واقع مر، وظروف مريرة تعيشها الأمة جمعاء ومنها هذا الشعب الذي فقد البوصلة، ولا يدري إلى أين يسير، فقط يسارع الخطى نحو المجهول يهمهم بكلمات غير مفهومة، وأخرى لا تجد لها آذانا صاغية، وأخرى لا معنى لها، وأخرى لا يدري هو معناها، وأية مصيبة حين يسير الإنسان نحو المجهول وهو ربما يظن أنه في المسار الصحيح. وتقويم مسار السير أيضا يختلف فيه من نصب نفسه خريتا وبالمنعرجات خبيرا. فتجد الاضطراب في التحليل والتناقض في المواقف، مما يؤكد للهادئ المتتبع من بعيد متأملا سيل المتدفقين نحو المجهول ومن هم في القيادة أن الأمر أشبه بزوبعة وبعد أن ينجلي غبارها ستتضح الحقيقة التي ستصدم الجميع.
حين يكون المرء مسلما عنده من الوحي ما يحدد له الهدف ويبين المسار الصحيح، ويبصره بمخاطر الطريق ويقدم له خطة السير، وكيف يسير، ثم هو يتنكب عن كل ذلك بحثا عن الوهم بوسائل وطرق تخالف ما تضمنه الكتاب العظيم الذي أنزله الله الذي بيده الأمر والنهي، لا يقضى أمر دون إذنه ولا يسكن متحرك ولا يتحرك ساكن إلا بأمره.
فلا شك أن هذا الإنسان يحتاج إلى رجة توقظه من غفلته، وحين نتكلم عن الإنسان الفرد فهو جزء من كل يمثله المجتمع الذي يعيش فيه ومعه، فحين يسعى كل فرد إلى تقويم مساره على ضوء الوحي وتوجيه الشرع وبيان الإسلام وتوضيحه، يكون المجتمع قد عدل مشيته واستوى على طريقه، وأخذ الوجهة الصحيحة، ولا يتأتى ذلك إلا بتوبة مجتمعية يتحمل فيها كل فرد مسؤولية نفسه، دون إلقاء اللائمة على أحد مهما كان فردا أو مؤسسة أو جهة أو…
وتوبتنا المجتمعية لا تحتاج منا كبير عناء ولا كبير شقاء، فهي أسهل من أن يتخذ المسلم القرار ويعزم متوكلا على الله.
فيتعلم الجاهل..
ويحقق توحيد الله كل من تعلق قلبه بغير الله..
ويتصالح تارك الصلاة مع الصلاة..
ويعود هاجر القرآن إلى القرآن..
ويتذكر ربه من غلفت قلبه سحب الإعراض والنسيان..
ويبادر إلى الزكاة والإنفاق البخيل الشحيح..
وتبادر المتبرجة إلى الحجاب..
والبذيئة إلى الحياء..
ويقطع السكير مع الخمر..
والمدخن مع السجارة..
والمرابي مع الربا..
والمرتشي مع الرشوة..
والزاني مع الزنا..
والغاش المحتال النصاب مع الغش والنصب والاحتيال..
وبالجملة أن يقيم كل فرد حياته على شرع الله فلا يصدر منه قول ولا فعل إلا بأمر من الله ورسوله، يفعل ذلك بسعادة ونشاط، بلا إكراه ولا كراهية.
وعندها فلا تسأل عن الخيرات والبركات والمنح الربانيات، ولا تسأل عن خيرات السماء والأرض، وبركات تحفنا من بين أيدينا ومن خلفنا. تحقيقا لا تعليقا، وعدا من ربنا عز وجل القائل في محكم تنزيله “وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ” الأعراف.
وقوله جل شأنه: “وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ، وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لَأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم” (التوبة:65).
وما أظن أن مسلما رجلا كان أو امرأة يدرك انتماءه للإسلام ويعتز به يترك هذا المسار الذي رسمه له رب العباد من أجل الوصول إلى ما يصبوا إليه من رخاء وازدهار دنيوي وفلاح أخروي. إلا أن يكون ممن انتكست فطرته وسلب عقله وطبع على قلبه.
فإلى التوبة أيها المجتمع ولا داعي لضياع الوقت.
والله المستعان..