكن هناك فرق بين عموم اللفظ وبين موطن العموم”.
صلاح الوديع: لستم الخالق حتى تردوا الناس قهرا إلى سواء السبيل
نختم بتدوينة للكاتب العلماني صلاح الوديع رئيس جمعية ضمير، المتضامن مع الداعين للتمرد على دين المغاربة والضرب به عرض الحائط، حيث كتب على حائطه الفيسبوكي: “شرب جرعة ماء أو الامتناع عنها في رمضان مسألة إيمانية لا دخل لأي أحد فيها. وإلا فما الذي يمنعكم من إجبار الناس على الصلاة والزكاة وغيرها من الشعائر. لا قيمة لإيمان المُجبَر. ولستم الخالق حتى تردوا الناس قهرا إلى سواء السبيل. أليس هو القائل لا إكراه في الدين”، قبل أن يختم بالقول: “غدا توقفوننا في الشوارع وتجبروننا على النطق بالشهادة لكي ننجو بأنفسنا، كفى من التخلف. كفى من النفاق، كفى”.
كما أن توفيق الغلبزوري وأحمد الشقيري الديني في بعض تدويناتهما على الفيسبوك، أشارا إشارات عابرة للموضوع دون ذكر الريسوني أو موقفه، ربما لحساسية الوضع أو المنصب.