آيات تفهم على غير وجهها (سورة العنكبوت – الأحزاب) إبراهيم الصغير

قوله تعالى: {وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ}3.
كلمة «فَلَيَعْلَمَنَّ» تفهم على غير وجهها.
قال الشعراوي: ولك أن تقول: ألم يكُن الله تعالى يعلم حقيقتهم قبل أنْ يبتليهم؟ بلى، يعلم سبحانه حقيقةَ عباده، وليس الهدف من اختبارهم العلم بحقيقتهم، إنما الهدف أنْ يُقر العبد بما عُلِم عنه.
قال الطبري: والله عالم بذلك منهم قبل الاختبار، وفي حال الاختبار، وبعد الاختبار، ولكن معنى ذلك: وليظهرن الله صدق الصادق منهم في قيله آمنا بالله، مِن كذب الكاذب منهم بابتلائه إياه بعدوه، ليعلم صدقه من كذبه أولياؤه.
قال الزجاج: ليعلم صدق الصادق بوقوع صدقه منه، وقد علم الصادق من الكاذب قبل أن يخلقهما، ولكن القصد قصد وقوع العلم بما يجازي عليه. وإنما يعلم صدق الصادق واقعا كائنا وقوعه، وقد علم أنه سيقع.
وقال النحاس: فيه قولان أحدهما أن يكون “صدقوا” مشتقا من الصدق و”الكاذبين” مشتقا من الكذب الذي هو ضد الصدق، ويكون المعنى، فليبينن الله الذين صدقوا فقالوا نحن مؤمنون واعتقدوا مثل ذلك، والذين كذبوا حين اعتقدوا غير ذلك. والقول الآخر أن يكون صدقوا مشتقا من الصدق وهو الصلب والكاذبين مشتقا من كذب إذا انهزم، فيكون المعنى، فليعلمن الله الذين ثبتوا في الحرب، والذين انهزموا.
قال بن كثير: {ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين} أي: الذين صدقوا في دعواهم الإيمان ممن هو كاذب في قوله ودعواه. والله سبحانه وتعالى يعلم ما كان وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف يكون. وهذا مجمع عليه عند أئمة السنة والجماعة، ولهذا يقول ابن عباس وغيره في مثل: {إلا لنعلم}[البقرة: 143]: إلا لنرى، وذلك أن الرؤية إنما تتعلق بالموجود، والعلم أعم من الرؤية، فإنه يتعلق بالمعدوم والموجود.
نظير ذلك قوله تعالى بعدها:{وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ}11.

قوله تعالى: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}64.
كلمة «الْحَيَوَانُ» تفهم على غير وجهها.
قال البغوي: {وإن الدار الآخرة لهي الحيوان} أي: الحياة الدائمة الباقية، و”الحيوان”: بمعنى الحياة، أي: فيها الحياة الدائمة.
وقال أبو عبيدة: الحيوان والحياة واحد.
قال بن الجوزي: والحيوان والحياة واحد والمعنى: لهي دارُ الحياة التي لا موتَ فيها.
قال الزمخشري: {وإن الدار الآخرة لهي الحيوان} أي: ليس فيها إلا حياة مستمرة دائمة خالدة لا موت فيها، فكأنها في ذاتها حياة. والحيوان: مصدر حي، وقياسه حييان، فقلبت الياء الثانية واوا، كما قالوا: حيوة، في اسم رجل، وبه سمى ما فيه حياة: حيوانا. قالوا: اشتر من الموتان، ولا تشتر من الحيوان.
وفي بناء الحيوان زيادة معنى ليس في بناء الحياة، وهي ما في بناء فعلان من معنى الحركة والاضطراب، كالنزوان والنغصان واللهبان، وما أشبه ذلك. والحياة: حركة، كما أن الموت سكون، فمجيئه على بناء دال على معنى الحركة، مبالغة في معنى الحياة، ولذلك اختيرت على الحياة في هذا الموضع المقتضى للمبالغة لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ فلم يؤثروا الحياة الدنيا عليها.
قال أبو السعود: أي لهيَ دارُ الحياة الحقيقية لا متناع طريانِ الموتِ والفناءِ عليها أوهي في ذاتِها حياةٌ للمبالغةِ والحيوان مصدر حي سُمِّيَ بهِ ذُو الحياة وأصلُه حَيَيانُ فقُلبتْ الياءُ الثَّانيةُ واواً لما في بناءِ فَعَلان من مَعْنى الحَرَكةِ والاضطرابِ اللازم للحَيَوان ولذلك اختِير على الحياةِ في هذا المقامِ المُقتضي للمبالغة.

سورة الأحزاب
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ}53.
كلمة «نَاظِرِينَ إِنَاهُ» تفهم على غير وجهها.
كلمة «إناه» توحي على أنها من الإناء الذي يقدم فيه الطعام، وبالرجوع إلى التفاسير يتضح أن معناها غير ذلك.
قال الطبري: (غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ) يعني: غير منتظرين إدراكه وبلوغه، وهو مصدر من قولهم: قد أنى هذا الشيء يأني إنى وأنيا وإناء.
قال الشوكاني: ومعنى ناظرين: منتظرين، وإناه: نضجه وإدراكه، يقال: أَنَى يَأْنِي أَنًى: إذا حان وأدرك.
قال بن عاشور: وإناه بكسر الهمزة وبالقصر: إما مصدر أنى الشيء إذا حان، يقال: أنى يأني، قال تعالى: ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله [الحديد: 16]. ومقلوبه: آن.
وهو بمعناه. والمعنى: غير منتظرين حضور الطعام، أي غير سابقين إلى البيوت وقبل تهيئته.
قال العلامة السعدي: (نَاظِرِينَ إِنَاهُ) أي: منتظرين ومتأنين لانتظار نضجه.
قال بن كثير: قال مجاهد وقتادة وغيرهما: أي غير متحينين نضجه واستواءه، أي: لا ترقبوا الطعام حتى إذا قارب الاستواء تعرضتم للدخول، فإن هذا يكرهه الله ويذمه. وهذا دليل على تحريم التطفيل، وهو الذي تسميه العرب الضيفن.
و الله تعالى أعلى وأعلم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *